البحث

التفاصيل

فتوى حول : قيام جمعية التعاون والتواصل الاجتماعي في تونس بجمع الزكاة لصرفها - من خلال وزارة الصحة - في مشاريع لمواجهة تداعيات وباء كورونا

فتوى حول : قيام جمعية التعاون والتواصل الاجتماعي في تونس بجمع الزكاة
لصرفها - من خلال وزارة الصحة - في  مشاريع لمواجهة تداعيات وباء كورونا
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد وردني استفسار من جمعية التعاون والتواصل الاجتماعي  في تونس ، حول قيامهم الجمعية بمجموعة من المشاريع في إطار الجهود التي تقوم بها الدولة والمجتمع المدني في تونس لمواجهة وباء كورونا المستجد وآثاره المدمرة على الانسان والمجتمع بأسره. ومن المشاريع التي تنفذها مساعدة وزارة الصحة من خلال التكفل بتوفير وجبات الأكل للإطار الطبي وشبه الطبي المرابط في المستشفيات المخصصة لاستقبال المصابين بفيروس كورونا،حيث لا يخرجون من المستشفى إلاّ بعد أسبوع كامل، ليبيتوا في أحد الفنادق المهيأة للحجر الصحي ويخلفهم زملاؤهم، وبعض المحسنين يتستفسرون عن مدى جواز تبرعهم أموال الزكاة، لصرفها في مثل هذه المشاريع كمساهمة في تخفيف العبء المالي الكبير على وزارة الصحة وما تواجهه من مصاريف كبيرة لقطاع الصحة  والذي يعاني نقصاً حاداً في التجهيزات والمستلزمات الطبية الأمر الذي ترتب عليه انتشار فيروس كورونا؟ الا يعتبر مساعدة وزارة الصحة مساهمة في حفظ الانفس التي هي من الضرورات الخمس خاصة مع هذا الوباء وبالتالي يجوز صرف الزكاة عليها؟
أفيدونا حفظكم الله  .
 
وللإجابة عن ذلك بادئ ذي بدء الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 
أولاً – مصارف الزكاة :
فإن الله تعالى قد خصص الزكاة لمصارفها الثمانية فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وبناء على ذلك فإن المريض – سواء كان مصاباً بكورونا أم غيره – إنما يستحق من الزكاة إذا كان داخلاً في أحد هذه المصارف الثمانية .
وعليه فإن المريض إذا كان فقيراً أو مسكيناً وليس لديه من المال ما يكفيه للأدوية والعلاج، أو العمليات الجراحية أو نحوها ، فيجوز ان تعطى له من الزكاة بمقدار هذه الحاجة، لأن الحاجة إلى العلاج لا تقل أهمية عن الحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس.
وفي ضوء ذلك فلا مانع شرعاً من جمع أموال الزكاة لعلاج المرضى المصاربين بفيروس كورونا أو غيرهم بالشروط والضوابط الآتية :
1- جمع أموال الزكاة؛
1-1 أن يكون الجمع لصالح المرضى الفقراء ولا يعطى لمن هو قادر على العلاج بنفسه ، أو بأولاده ، أو والديه، أو زوجه .
1-2 إذا كان المريض قادراً على توفير العلاج من خلال التزام دولته ، أو دائرته أو ممن هو ملزم بنفقته وعلاجه مثل والديه أو أولاده أو نحوهم فلا يجوز دفع الزكاة إلى ذلك المريض ، لأنه قد زالت حاجته بمن ذكرناهم .
2- تخصيص حساب لأموال الزكاة؛ بأن يخصص المال المجموع لعلاج الفقراء المرضى في حساب خاص حتى لا يكون هناك خلط، أو تصرف فيه لغير مستحقيه .
3- الرقابة على ما يجمع من أموال زكاة؛ بأن يكون هناك نوع من الرقابة ، والتدقيق والضبط الشرعي لمن يدفع زكاته للجمعية بأنها تصل إلى المستحقين ، وهذا يتطلب شهادة شرعية تصدر في آخر كل عام .
 
ثانياً- وباء "كورونا" وزيادة فقر الفقراء:
أدى وباء كورنا إلى تفاقم الفقر في العالم الإسلامي وبخاصة في الدول التي تفشى فيها ، حيث تم حظر التجوال ، وإغلاق معظم المناطق الحيوية ومجالات العمل، مما أدى بلا شك إلى زيادة حاجتهم إلى الأموال لشراء حاجياتهم الضرورية، فازداد على ضعفهم وفقرهم مشكلة المرض ، أو احتمالية المرض، وعدم العمل مع كثرة أعباء الحياة.
 
ثالثاً- تعجيل الزكاة:
يجوز تعجيل الزكاة لسنة أو أكثر أو أقل لوجود أدلة من السنة عليه – كما سيأتي- ما دام المزكى يملك النصاب  ، لأجل مصلحة الفقراء كما هو الحال اليوم ، فإذا بلغ المال النصاب (وهو قيمة 85 جراماً من الذهب الخالص، أي في حدود 3,640 دولار بسعر اليوم 27 مارس2020م) يجوز لصاحب المال تعجيل إخراج الزكاة .
وهذا رأي جماهير الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة ، ومروي عن بعض الصحابة منهم سيدنا علي رضي الله عنه ، وعن الحسن البصري وسعيد بن الجبير ، والزهري ، والأوزاعي ، وقول اسحاق بن راهويه ، وأبي عبيد القاسم ابن سلام ، وغيرهم.
ويدل على ذلك مجموعة من الأدلة، منها:
1- حديث عليّ رضي الله عنه أن: (العباس بن عبدالمطلب عمّ الرسول صلى الل عليه وسلم سأل الرسول صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ ، فرخص له في ذلك) وقال مرة: (فأذن له في ذلك) رواه أبو داود ، وقال ابن بطال (حديث صحيح) ، ورواه الترمذي ، وذكر بأن عليه أكثر أهل العلم ، ورواه أحمد وابن ماجه ، ورواه الطبراني والبزار ، وقال النووي: (إسناده حسن) ، وكذلك قال الإمام البغوي في شرح السنة، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (إسناده صحيح) فالحديث إما صحيح أو حسن ينهض حجة عند أهل الفقه والحديث، وتؤيده الشواهد والمتابعات.
2- ما رواه الترمذي وأبو داود بسندهما إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: (إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)، قال الترمذي : (وفي الباب عن ابن عباس ، قال أبو عيسى: (...وحديث إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار عندي أصح من حديث اسرائيل عن الحجاج بن دينار ، وقد روى هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً .. ثم قال: (وقال أكثر  أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه..)، وهو حديث حسنه الألباني وغيره .
3-  ومما يؤيد جواز تعجيل الزكاة أن معنى الحديثين السابقين ورد في الصحيحين ، قال النووي – بعد أن ذكر أن حديث عليّ إسناده حسن-: (واحتج البيهقي والأصحاب للتعجيل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه على الصدقة ، فقيل منع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، والعباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أَدْرَاعَهُ وَأَعْتدهُ في سبيل الله ، وأما العباس فهي عليّ ، ومثلها معها..) رواه البخاري ومسلم ، وقال النووي: (والصواب أن معناه – أي معنى هذا الحديث- : (تعجيلها منه) وقد جاء في حديث آخر عن عليّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس وصدقة عامين) .
وللأدلة الواضحة على جواز تعجيل الزكاة قال صاحب التحفة : (وهو الحق) .
 
والخلاصة؛
أن الصحيح الراجح هو جواز تعجيل الزكاة لعام أو عامين حسب حاجة الفقراء عن جميع الأموال الحولية التي بلغت النصاب من الذهب والفضيلة والنقود والأنعام (المواشي) وعروض التجارة ونحوها .
 
بل إن تعجيل الزكاة اليوم في ظل هذا الوباء القاتل الذي عطل معظم الأعمال ، وجعل حاجيات الفقراء مضاعفة ، وظروفهم أكثر صعوبة ، أصبح من المستحبات ، وأفضل من التأخير لشهر رضمان الفضيل ، لأن شدة الحاجة مقدمة على فضيلة الزمن، وأن أفضل الصدقات والزكوات هي الصدقة الخالصة لله تعالى التي تؤدي إلى إنقاذ الفقراء دينهم، أو أنفسهم أو أعراضهم، فقال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)  ثم الصدقة التي تعطى لمن هو أحوج، كما أن الأفضل هي أجود الصدقات ، وأحبها إلى صاحبها فقال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، كما أن أفضلها أن تصل إلى مرحلة الإيثار فقال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
لذلك ندعو أهل الخير جميعاً لتعجيل أدء زكواتهم بل للإيثار بكل ما يمكنهم لإنقاذ هؤلاء المستحقين في ظل الأوبئة والفتن والبلاء العام، فقال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ  وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).  
 
هذا والله أعلم بالصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين  
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
 
​                                                    كتبه الفقير إلى ربه
​​​​​                   أ.د. علي محيى الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
        ​  ​​         ​  ​​وأستاذ الشريعة والاقتصاد الإسلامي بجامعة قطر


: الأوسمة



التالي
كيف يمكن التمييز بين الإصابة بـ"الأنفلونزا" وفيروس "كورونا"؟
السابق
أسباب زوال الحضارة الإنسانية الأولى وكيف نعتبر في زمن الكورونا؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع