البحث

التفاصيل

الرسائل الروح " شغف الخلود "

الرابط المختصر :

رسائل الروح "شغف الخلود"

  1. د. ليلى بلخير

                         خلت نفسي في مغارة ذات انحدار شاق ، الضوء فيها شحيح ونادر، أحاول تلمس المسلك بخطى ثابتة وأبحث عن بصيص نور يؤنس وحشتي دون جدوى ،ورغم ذلك سرت ،و يسير بي  حزني وغربتي  ، لا أستطيع فهم ما يقع بالضبط ، هل أنا في غيبوبة ولا يمكنني الخروج منها ؟  أم  في سفر طويل وتؤرجحني المسافات ؟ وكلما رغبت في البوح عصفت بي الأوجاع ، وانسكبت محبرتي ، وضاع اليراع ، ولم أملك العودة إلى نفسي إلا بصعوبة فائقة ومعاناة مريرة ، إنها محنة همت بي وقضت مضجعي وجعلتني أعيد حساباتي من جديد وأغير نظرتي للحياة . شغف الخلود بالكلمات يجعلني أتأمل الأشجار في الطريق ، وهي في نهاية خريفها تستعد لتغيير وجهها وتجديد ثوبها ، ولفعل تساقط الأوراق الذابلة فعل الموت والاندثار بشكل أو بآخر، تسقط ورقة ، والأخرى تنتظر مصيرها .  

            أجد ني أتابع بقلبي الكسير صورة  الورقة  الصفراء الذابلة ، وهي  تتمايل مع هبات الريح وتقاوم السقوط ، تحاول التماسك لــآخر رمق ،وترسل نظرات الأسى  هنا وهناك  وكأنها  تقول "كنت في يوم من الأيام  أجمل ما في الغصن الأخضر البهي وكنت أنظر للأوراق اليابسة بخوف ووجل أحس في اندثارها مصيري المحتوم ، وفي ذبولها  و تساقطها حياتي التي أحياها ،والموت الذي سيأتيني لا محالة "، نظرت الورقة الخضراء لأختها الذابلة المنكسرة  وقالت لها ما بال صوتك يشوبه الأنين ،و وجهك يميل إلى العبوس لم أشهد منك هذا التجهم والقتامة  من قبل ".  رفعت إليها طرفها تجالد دمعة انسكبت رغما عنها وقالت: "أختي الخضراء كنت مثلك رأسي مزهوا في السماء وكنت أنظر بحزن لصويحباتي في لحظات الوداع وكأني أودع ذاتي في اندثارها القريب ، ومر زمن طويل لا أدري كم مر بي من زمن ؟؟؟ في عنفوان الفصول وتزاحم الألوان ، كنت مـأخوذة بنشوة الاخضرار ،ورواء الحياة ، ونضرة الملامح ،ها أنا أقف اليوم وقد تيبست أوصالي ، لم يعد عندي بال للغو ولا للغط وكل رغبتي أن أضع بصمتي ،  قبل نهايتي  "انحنت الأخت الخضراء على أختها اليابسة والأسف ظاهر في نبرتها : " كيف تكون هذه البصمة ؟ علميني يا أختي فما قلته حكمة بالغة تشكرين عليها " ورغم حرقة الوداع  حاولت الورقة الصفراء الابتسام قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وقالت :"حكمة لا يمكن شرحها لمن لم يجربها، عندما كنت يافعة وشهدت منظر من سبقوني للموت ، كنت أميز بين أوراق تسقط على تراب الغرس فتندمج فيه فتعطي من نفسها حياة للآخرين ، وأخرى تذروها الرياح بعيدا تدوسها أقدام الغادي والرائح ،وبصراحة تمنيت أن يهب لي الله الخلود ، ولو في هذا المعنى البسيط الذي يتغاضى عنه الكثير ويزهد فيه ، ظنا أنه في البهارج والألقاب والأوسمة والجاه والمال والسلطان " انتصبت الورقة الخضراء واقفة وكأنها تستحث الخطى وقالت : " يموت الواحد منا وفي قلبه لن يموت شغف الخلود بالأثر الطيب الذي يتركه  تلك سنة من سنن الله ، نعيشها كل لحظة وبكل الألوان والصور، في البشر وفي أوراق الشجر هذا ما فهمته منك صدقتي " . نظرت إليها الورقة الصفراء نظرة حانية وقالت لها ونبرة الوداع تختلج في صوتها : " هذه شهادتي ووصيتي قبل مغادرتي ، لا يهزك العجب  برونق زائل ، ولا بنضرة مؤقتة ، كوني على اقدام و بسالة ، وانبذي العطالة و(الهمالة) ما استطعت ، وتذكري دوما  أنك بذا الاخضرار والجمال  صاحبة رسالة ،  واذكريني ما ذكرتني الأيام ، إني رغم شعوري بلوعة الرحيل أحاول التماسك والوقوف من جديد ولو للحظات ، أقف ومعي ذاكرتي الهرمة وهي تصلي وتخشع في الصلاة ، وتصون ذكرى من طحنت أوصالهم تراب هذا الوطن لتورق أغصانه من جديد ، عبادة الله في حكمة الاندثار وشغف الخلود  . " لملمت كلماتي وجراحي وذاكرتي وسرت وفي قلبي أغنية واحدة حزينة ، غرباء ولغير الله لا نحني الجباه   غرباء وارتضيناها شعارا في الحياة ، غنيت بحرقة ،وبعد ذلك سعدت لأني وجدت صدى اغنيتي يتردد في كل مكان ،  مع حفيف أوراق الشجر في ذبولها و تساقطها وأفولها  .                                                                                                                                


: الأوسمة



التالي
ماذا تتمنى في 2020 ؟؟
السابق
سفر المرأة وشرط المحرم في زمننا .. قراءة في النص ومقصوده

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع