البحث

التفاصيل

"رسائل الروح" (1).. التدين القشري في زمن الحرب على غزة

الرابط المختصر :

"رسائل الروح" (1).. التدين القشري في زمن الحرب على غزة

بقلم: أ د ليلى محمد بلخير

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

من أهم ما كتب الامام الغزالي رحمه الله، الجانب العاطفي من الاسلام، وشخص فيه بدقة وعمق كثير من العلل التي أصابت البناء الداخلي للنفوس بالتصدع والضعف، حيث حدد صنفين من الناس، واحد عاطفي لكنه جاهل بالدين وآخر عالم بأمور الدين لكنه جاف متحجر يقول في مقدمة كتابه: "عرفت الصنفين معا في تجاربي مع الناس فكان يغيظني من أصحاب العاطفة مايغلب عليهم من جهل ومايشين غيرتهم من عكوف على الخرافات وعجز عن استيعاب الأحكام التي استعلنت في دين الله أدلتها، واكتفاؤهم بحب سلبي طائش.. وكان يغيظني من الآخرين استكبارهم بما هدواإليه من صواب في بعض الأحكام العقيدية والفقهية ، واستهانتهم بآفات القلوب وفراغهم من حرارة الاقبال على الله، والحنو على عباده "إنه ينوه بضرورة التوازن بين العاطفة والعقل  في السعي لتحصيل الكمال النفسي إنه يرتفع بحديثه عن التدين  البلاستيكي المعلب ، إلى التأسيس للبعد العاطفي في الاسلام، وفيه كثيرمن البسط والتفصيل لمسائل متعلقة بالإيمان والإحسان  داخل الأنفس وفي الحياة المعاصرة ،حيث يقدم تلخيصا دقيقا لمفهوم الإيمان، إنه يصدر من فهم للدين وحرارة في التطبيق ، والسؤال الكبير حول الذين يأخذون من الدين القشور ويتركون اللباب زاهدين كل الزهد في الإقبال على الله ، ومنبطحين كل الانبطاح في نصرة أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية جمعاء جهارا نهارا بلا خجل أو وجل ، والذين يحتفلون بموائد رمضان وإخوتهم صائمين صوما أبديا، ويشربون من أنهار الدم والعلقم ،لقد حصحص اليقين وظهر بكل قوته ينطق بشهادة الحق، إنه زمن التمحيص والغربلة، يتجسد الصدق  في  مدرسة غزة مدرسة الصفوة ، مدرسة الإيمان و اليقين، ستسير قوافل الشهداء إلى الله  وتزهر قناديل السناء نورا في كل مكان ، وتنتكس رايات المكذبين المطبعين الخائنين ولو بعد حين.

مشاعر الايمان تستنهض الهمم، وترتفع بالسلوك لغاية الاحسان والتفاني في استحضار كل ماله علاقة بالحب والخضوع لأمر الله وفي السعي لتحصيل مرضاته والاقرار بالضعف والعجز أمام قوته، والتلطف بالاستجارة بالقوي المتعال في كل منشط وعمل، وشعائر الايمان في مطابقة الظاهر بالباطن، وتحري التوازن والانسجام بين النوايا والممارسات الداعمة لآثاره في الواقع.

الإيمان -ببساطة- هاتف داخلي حساس، يوجه خطوات سيرنا، يحضر بقوة مع معرفة الله فتحس بالأمان في معيته، لا خوف ولا حزن ولا شقاء.

هل يحتاج الإيمان إلى قلب؟ أم إلى فكر؟ أم يسعى للتوليف بينهما؟ لماذا طغت الأنانية والعبثية في عصرنا؟ وكيف ضربت البناء الداخلي للنفوس بالهشاشة والتشظي؟ وكيف سيطرت البهيمية والتوحش على بني البشر وضاع التراحم والحب؟ نحن في أمس الحاجة لتفعيل الايمان في حياتنا اليومية، الايمان الصافي النقي، الإيمان الهادي السمح، لايوجد أحلى من مشاعر المؤمن في الاحساس بالآخرين والسماحة والرقة في التعامل معهم، من خلال تأكيد روح العبادة وتثبيت مقاصدها في الواقع.

إن التدين المعاصر يشوبه التحجر والأنانية، تدين مهترئ لا لون له ولا طعم، تسوده البطنية، وكأنه في أعين البعض أصبح مادة استهلاكية يمكن وضعها في كيس بلاستيكي وتخزينها في الثلاجة، موجودة دائما في حالة من التحجر والبرودة، يمكن أن نأخذ منها الجزء الذي نبغي ونترك الباقي لمناسبات أخرى كنوع من التقتير والتدبير.

قد تسمع ما يحزنك وترى ما يحزنك أكثر وأكثر، ما معنى الثقافة الدينية؟ وهل هناك في أساسيات الدين ومقاصده ثقافة؟ إنها تشمل بعض البرامج والحصص التافهة، تستعير المناسبة الدينية لعرض السلع الهابطة لا أكثر ولا أقل، ما معنى التصريح ببعض البرامج والحصص المعدة خصيصا من أجل رمضان وهي لا تمت لمقاصد التعبد والتطهر بأي صلة؟ إنه نمط من أنماط التدين البلاستيكي المبني على المنفعة والمتعة.





التالي
منتدى الريسوني للحوار العلمي يقيم ندوة حول "الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني: النظرة الشرعية وسبل الدعم والتحرير"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع