البحث

التفاصيل

التكوين العلمي والتربوي المستديم لمعلمي المعاهد الشرعية

بسم الله الرحمن الرحيم

التكوين العلمي والتربوي المستديم لمعلمي المعاهد الشرعية

الباحث:  أبو الحسين عبدالمجيد المرادزهي الخاشي - عضو الاتحاد -

 

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، الذي جعل العلم نورا والجهل ضلالا، وأشهد أن لا إله إلا الله، رفع قدر العلم وأهلَه ، وأعلى منزلته ونوّه بفضله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.  صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين ظفروا بميراث الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

 قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:122].

لقد رفع الله سبحانه  وتعالى شأن العلم وأهله ، وبين مكانتهم ، ورفع منزلتهم ، فقال : ﴿ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة:11]. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.

ولم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم ، فقال له سبحانه وتعالى: ﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً ﴾ [طه:114]، وما ذاك إلا لما للعلمِ من أثر في حياة البشر ، فأهل العلم هم الأحياء ، وسائر الناس أموات.

العلم يجلُو العمى عن قلب صاحبـه                    كما يجلي سوادَ الظُّلمةِ القمرُ

فلـولا العلم ما سَـعَدَت نفـوس                                ولا عُرِفَ الحلالُ و لا الحرامُ

فبالعلـم النجـاة مـن المخـازي                   وبالجهـل المذلَّـةُ والرَّغـامُ

لقد  حدّد النبي صلى الله عليه وسلم الغايةَ الأولى من بعثته ، والمنهج الأمثلَ لدعوته ، فقال فيما رواه الإمام مالك:  إنما بُعِثتُ معلّماً، إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق.

لا شك أن العلم بأنواعه يلعب دورا رئيسيا في مسيرة الحياة اليومية ،  فقد كانت أول كلمة نزلت على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم هي كلمة "اقرأ"، فالعلم نبراس المؤمن وطريقُهُ للوصول إلى مُبتَغاهُ. فبالدين تَصلَحُ الأمم، وبالعلم تسير على طريق الخير والصواب، فلا خير في مؤمن جاهل لا يُفيدُ مُجتَمَعَهُ بشيء.

   وللمعلم أيضا دور كبير  في المجتمع وفي بناء الحضارات لأن المعلّم  وارث دعوة الأنبياء،  وصانع جِيلِ المستقبل، وصاحب التأثير الكبير في حياتنا وحياة أبنائنا ، وحامل الأمانة العظيمة التي إن حملها بما فيه رضى الله تعالى كانت له نوراً، فما أشرفها من رسالة! أوليس رسولنا صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول؟ يقول الله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ[البقرة: 151] ويعظّم الإمام الغزالي مهنة التعليم فيقول "من عَلِمَ وعَلَّمَ فهو الذي يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات"..    ويقول أحمد شوقي في تبجيل المعلم :

قم للمعلم وفِّه التبجيلا  *** **كاد المعلم أن يكون رسولا

     والعصر الذي نعيشه ملئ بالتحديات ، فكلُّ يوم يظهر على مسرح الحياة مُعطياتٌ جديدةٌ تحتاج إلى فكر جديد، ومهارات جديدة ، وآلياتٍ للتعامل معها بنجاح، وتحتاج إلى إنسان مبتكر ومبدع ، قادر على التكيُّفِ مع البيئة وفق القِيَمِ والأخلاق والأهداف العالية. وهذا يحتاج إلى تربية المعلمين في ظل تربيةٍ  راقيةٍ ومتقدّمةٍ ألا وهي التربية الإسلامية.

    وباعتبار التطوّر المستمرِّ للعلوم  في مجالات مختلفة ، أصبحت الحاجة – اليوم – إلى الاهتمام بقضية إعداد المعلم أكثر ، لأن تكوين المدرسين بمثابة الأرضية الحقيقية التي تتبلور عليها خرائط صنعِ الواقعِ العلميِّ والتربويِّ.  وبناءً   على هذا التطور العظيم وانطلاقا من أن التعليم والتزكية من أهمِّ وظائف الانبياء عليهم السلام – وكفى لمهنة التعليم  قوله عليه السلام: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ –(رواه البخاري) -  كان لزاما على القائمين على التعليم والتربية ، تخصيص جزءٍ كبيرٍ من التعليم للتكوين العلمي والتربوي  للمعلمين  –خصوصا في الفكر التربوي الإسلامي في المعاهد الشرعية والجامعات -، لغرض  إعداد أجيال يُعتَمَدُ عليها في استرداد  إرث الأسلاف من العلوم وتأهيل المدرّسين في مجالٍ تربويٍّ معيّنٍ ، لارتقاء  معلوماتهم المعرفي والميداني.

     وعلينا أن نمكّن المدرسين في تكوين أساسيٍّ علميٍّ وتربويٍّ مستمرٍّ من خلال صياغة برنامجٍ عمليٍّ يستفيد منه المدرّسون وفق نظامٍ علميٍّ وتربويٍّ عالٍ وقابلٍ للتطبيق والتقويم. كي يُصبِحو فقهاء وينالو  شرف التفقه في الدين: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

       ولا شك أن المعلم هو العامل الأساسي للمعاهد الشرعية والجامعات في نجاح العملية التعليمية ، ومن هذا المنطلق دوره خطير ، حيث أنه حلقة الوصل بين الكتاب والطلاب و أنه من أهم عناصر التعليم، حيث أن التعليم لا يتغير ولا يتبلور بغير المعلم الماهر ،  و أن عناصر التعليم تفقِدُ أهميتها إذا لم يتوفّرِ المعلم الصالح الذي ينفُثُ فيها من روحه ويريد انخراطه في سلك تعليم العلوم الشرعية وإنارة طريق الهداية للأمة ، كما قيل لأبي حنيفة –رحمه الله –: "في المسجد حلقة ينظرون في الفقه" فقال: ألهم رأس ؟  قالوا: لا ، قال: لا يفقه هؤلاء أبدا. .( تذكرة السامع و المتكلم في أدب العالم و المتعلم – ابن جماعة)

   وإنجاح هذا الأمر  منوط بارتقاء العنصر البشري في المجتمع الاسلامي.   والاستثمار  الناجح في هذا المجال ، يتطلب ظروفا واستراتيجيات في رفع مستوى برامجِ تربية المعلم وتكاملِها .

   هنا أرى من الضروري أن أشير إلى معضلة عامة وأزمة كبيرة  في مدارسنا التقليدية والمعاهد الشرعية ، وهي قضية الاستخدام العشوائي الذي لا يسبقه إعداد ولا تخطيط ، حيث يتم توظيف المدرس بعد التخرّج من المنهج الدراسي دون أن يقضي دورة تدريب المعلمين ويُثبِتَ جدارتَه وأهليتَه للتدريس.

   فلذا من الضروري على المعاهد الشرعية والجامعات الاسلامية والجهات المختصة ، أن تقوم بتخطيط خُطّة راقية ومتطورة لإعداد المعلمين والاهتمام به في جميع الجوانب  المهنية ، والعلمية ، والاجتماعية، والأخلاقية. ومن لوازم الخطة أن تكون مشتملة على معايير خاصة من جانب المعاهد الشرعية وهيآت التدريس لتكوين واختيار المدرسين على الأسس والمعايير الآتية :

بعض من المعايير والأسس اللازمة لاختيار معلمي علوم الشريعة

الأول - صفات المعلم الخُلقِيّة

1-الربانية وتصحيح النية وتقوى الله :كما قال الله عز وجل: ﴿ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾

قال المفسرون أي أهل عبادة وأهل تقوى وقالوا: حَقٌّ على من تعلم القرآن أن يكون فَقيهًا ، وأن يكون عالما ، حكيما ، ناصحا لله في خلقه. قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ" وقال: إنما الأعمال بالنيات.

يقول الحافظ ابن جماعة في بيان مسئوليات المعلم: أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى ونشر العلم، ودوام ظهور الحق وخمول  الباطل ودوام خير  الأمة بكثرة علمائها.

2- تزكية وتهذيب النفس كما ذكر الله تعالى التزكية قبل التعليم : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ .

و يقول ابن جماعة على أن تحقيق أهداف التعليم منوطة بحسن اختيار المعلم بقوله ” و اذا سَبَرتَ أحوال السلف و الخلف لم تجد النفع يحصل غالبا و الفلاح يُدرِكُ طالبا إلا إذا كان للشيخ (أي المعلم ( من التقوى نصيب وافر، و على شفتيه و نصحه دليل ظاهر". (تذكرة السامع و المتكلم)

    ولهذا أرشد (عمرو بن عتبة) معلِّمَ ولدِه قائلا:" لِيكن أوّلَ صلاحكَ لِبنيَّ إصلاحُكَ لنفسكَ؛ لأنّ عيونَهم معقودة بعينك ، فالحُسْنُ عندهم ما صَنعْتَ ، والقبيحُ عندهم ما تركْتَ"  . قال أبو بكر بن المطوعي: “اختلفتُ إلى أبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -ثنتَي عشرة سنة، وهو يقرأ (المسند) على أولاده، فما كتبتُ عنه حديثا واحدا، إنّما كنتُ أنظر إلى هدْيه وأخلاقه”، أمّا (ابن وهب) فقال: "ما نقلْنا مِن أدب الإمام مالك ، أكثرُ ممّا تعلّمنا مِن عِلمه" .

 3- الحكمة: من  صفات المعلم الناجح أن يكون متصفا بصفة  الحكمة اللازمة للدعاة وترك الاشتغال بما لايعني والاجتناب عن المراء والجدل القبيح والعقيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ" رواه الترمذي ، فهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ومنهج واضح يسير عليه المعلم في حياته. و من صفاته أن يكون راعيا لعزة العلم والعلماء. 

4- الوسطية ومنهج الاعتدال : لاشك أن الوسطية هي منهج فكري أصيل يعنى بالبحث عن الحقيقة وتحصيلها حيثما كانت، والوسطية هي دعوة إلى البعد والاجتناب عن جميع مظاهر الغلو والتطرف، ونستطيع القول: بأن الوسطية في الإسلام ليست تشريفًا للأمة بل هي تكليف لها.  فالوسطية اعتدال في كل أمور ومنهج فكري وموقف خلقي وسلوكي، كما جاء في الآية الكريمة ﴿  وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ (القصص، آية ٧٧(  

  حيث تشير إلى أهمية الوسطية في تحقيق التوازن في الحياة، والاعتدال بين الدين والدنيا. إن الوسطية هي التي تُقدِّمُ تصورا إسلاميا مرتبطًا بالزمان والمكان والإنسان، موصوًلا بالواقع، مشروحا بلغة العصر، منفتحا على الاجتهاد والتجديد.

     فما نريده هو أن يكون المعلم على طريق الوسطية في اعتقاده وتفكيره وتعليمه وجميع جوانب حياته ويكون على حذر من الإفراط والتفريط والفكر التكفيري الذي فرّق الأمة وأشعل نار الحروب الدامية الطائفية في العالم الإسلامي .  فلذا على المعلم  أن يُّرَسِّخَ في عقيدة المتعلم منهج الوسطية والاعتدالَ القرآني والرفقَ والتيسيرَ الذي هو من سمات الدين ومن سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.

   والمعاهد الشرعية والجامعات الإسلامية في الظروف الراهنة ، في حاجة مُلِحّةٍ  إلى نشوء وتركيز فكرة الوسطية والاعتدال في أفكار الطلاب والمتعلمين. وعلى أصحاب المدارس الشرعية والجامعات الإسلامية أن يعقدوا ندوات ومؤتمرات ودورات تدريبية في هذا الموضوع ويُشجّعوا المعلمين للحضور في هذه المؤتمرات والدورات التدريبية التي تنعقد في البلد أو خارجه.

الثاني : العلم ومؤهلاته العلمية

لا شك أن متابعة التطورات وملاحَقتِها أمرٌ مهم للمعلم ، كي يُسايِرَ العصرَ ويحقق المزيد من الفاعلية والتأثير والنجاح في مجال عمله ، ويمكن للمعلم تحقيق ذلك عن طريق متابعة ما يستجِدُّ من أبحاث ودراسات ومؤلّفات ، والحضورِ في الندوات والمؤتمرات والاجتماعات والدورات التدريبية والمشاركةِ في الأبحاث والدراسات التربوية  والتعليمية المتعلقة بعمله ، والإطلاعِ على الإصدارات العلمية من كتب ومنشورات في مجال تخصصه العلمي وفي المجالين التربوي والثقافي والإفادة منها ، وتقويمِ نفسِهِ ذاتياً بتحليل أدائه في التدريس والتعرف على نقاط القوة والضعف وتخطيط وتنفيذ الحلول المناسبة لذلك. ولكن من المهم بالنسبة للمعلم أوّلا أن يكون ماهرا  في المجالات الآتية :

1-إتقان تلاوة القرآن : لأن رعاية قواعد التجويد والإتقان فيه ليس فقط واجبا لعلماء القراءات بل يلزم عامة المدرسين ، وإن لحنهم في القرآن وعدم رعاية  التجويد ، تخفضُ مكانتهم عند الطلاب  وعامة المسلمين. يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في توصياته  وتوجيهاته: "تعلموا القرآن وعلموه ، فيه فقه الفقهاء ، وبه علم العلماء وهو غاية كل فقيه." ولكن من الموسف أن كثيرا من المدرسين وحتى المشايخ  في زماننا يلحنون في القرآن و لا يراعون قواعد التجويد في التلاوة ، وهذا عيب ونقص كبير يكون باعثا لانخفاض مكانتهم عند الطلاب وفي المجتمع الاسلامي.

2-المعرفة الواسعة بالعلوم الشرعية خصوصا الفقه وأصوله قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. رواه البخاري (71) ، ومسلم (1037) فلا يكون مدرس المعاهد الشرعية فقيها  حتى يكون عالما ، حكيما ، بصيرا  بأمور الدين ، له بصيرة ودراية ببعض العلوم العصرية .

    ولذا يوصي ابن جماعة المعلم “بأن لا يدع فنا من الفنون أو علما من العلوم إلا نظر فيه ، فإن ساعده القدر و طول العمر على التبحّر فيه فذاك ، و إلا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العمل، و يعتني من كل علم بالأهم فالأهم.”

 

الثالث: صلة المدرس بالطلاب ومنهجه في التعليم

لابد للمدرس الالتزام بالأخلاق الإسلامية واتساع ثقافته الدينية بصفة خاصة والعلمية بصفة عامة ، وهذا يقتضي أن يكون قدوة فى منهجه وسلوكه مع الطلاب في الرفق والتيسير والنصح  وحب الخير لهم على النحو التالي:

1- أن يكون من أهل الرفق والتيسير ومتصفا بصفات المعلم المرشد الناصح. وقد حدد الإمام الغزالي –رحمه الله- وظائف المعلم المرشد في ثماني وظائف:

*الوظيفة الأولى: الشفقة على المتعلمين والصبر على جفائهم والعناية بمصالحهم.

* الوظيفة الثانية:  أن يقتدي بصاحب الشرع، فلا يطلب على إفادة العلم أجرا وجزاء، فالعلم منزه عن الأغراض الدنيوية.

 * الوظيفة الثالثة: نصح المتعلم وتوجيهه ويكون على الدوام ناصحا ومزكّياً  له.

 الوظيفة الرابعة: نهي المتعلم وتنبيهه من سوء الاخلاق والمنهيات بطريق غير مباشر بالتعريض لا بالتصريح ، لأن التصريح يهتِكُ حجاب الهيبة والتعريض لا يهتِكُهُ.
*
الوظيفة الخامسة: عدم تقبيح العلم أمام  المتعلم. ومن يتولّى تدريس علم لا ينبغي له انتقاص علم أمام المتعلم، بل على المعلم أن ينبه على قدر العلم الذي يتعلمه في المستقبل ليشتغل به عند استكمال ما هو بصدده.

* الوظيفة السادسة: مراعاة استعداد المتعلمين والاقتصار على قدر أفهامهم ، ويراعي قاعدة : "كلم الناس على قدر عقولهم ".

* الوظيفة السابعة: المتعلم القاصر يُذْكَرُ له ما يحتمله فهمه وذلك حتى لا يفتُرُ رأيُهُ فيما يتعلّمُه

* الوظيفة الثامنة : أن يكون المعلم عاملا بعلمه: فعلى المعلم ألاَّ يُكذِّبَ عملُهُ  قولَهُ،  فلتكن عنايته بتزكية أعماله أكثر منه بتحسين علمه ونشره ، وإلا فكيف يستوي الظلُّ والعُودُ أعوجُ؟

لاتنه عن خُلْقٍ وتأتي مثله                  عارٌ عليك إذا فعلت عظيمٌ

فلذا يجب أن يكون المعلم قدوة حسنة لتلاميذه في تعليمه للأخلاق و لا يرتضي المعلم لنفسه من الأعمال ما ينهى عنه تلاميذه، و إلا فالمعلم يفقد هيبته و يصبح مثارا للسخرية و الاحتقار فيفقد بذلك قدرتَهُ على قيادة تلاميذه و يصبح عاجزا على توجيههم و إرشادهم .و يشير ابن جماعة إلى أثر القدوة الحسنة بقوله  "و يسلك التلميذ  في الهدي مسلك المعلم  و يراعي في العلم و الدين عاداته و عبادته و يتأدب بآدابه و لا يدع الإقتداء به".
2- الاستقلال في البحث والتفكير : على المدرس أن يكون مستقلا في بحثه وتفكيره ولا يكون مقلدا محضا وتابعا في أفكاره وآرائه ، بل تكون الاستقلالية منهجه في البحث والتعليم ، وأن يكون تابعا للضوابط والقواعد  الشرعية والمنهجية ، ولا يخرج عن حدود الاجتهاد المشروع ، ولا يكون بصدد تعطيل النصوص والاتباع للأقوال الشاذة والضعيفة ، وأن يكون على حذر من الوقوع في الفرقة والغوص في المسائل الجزئية  كي لا يكون باعثا للتفريق بين المسلمين خصوصا في الأجواء التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم من التحديات والتخطيطات العدائية لإشعال نار الطائفية والحروب المذهبية بين المسلمين.

  وفي النهاية أختم مقالي بهذه الوصية المنسوبة إلى سيدنا علي رضي الله عنه التي قالها  لكميل بن زياد النخعي الذي قال: "أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجُبَّان، فلما أصحرنا - أي نزلنا إلى الصحراء - جلس ثم تنفس ثم قال: يا كُميل بن زياد ، القُلُوبُ أوعيةٌ ؛ فَخَيْرُها أوْعاها ، احْفَظْ ما أقولُ لَكَ، النَّاسُ ثلاثةٌ : فَعالِمٌ رَبَّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجَاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ ، أتْباعُ كلِّ ناعِقٍ ، يَميلونَ مَع كُلِّ رِيحٍ ، لَم يَسْتَضِيئوا بِنُور العَلمِ ولم يَلجَأوا إلى رُكنٍ وَثِـيقٍ. العِلمُ خَيرٌ من المالِ ، العِلْمُ يَحْرُسُكَ وأنْتَ تَحرُسُ المالَ ، العلمُ يَزُكو على العَمَلِ ، والمال تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ ، العلمُ حَاكِمٌ ، والمال مَحكُومُ عَلَيْه ، وصَنيعَةُ المالِ تَزُولُ بِزَوَالِهِ ، ومَحَبَّةُ العالم دِيْنٌ يُدانُ بها. مَاتَ خُزَّانُ الأَموالِ وَهمُ أَحْيَاءٌ ، والعلماءُ بَاقُونَ مَا بَقِي الدَّهْرُ ، أَعْيَانهم مَفْقُودَةٌ ، وَأَمْثَالُهُم في القُلُوبِ مَوجُودَةٌ"..

وأقول قولي هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين

 

* قدم هذا المقال في المؤتمر الدولي الثاني للتعليم الشرعي المنعقد في 30- 31 يناير 2017 في اسلام أباد باكستان تحت إشراف جامعة لاهور  والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 


: الأوسمة



التالي
الاتحاد ينعي فضيلة الشيخ الدكتور تيسير الفتياني عضو الاتحاد
السابق
هل فتوى الخروج أو فتوى الطاعة أو فتوى مخالطة السلطان، ترتبط بظروف مصلحية آنية؟ أم تاريخية؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع