البحث

التفاصيل

عن الأذان الجماعيّ في الجامع الأموي بدمشق.. نشأته وأنواعه وأحكامه

الرابط المختصر :

عن الأذان الجماعيّ في الجامع الأموي بدمشق.. نشأته وأنواعه وأحكامه

بواسطة محمد خير موسى

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الأذان الجماعي عادة دمشقيّة لطيفة يتميز بها الجامع الأموي عن سائر المساجد في العالم الإسلامي اليوم، ولها عمق في الوجدان الجمعي السوري لا سيما في شهر رمضان إذ إنّ إفطارهم ارتبط به لعقود طويلة وما يزال.

* نشأة الأذان الجماعيّ في جامع بني أميّة

ينسب العديد من الباحثين والكُتّاب نشأة الأذان الجماعي وإطلاقه في جامع بني أمية إلى شيخ الشام في زمانه عبد الغني النابلسي المتوفّى سنة 1731م؛ غير أن نسبة إنشاء الأذان الجماعي إلى الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله تعالى هي نسبة غير دقيقة، فالأذان الجماعي موجود قبله، لكن ما قام به الشيخ النابلسي هو إضفاء نظام إداري وضوابط فنيّة على الأذان الجماعي؛ فهو الذي ألزم المؤذِّنين بالتزام مقام موسيقي للأذان الجماعي في كل يوم مختلف عن الآخر، فلكل يوم من أيام الأسبوع مقامه الموسيقي الخاص الذي يؤَذّن به الأذان الجماعي.

وقد أخذ الشيخ النابلسي هذه الفكرة من قانون الأذان العثماني، الذي يلزم المؤذنين أن يكون كل أذان لواحد من الأوقات الخمسة بمقام موسيقي محدّد مختلف عن الآخر، وذلك ليعرف المكفوفون أوقات الأذان ونوع الصلاة التي يُؤذَّن لها، وما يزال هذا القانون مستمرًّا في الأذان إلى اليوم في عموم تركيا، غير أن الشيخ عبد الغني النابلسي جعل المقام الموسيقي لكل يوم مختلفًا عن اليوم الآخر ليمايز المستمعون بين أيام الأسبوع من خلال المقامات الموسيقية للأذان.

* الفرق بين “الأذان الجماعي” و”أذان الجُوق“

يقع كثير من الإعلاميين والباحثين في خلط كبير تتبنّاه أقلام كُتّاب كثر، وينتشر في الكثير من المواقع الألكترونية، وهذا الخلط هو إطلاق وصف “أذان الجوق” على “الأذان الجماعي” الذي يتم أداؤه في الجامع الأموي بدمشق، وهنا يتوجّب التفريق بين المفهومين، لأن الخلط بينهما له أبعاد تاريخيّة وأبعاد شرعيّة أيضًا.

أما “أذان الجوق”، أو ما بات يُعرف بعد ذلك بـ”الأذان السلطاني”، فقد بدأ العمل به من عهد الأمويين كما ذكر السيوطي وابن عساكر وغيرهما، وتحديدًا من عهد هشام بن عبد الملك.

و”أذان الجوق” أو “الأذان السلطاني” لا يقوم على فكرة أن يقوم المؤذن بذكر العبارة ثم تقوم جوقة بإعادتها وراءه كما يظن كثيرون، وقادهم هذا إلى توهّم أن الأذان الجماعي في الجامع الأموي هو ذاته أذان الجوق؛ بل إن “أذان الجوق” يقوم على فكرة أن يقوم أربعة أو خمسة مؤذّنين بأداء أذان واحد بحيث يؤدي كل واحد منهم جزءًا من الأذان، فيقول الأول مثلًا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فيقول الثاني: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، ويتابع الثالث العبارة التي تليها ثم الرابع وهكذا، فيلقي كل واحد منهم جزءًا من الأذان فحسب، فكل واحد من المؤذنين يقول عبارة واحدة من الأذان ليس أكثر، فلا يؤذّن أي مؤذّنٍ الأذان كاملًا بمفرده.

وهذا الأذان بقي مستمرًّا في عدد من البلدان الإسلامية إلى وقت متأخر، ومُنع في بعضها في أوقات مبكّرة، وكانت آخر البلاد التي مُنع فيها “أذان الجوق” هي مصر في عهد الملك فاروق الأول، إذ مُنع بفتوى من الشيخ محمد مصطفى المراغي رحمه الله تعالى، شيخ الأزهر المتوفّى سنة 1945م.

أما الأذان الجماعي فهو أن يقوم المؤذن بذكر العبارة من الأذان وتقوم مجموعة من ورائه بإعادتها وترديدها، بحيث يؤذّن كل واحد منهم الأذان كاملًا وليس جزءًا من الأذان، وقد كان هذا الأذان موجودًا من بدايات العصر العثماني في إسطنبول ثم انتشر إلى عدد من المساجد الكبرى، فكان يؤدّى في المسجد الحرام والمسجد النبوي كما كان يؤدّى في الجامع الأموي في دمشق، وتوقّف في عموم المساجد والبلدان غير أنه بقي مستمرًّا في جامع بني أميّة بدمشق.

* الفرق في الحكم الفقهي بين “الأذان الجماعي” و”أذان الجوق“

يكمن الإشكال في إطلاق اسم “أذان الجوق” على “الأذان الجماعي” في التباس الحكم الفقهي، فلو رجعنا إلى كتب الفقه لوجدنا عموم المذاهب الفقهية تذهب إلى عدم مشروعيّة “أذان الجوق” الذي يؤدي فيه كل مؤذّن جزءًا من الأذان، بينما تقول غالب المذاهب الفقهية بجواز “الأذان الجماعيّ” الذي تتم تأديته في الجامع الأموي؛ واليوم يكرّر كثيرون عدم مشروعيّة الأذان الذي يؤدى في الجامع الأموي لأنه “أذان الجوق” الذي ذكره الفقهاء في كتبهم، وهذا غير صحيح، فالإشكال يكمن في تنزيل الحكم على واقعة لا تشبهه وهو نتيجة غياب التصوّر الصحيح للواقعة وتوصيفها.

ما يزال الأذان الجماعي يصدح من مآذن جامع بني أميّة فيثير في القلوب حنينًا إلى تلكم الديار والأرواح، تهيّجها تلكم الأصوات التي صاغت الكثير من ذكرياتها الرمضانيّة، وسيبقى الأذان الجماعي في الأموي علامة فارقة على رمضان مختلف، يتوق المغتربون إلى قضائه في بلادهم التي تركوها مضطرين لا مختارين.. وإلى ذلك الحين، يبقى الأذان الجماعي في رمضان أحد أهم ما يحرصون على سماعه واستحضاره، ليقولوا لأنفسهم ما زلنا في الشام وما زالت الشام فينا.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
شهر رمضان مدرسة في الحياء وغض البصر
السابق
فرع كردستان العراق يعقد جلسة لاختيار مسؤول وأعضاء جدد لدائرة دهوك ومناقشة قضايا الأمة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع