بسم الله الرحمن الرحيم
بعد التضرع إلى الله تعالى برفع كورونا، وتمكين المسلمين من إحياء ليالي الشهر الفضيل في المساجد:
يوكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما يلي:
يدعو جميع المسلمين والمسلمات إلى الاستعداد الروحي والنفسي والبدني لصيام الشهر الفضيل، وتحقيق مقاصده من التقوى، والعودة إلى الله تعالى، ورد المظالم للخروج من هذا الشهر مرحومين عتقاء من النار.
ويؤكد على أن وباء كورونا ليس له تأثير على الصيام إلا من كان مصاباً به، أو معذوراً.
ويطالب بإحياء سنة القيام والتراويح داخل البيوت في البلاد التي لازال فيها الحجر الصحي، وبالبذل والعطاء والاحسان إلى المحتاجين.
ويطالب الدول الإسلامية بالمصالحة الشاملة، ووقف القتال وبخاصة في رمضان، وتزكية النفوس، وإزالة الخلافات، ورفع المظالم والحصار، وإطلاق سراح جميع سجناء الراي من العلماء والدعاة، وكذلك إطلاق أكثر ما يمكن من المسجونين، وضمان السلامة لمن بقي منهم، لأن تعريض المسجون للهلاك بالوباء، بحيث لا يستطيع أن يفعل شيئا لتلافيه، هو بدون شك بمثابة حكم عليه بالإعدام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيّبين وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد،،
يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حالة العالم في ظل وباء كورونا( كوفيد 19 ) وبخاصة العالم الإسلامي الذي يستقبل شهر القرآن، والخير والبركات والاحسان في هذا العام، ومعظم مساجده لا تقام فيها الشعائر، ولكنه يتطلع إلى رفع هذا الوباء، وتخفيف آثاره في هذا الشهر، فالمسلمون والمسلمات متشوقون لقيام ليالي رمضان وختم القرآن ودعائه وقنوته، لذلك نتضرع إلى الله تعالى أن يمكنهم من تحقيق هذه المقاصد العظيمة والغايات النبيلة.
ومع الأسف الشديد كثر اللغط حول صيام شهر رمضان في ظل كورونا باعتباره عذراً لعدم الصيام مُطلقاً بشبهة تأثير الصيام في المناعة المكتسبة.
وأمام كل ما ذُكر فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يبين ما يأتي:
أولا: أن صيام شهر رمضان من أعظم أركان الإسلام، وأنه فريضة فردية بالنصوص القاطعة وإجماع الأمة إلا من كان معذوراً من مرض، أو سفر، أو كبر سن، أو حمل أو نحو ذلك فقد قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سورة البقرة الآية 183،ُ ثم أكده بقوله (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة البقرة الآية 185.
فقد أجمعت الأمة على وجوب صيام شهر رمضان على القادرين ، وعلى أنه عبادة فردية بين الإنسان وربه ولذلك قال تعالى في الحديث القدسي " الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " رواه البخاري (7492) ومسلم (1151)، لذلك يجب أن يؤدى الصيام في جميع الأحوال إلا إذا وُجد عذر معتبر من مرض، أو سفر، أو نحوهما.
ولذلك فليس " وباء كورونا " عذراً مشروعاً للإفطار إلا لمن أصيب به، وقد أثبتت دراسات علمية طبية من المسلمين وغير المسلمين بأن الصيام لا يقلل من المناعة المكتسبة، بل يجدد خلاياها ويفيدها، وأن ادعاء غير ذلك ليس له سند علمي، وبالإضافة إلى تلك الدراسات فإن الأمانة العامة سألت عدداً من كبار الأطباء المتخصصين بالمناعة، والأمراض الوبائية فأكدوا على أن الصيام ليس له تأثير سلبي على المناعة المكتسبة، بل يفيدها، كما أكدت منظمة الصحة العالمية بأن شرب الماء جيد في كل وقت ولكنه لايقي من العدوى بمرض " كوفيد 19 ".
ثانياً: أن قيام الليل وصلاة التراويح جماعة من سنن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وسنة مؤكدة لجميع المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري (37/2209) ومسلم (759) وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "، كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام صلاة القيام في مسجده جماعة ثلاث ليالي ثم صلاها في البيت، ثم أحياها عمر رضي الله عنه حيث رأى المسلمين يصلونها زُرافات ووحداناً فجمعهم على أُبَي، فقال " نعمت البدعة هذه " قال ابن تيمية في درء التعارض (1/ 249) ومجموع الفتاوى (20/163) إسناده صحيح، والمهم في هذه المسألة أن أداء صلاة التراويح لا يتوقف على فتح المساجد، بل حتى يجوز أداءها منفرداً، ولكن الجماعة أفضل، ولذلك فإذا حُرمَ الإنسان من حضور المسجد بسبب تفشي كورونا، فلا ينبغي له أن يحرم نفسه من فضيلة القيام جماعة مع أهله أو منفردا، حيث بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ".حيث عممه ولم يخصصه بالمساجد.
ثالثاً: يدعو الاتحاد أمته الإسلامية إلى الارتقاء إلى مقاصد الصيام من التقوى، وتزكية النفوس، والإحساس بالفقراء والمحتاجين بالبذل والعطاء والاحسان، وإلى المصالحة الشاملة، ورفع النزاعات الداخلية، ورفع الحصار عن البعض، بل رفع المظالم، والتوبة إلى الله برد الحقوق.
وبهذه المناسبة يؤكد الاتحاد مُطالبته الحكومات العربية والإسلامية بإطلاق سراح المسجونين جميعاً حماية لهم من تفشي وباء كورونا بينهم، ويشدد الاتحاد في المُطالبة بإطلاق سراح المسجونين المظلومين، من العلماء والمفكرين والأطباء وغيرهم، " فالظُّلم ظُلُمَات " والظُلم سبب الهلاك فقال تعالى ( وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) سورة هود الآية 102.
وفق الله تعالى أُمّتنا للتقوى والرُّشد والصّواب، وتقبل منهم صيامهم وقيامهم، ورفع هذا الوباء والبلاء آمين
25/شعبان/1441هـ 18/4/2020م
أ. د علي القره داغي أ. د أحمد الريسوني
الأمين العام رئيس الاتحاد