البحث

التفاصيل

أليس الصبح بقريب؟

أليس الصبح بقريب؟

 أ. د. عمار طالبي (عضو الاتحاد)

 

كل ليل يعقبه صبح، وكل ظلام يعقبه نور، وكل استبداد تأتي بعده حرية، ونحن لا محالة نستبشر خيرا، ونعقد في أنفسنا أملا، فإن الشعب لا يهدأ له بال، إلا إذا لاح الفجر الصادق، وشعر بصدقه وتحقق برجال له وطنيين، يضحون بأنفسهم وأوقاتهم من أجل حرية الوطن، ودرء المفاسد، وجلب المصالح.

 

وربما يحدث فجر كاذب في غلس من الليل لم يتبين فيه الخيط الأبيض من الأسود، يتسرب منه بعض أصحاب الإيديولوجيات والمصالح الخاصة، أو يعملون لجهات معينة أجنبية أو غيرها.

 

وقد تعودنا في تاريخ الجزائر الحديث الذي عاصرناه وعايشناه تسرب هؤلاء الذين يلبسون لباسنا وينطقون بألسنتنا، ومن أبناء بلدتنا فيحيطون بمن يحكمنا، وينفذون إيديولوجيتهم من خلالهم، فيتوجهون وجهة أخرى، ويؤدي ذلك إلى خراب الاقتصاد والثقافة، والزراعة وفشل الصناعة، فكانوا يتحدثون عن الثورة الزراعية ويخطبون، وعن الاشتراكية التي لا رجعة فيها، وما إلى ذلك من الشعارات الفارغة، ولم يفكروا في بناء سدّ واحد، حتى أصبحنا لا نجد ماء السقي والزراعة، فأفلست الزراعة، وفشلت محاولات الصناعة الثقيلة وغيرها، كما أنهم لم يفكروا في أوائل ذلك العهد، -إلا أخيرا- في شق الطرقات التي هي عصب الحياة الاقتصادية، ولم يفكروا في شق طرق السكة الحديدية فإن القاطرات وشبكة السكة الحديدية ذات أهمية بالغة في نقل البشر والبضائع، اعتمدوا على الحافلات ومسالكها الضيقة، فبعد مدة تصبح في مقبرة ما تهالك منها، وفسد في حظيرة القصادير.

 

ورغم توفر المال، والثروة البشرية والمادية فإن توفر الإمكانات المادية وغيرها إذا فقد منهج التصرّف والإداراة الراشدة فإن هذه الإمكانات تتبدد، وتضيع بلا جدوى.

 

كما أن التوجيه السياسي المعتمد على الحزب الواحد كان يعد الناس بوعود كثيرة:

 

نبني لكم، ونعطيكم كل الحقوق ونرفع الفقر، فألف الناس المطالبة بالحقوق، أما الواجبات فلم يفكر فيها هؤلاء، فإن الحقوق التي تمثل الاستهلاك بلغة الاقتصاد لا يمكن أن تتوفر إذا لم يسندها القيام بالواجب، الذي هو في لغة الاقتصاد ما يسمّى بالإنتاج، فالذي لا ينتج من أين له ما يستهلكه؟ من لا يقوم بواجبه كيف ينال حقوقه؟

 

فأصبحت الجزائر سوقا يتهافت عليه الأجانب وما توفر من ثروتها ذهب أدراج الرياح، فلا نجحنا في الزراعة، ولا في الصناعة، ولا في الثقافة العلمية التي تقوم على البحث العلمي الذي يؤدي إلى التقنية بل لم ننجح في أن نوفر لبلدنا الحليب، والدقيق، وهي أرض قارة، ما شاء الله، ولا اللحوم، لفشلنا في تربية الحيوان، والاستثمار فيه، مع أنه يوجد في بعض مناطق الجنوب، بحيرات من المياه، التي يمكن أن تستغل في الزراعة فأين نحن منها؟

 

والذي أريد أن أقول وأردد القول أن مشكلتنا في القيادة التي تقود البلاد، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ولذلك فلنحذر أن يتسرب هؤلاء الخدمة لغيرنا، والخادعون لنا إلى القيادة من جديد، ونحن في غفلة من أمرنا، كما استغفلونا مدة طويلة، ويلوح في أفقنا الآن بعض هؤلاء الذين يصرون على تولي تسيير شؤوننا، فنقع في التبعية من جديد لدولة أو أخرى تتربص بنا لتتحكم في مصيرنا بأعوانها المقيمين بيننا  بأجسادهم، ولكن عقولهم وقلوبهم تشتغل بحزم لحساب غيرنا.

 

ونحن والحمد لله نشاهد كثيرا من المفسدين في المحاكم والسجون، ولكن هذا النوع من المفسدين نوع واحد، وهو الإفساد المالي والعقاري.

 

والغريب أخيرا هو مجيىء نوع الإفساد الخطير وهو فساد من بيده العدل والعدالة والقانون، وحافظ الأختام فهذا نوع جديد.

 

وهناك نوع آخر من الإفساد وهو إفساد المنظومة التربوية، وإفساد الثقافة، وهو أخطر إفساد لأنه يمس القيم والهوية.

 

نرجو أن نرى من يقاد إلى المحاكم والسجون من هؤلاء الذين جمعوا بين الإفساد العلمي التربوي والإفساد المالي أيضا، جمعوا بين الشرّين، فهم أولى بالمحاكمة، والمساءلة، وأخذهم بالعقاب الذي يستحقونه بالعدل والإنصاف.

 

نعوذ بالله ونلجأ إليه من المفسدين بكل أنواع الفساد، وفي مقدمتهم المتسربون إلى القيادة السياسية والإدارية في خفاء وغفلة من الوطنيين الصادقين. متى نبقى في الغفلة؟ وتختطف منا ثورتنا ومصيرنا؟


: الأوسمة



السابق
السياحة الإسلامية.. الواقع والمستقبل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع