البحث

التفاصيل

فضل شهر الله المحرم

الرابط المختصر :

فضل شهر الله المحرم

 

 الشيخ الدكتور سلمان العودة (فرج الله أسره)

 

 

  هذا شهر الله المحرم، وهذه أول ليلة منه، وشهر الله المحرم هو أول السنة، وهو من الأشهر الحرم قال الله: { إِنّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة:36] .

والأشهر الحرم الأربعة هي: محرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ولذلك تقول العرب: الأشهر الحرم أربعة، منها ثلاثة سرد وواحد فرد، أما الثلاثة السرد فهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، وهي ثلاثة أشهر متوالية، وأما الفرد فهو: رجب، ولذلك يسمى رجب الفرد أحياناً؛ لأنه منفرد عن بقية الأشهر الحرم.

ومن حكمة الله تعالى أن بدأ السنة الهجرية بشهر حرام، وهو محرم، وختمها بشهر حرام وهو ذو الحجة.

والمحرم قال بعض العلماء: إنه أفضل الأشهر الحرم، قال الحسن البصري رحمه الله: [[إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وهو المحرم، واختتمها بشهر حرم وهو: ذو الحجة، وإن أعظم شهر في السنة عند الله بعد رمضان شهر الله المحرم.

وقد جاء اسمه هكذا في السنة شهر الله كما في صحيح مسلم وسنن النسائي: { أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شهر الله الذي تدعونه المحرم } وإنما نُسب إلى الله تعالى تعظيماً له، كما يقال: بيت الله وناقة الله وما أشبه ذلك، فإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة تشريف وتعظيم، فهو من أشرف الشهور وأفضلها وأعظمها عند الله تعالى.

وكان يسمى الأصم، بل ورد هذا في حديث مرفوع لكنه مرسل عن الحسن البصري ، وذلك لشدة تحريمه عند الله تعالى.

وقد جاء في سنن النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: { سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير؟ وأي الأشهر أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خيرُ الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم } فهذه من فضائل شهر المحرم]].

ومن فضائله: أنه يستحب فيه الصيام، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم } وليس المقصود أنه أفضل الصيام على الإطلاق، لكن صوم النفل على قسمين: القسم الأول: صوم نفل مقيد: مثل الست من شوال، وأيام البيض، وما أشبه ذلك، فهذا يكون أفضل من المحرم.

القسم الثاني: نفل مطلق غير محدد، فهذا أفضله المحرم.

مثل الصلوات، فهناك نوافل مقيدة، مثل الرواتب قبل الصلاة وبعدها، فهذه أفضل حتى من قيام الليل، وهناك نوافل مطلقة، كأن: تصلي بعد الظهر ما شاء الله لك، أو بعد المغرب تصلي ما شاء الله لك، فهذا قيام الليل أفضل منه، وهكذا الشأن في موضوع صيام شهر الله المحرم.

ومما يستحب صيامه في محرم يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر؛ لأنه يومٌ نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، والكلام في يوم عاشوراء يطول، لكن يوم عاشوراء كان يُصام في الجاهلية، وكان يوماً تكسى فيه الكعبة، وكانت اليهود أيضاً تصومه، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، حتى جاء في الصحيحين من حديث الربيَّع وغيرها: { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي في القرى القريبة من المدينة: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن كان صام فليصم فكانوا يُصَوِّمون صبيانهم، فإذا بكى أحدهم أعطوه اللعبة من العهن حتى يكون عند الإفطار } أي: يعطونه اللعبة يلعب بها ليصوم حتى الغروب

فأمر الناس بالصيام في ذلك اليوم، ولهذا ذهب جماعة من الفقهاء كـ أبي حنيفة وغيره إلى أن صيام يوم عاشوراء كان واجباً، فلما فرض رمضان أصبح سنة.

ولا يزال جمهور العلماء يرون أن صيام يوم عاشوراء مستحب، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة : { أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء، فقال: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله }.

فيستحب للإنسان أن يصوم عاشوراء، وفي صحيح مسلم أيضاً: أنه صلى الله عليه وسلم قال: { لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع } فمات صلى الله عليه وسلم، فيستحب أن يصوم اليوم التاسع معه، ويكره بالصيام؛ لأن في ذلك مشابهة لليهود، بل يستحب أن يصوم الإنسان يوماً قبله، وإن صام يوماً قبله ويوماً بعده إفراده كما ذهب إلى هذا ابن القيم واعتبر أن هذا هو الأكمل كما في زاد المعاد، فلا حرج عليه، لكن هذا لم يرد فيه نص، وإنما يستحب أن تصوم التاسع والعاشر.

وفي بعض الكتب يقولون: إن الحيوانات تصوم، ويذكرون أن واحداً فتَّ للنمل فما أكلت في يوم عاشوراء، وذكروا قصصاً، وهذه كلها تهاويل لا حقيقة لها، وهو باطل؛ لأن هذه الحيوانات لو كانت تصوم لكان أفضل لها أن تصوم رمضان، فرمضان أفضل من عاشوراء، ولعل هذا من اختلاق بعض أهل الكتاب، وتلقاه عنهم بعض المسلمين وذكروه في كتبهم، وهو مما ينبغي الإعراض عنه.

كذلك من الأشياء التي ينبغي أن نتفطن لها في موضوع عاشوراء: أن فيه بدعاً يقع فيها بعض الناس؛ فبعض الناس يخصصون يوم عاشوراء بخصائص، فمنهم من يغتسل في يوم عاشرواء، ومنهم من يكتحل أو يتزين أو يختضب، وكل هذه الأشياء بدع ولا تنبغي، بل في هذا مضاهاة لليهود؛ لأنهم يعتبرون يوم عاشوراء يوم عيد، ولهذا نحن حين نصومه ونصوم يوماً قبله حققنا أمرين: أولاً: أنه ليس يوم عيد؛ لأن أيام العيد لا تصيام عندنا نحن المسلمين.

ثانياً: أننا كذلك صمنا يوماً قبله لئلا نوافق اليهود في صيامهم.

وكذلك من البدع العظيمة ما تفعله الرافضة في هذا اليوم، فإنهم في بلادهم كلها وفي الأماكن التي يوجدون فيها، يخرجون جماعات في الأسواق، ويعملون التمثيليات ويركبون الخيول والإبل، وينوحون ويصيحون، ثم يخلعون ملابسهم ويأتون بالسلاسل والسكاكين، فيضربون بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم وتسيل الدماء ويسقط الجرحى والقتلى، ويعتبرون القتلى شهداء في هذا اليوم، حتى صنف بعض خبثائهم ومشعوذيهم كتاباً في شهداء يوم عاشوراء.

وهذه من الألاعيب التي يلعب بها الشيطان على أتباعه ومريديه؛ حتى إنهم يصبحون أضحوكة للأطفال والصبيان والسفهاء، ومع الأسف الشديد أصبحوا في هذا العصر أضحوكة حتى للكفار، فقد بلغني في عام مضى أنه في التلفزيون البريطاني، عرضوا مشهداً مطولاً عما تفعله الشيعة في يوم عاشوراء، وأتوا بالدماء تسيل والجراح والسكاكين وهؤلاء يتساقطون، والذي يضرب بيده، والذي يضرب بنعله، والذي يضرب بسلسلة، والذي يضرب بأشياء تشمئز منها النفوس، ومع الأسف لا يقولون إن هؤلاء هم الرافضة أو الشيعة، بل يقولون: هؤلاء هم المسلمون، فيعطون صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.

اللهم اجعل هذا العام هالاً علينا بالأمن، وهذا الشهر هالاً علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق فيما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير.

اللهم اجعل ما نستقبل من أيامنا خيراً مما نستدبر، ووفقنا ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.

اللهم اجعل هذا العقد عقد خيرٍ ونصر للإسلام والمسلمين، اللهم ارفع به كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وارفع به التوحيد وأهله وأذل به الشرك وأهله، اللهم انصر به المجاهدين في كل مكان، وأقر أعيننا بنصر الإسلام والإيمان يا حي يا قيوم يا ديان إنك على كل شيء قدير.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

 

والحمد لله رب العالمين.


: الأوسمة



السابق
الاتحاد يطلق دورة التكوين والتأهيل الشرعي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع