البحث

التفاصيل

بلقيس القائدة

أ د. ليلى محمد بلخير (عضو الاتحاد)

بلقيس القائدة

اهتم القرآن بعرض النماذج والصور التي يمكن أن تتجاوز حرفية الزمان والمكان ونمطية الأشكال والأسماء  بشكل يعزز قدسيته وإعجازه ، ومن ذلك نجد قصة  بلقيس ملكة سبأ ،تعرض نموذجا للمرأة القوية الرشيدة ،يخضع لحكمها الرجال واستحقت هذه المكانة بفضل المؤهلات التي حبيت بها من  رجاحة  عقل وفكر راشد ،وحنكة في التسيير والقيادة ،ويأتي سياق القصة مشوقا ومثيرا على لسان الهدهد الذي غاب ورجع مستكشفا خفايا هذه القصة في سورة النمل ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ 24) إنها امرأة استثنائية، تملك الرجال والنساء، بماذا تملكهم ؟  بحسن إدارتها، وسياستها الرشيدة، نموذج خاص بمؤهلات فريدة لا يمكن أن تتكرر، وأهم مقومات الشخصية القوية تتوفر في ملكة سبأ هي الحزم ورجاحة العقل ،الثبات في الموقف، الكياسة والحذق في القيادة، مشاركة أولي النهى ، بالحوار والتشاور ويظهر الحس القيادي عند بلقيس لافتا للنظر، في تفضيلها المصلحة العليا وهي المحافظة على الأمن و الاستقرار على الانتصار للعواطف والأهواء ، مثل ما جاء في قوله تعالى(قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَ كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) تعد قصة بلقيس نموذجا حقيقيا يصور تمكين المرأة من القيادة ، ويعرض قدرتها الفذة في ذلك ، ولكن يجب أن لا يأخذ الموضوع  طابع الهيمنة و الانتشار بحيث يخرج من فرادته كنموذج ، وهذا ما نلمسه في واقعنا المعاصر، الانشغال  بفخامة وتفخيم الأسماء النسوية على حساب المضمون الحقيقي الذي  خلقن من أجله تربية الأجيال فبات وبالا على الأسرة بالتفكك والناشئة بالدمار والتشرد، لماذا ظاهرة الخلع في تزايد في مجتمعنا المعاصر؟ لماذا الطلاق والضنك؟ من زرع الوهم بالإكثار من النماذج النسوية وتمكينها من صنع القرار؟ فكان القرار للأسف الشديد بعيد كل البعد عن الاستقرار والاستمرار في طبيعتها الأنثوية الرقيقة لان اختلال التحكم في المواقف هو السبب الرئيس في  البؤس الذي تتخبط فيه الآن، وتكون نهاية القصة متسقة مع منطق الأحداث حيث تقود بلقيس رعيتها إلى الإيمان بالله، ويوضح القرآن خطه المتوازن في عرض النموذج بحيث لا يفقد طبيعته  وخصوصية أثره، لأن الإكثار منه يخرج به إلى التمييع والتحريف والفساد الكبير.

*هذا المقال ضمن سلسلة مقالات حول " القرآن والحياة ".

                                                                                       


: الأوسمة



التالي
إسلامية القرن العشرين
السابق
الريسوني "لن أعتذر وما كتبته كله كلام موزون عقلا وشرعا وليس فيه شيء منفلت"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع