البحث

التفاصيل

تعريف السنة لدى الإمام الشافعي

الرابط المختصر :

 

تعريف السنة لدى الإمام الشافعي

نشأنا في منطقة كردستان، أين أكثر سكانها على مذهب الإمام الشافعي رحمة الله عليه، وتربينا على فقهه ودرسنا الطلاب على منهجه. ودرسنا المذاهب الأربعة وأراء المجتهدين المتقدمين. كنا بداية نرى الإمام كأنه معصوم لا يخطئ ولا يناقض وكل ما قاله صحيح ونقلده تقليدا عمياء. فعلا الشافعي كان من أكبر علماء عصره وأفقههم، ولكن نسينا كونه بشر مثل سائر المجتهدين يخطئ ويصيب.  ولكن بعد دراسة أفكار علماء المتقدمين والمتأخرين وآراء المعاصرين وتحقيقاتهم استطعنا أن ننظر الى جمودنا الفقهي الذي تحجر قرونا طويلة. وقمنا بقدر استطاعتنا المعرفية ان ننظر الى القضايا بعين النقد والتحليل.

ومن هذا القبيل نريد ان نناقش رأي الإمام الشافعي حول السنة.

رأي امام الشافعي حول السنة: 

علماء الأزهر قالوا اوّلُ من طرح الحديث كوحي ثاني هو امام الشافعي (رض) (150-204) حيث حمل {نَطَقَ} على معنى {قالَ} في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[1]. مع ان القول شيء والنطق شيء آخر. وانه لا ترادف في المصحف. وهذا ينطبق على المصحف كله، حيث القائل هو الله والناطق هو الرسول(ص) والبيان هو العلنية. (الناطق الرسمي للحكومة إذا نطق بالشيء ليس هو قائلها، الناطق يتل المقولة التي كلف بنطقها) والآيتان من سورة النجم نزلتا في مكة، في وقت كان العرب يشككون في الوحي نفسه. ولم تكن عندهم المشكلة في أقوال النبي وأفعاله. ان الوحي كان موضوع التساؤل والشك، ليس سلوك النبي الشخصي، نزلتا لحسم الخلاف بشأن كتاب الله. هل ما يتلوه الرسول (ص) من الآيات على قومه وحي من عند الله أم من عند نفسه؟ 

فالآية الأولى تقرر أن هذا الرسول حين ينطق بالتنزيل الحكيم، فهو لا ينطق به من عند نفسه، ثم تأتي الآية الثانية لتقرر أن هذا القرآن المنطوق به وحي من عند الله. من قبيل اضمار ما هو المسكوت عنه. كقوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [2] فالضمير المسكوت عنه هنا (أهل) و(أصحاب) والدال عليه هو (فاسأل).  اي ان الذي ينطقه النبي من القرآن وحي من الله ليس من عنده. والعجيب من إمام الشافعي رحمة الله عليه انه توهم أن ضمير (هو) عائد على النطق، وهذا الوهم مستحيل عقلا، لأن النطق قدرة تكونية. وباجتهاد إمام الشافعي - الغير المصيب- جعل الحديث وحيا ثانيا مقدسا، وحُوِّل مركز الإسلام من الكتاب الى الحديث، وترك القرآن في المرتبة الثانية. وأصبح الحديث ينسخ القرآن.

وكثير من المفسرين قالوا ان المقصود من الوحي هو القرآن، وما ينطقه النبي هو القرآن، ومع ذلك انتشر قول الشافعي بين أهل المذهب الشافعية أولا، وأخيرا الى غيرهم من المذاهب الأخرى وقدس الحديث وكفر مخالفه. وبدأ العمل بكل ما قيل بأنه حديث واختلط الصحيح بالضعيف، وبدأ التطرف الديني والعقائدي بالتكفير والتضليل. وحصيلته حركات إسلامية متطرفة وحشية، قديما وحديثا تنفر الناس من الدين الإسلامي، (مثل داعش) وتخدم لمصالح الشيطان، تقتل الأبرياء باسم الدين، والإسلام برئ منهم.

والنبي في مقام النبوة أخطأ في بعض الأحوال والله تعالى لاومه وعفى عنه. لو كانت أقواله وحيا لما أخطأ قط.

لو تفهم قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[3]  بأن كل ما نطق به النبي في حياته، وأن الوحي وحيان قرآن وسنة، لوجب حتما أن يدخل الحديث النبي في حفظ الإلهي، ولوجب أن تكون روايته باللفظ لا بالمعنى، ولوجب ان يصلنا ملفوظا منطوقا كما لفظه النبي ونطقه بلا خلل ولا اختلاف، كما وصلنا القرآن. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[4] قال الله، نطق رسول الله، هو الذكر الحكيم. وهذا الوصف لا ينطبق على كتب الحديث ولا حتى المتواتر منه.

 

وقال: كلمة (الحكمة) المذكورة في المصحف هي السنة

بعد أن اعتمد الشافعي على الترادف في بيان أن القول والنطق لهما نفس المعنى للتدليل على فرضية وجود وحيين هما الكتاب والسنة التي بنى عليها كل فقهه، بالزعم أن الحكمة المذكورة في قوله تعالى : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [5] المقصود بها السنة النبوية، التي أوجب الله طاعتها. يقول في كتابه الرسالة (كل ما سنّ رسل الله مما ليس فيه كتاب، ومما كتبنا في كتابنا هذا، من ذكر ما سن الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل على أن الحكمة هي سنة رسول الله) والشافعي انفرد بحمل معنى كلمة (الحكمة) على السنة بدون أن يجمع الآيات الواردة فيها كلمة (الحكمة) ويستخرج منها صورة كاملة توضح مفهوم الكلمة ومقتضاها في المصحف. وجعل السنة حجة متمما لكتاب الله تعالى مما يوهم في الأذهان ان كتاب الله ناقص.    

إذا كانت الحكمة هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا -حسب زعم الشافعي- فأين هي السنة عند نوح وهود وشعيب وصالح وموسى وعيسى والياس ويوسف، وهؤلاء جميعا يشملهم قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}[6]

والحكمة وردت في عشرين موضعا في المصحف، وتأتي بعدة معان وتعريفات في اللغة العربية، فالبعض يرى أنها (وضع الأمور والأشياء في مواضعها كما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي) وآخرون (كل قول يقلّ لفظه ويجلّ معناه) فهي بمعنى المعاصر تعني الفلسفة والعلم. ولكن لم تأتي بمعنى السنة النبوة. نأتي بدليل من سورة الإسراء وخاصة الآيات من 23-39 منها.  الآيات تشير الى جملة الأوامر والنواهي التي بدأت بعبارة {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...} (إسراء 23) وانتهت بعبارة {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}[7]  وختمت هذا كله بقوله تعالى {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ..}[8] إن كلمة {ذلك} تشير الى الأوامر والنواهي وتصفها بأنها من الحكمة. أي أن الحكمة المذكورة هنا هي وصايا وتعاليم أخلاقية أوحى بها سبحانه لأنبيائه ورسله.

أن الحكمة لا تحتاج أن يكون صاحبها نبيا أو رسولا كقوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [9] ولقمان لم يكن -فيما نعلم- نبيا ورسولا. {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [10] هل يمكن أن نقول معناها ومن أتي السنة فقد أوتي خيراً كثيراً؟  وإذا كانت الحكمة هي السنة حقاً - كما قال الشافعي- فلماذا لم تأتي بلفظها الصريح؟ فيقول القرآن مثلا (وأنزل الله عليك الكتاب والسنة) خاصة، وقد ذكر القرآن الكريم لفظ السنة في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}[11] وقوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[12]  وغير ذلك. ولم تأتي بمعنى الحديث ولا في آية واحدة.

جعل الحديث بهذا الشكل حجة لم ينظر الى حديث المروي عن عوف بن مالك، وعن ابن مسعود، وعن جابر بن عبد الله قالوا: {خرج علينا رسول الله (ص) بالهاجرة وهو مرعوب فقال: أطبعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه}[13]  كل الروايات تأمر بالتمسك بكتاب الله، وما ذكر فيها سنة نبوية ولا حديث نبوية.  وعلى هذا الاجتهاد القاتل بقي عليه الفقه حتى اليوم.

ان النبي (ص) والصحابة رضوان الله عليهم لم يعتبروا في وقت من الأوقات أن أحاديث النبي (ص) هي وحي. فالنبي لم يأمر بجمعها كما فعل مع الوحي.

 وبالعكس أمر بحرق ما كتب من اقواله: {لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحيه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار}[14]

{بلغ رسول الله أن أناسا كتبوا أحاديثه، فصعد المنبر وقال: ما هذه الكتب التي بلغني أنكم قد كتبتم؟ إنما انا بشر، فمن كان عنده شيء فليأتي به. يقول ابو هريرة: فجمعنا ما كتبناه وأتلفناه، او قال: فأحرقناه}[15]  وروى البيهقي في المدخل عن عروة أن عمر بن خطاب أراد ان يكتب السنن ثم استخارة وشاور ثم قال {إني كنت أريد أن أكتب السنن، فذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً}[16]  وروى ابن سعد في طبقاته [17]عن عبد الله بن العلاء قال: (سألت القاسم بن محمد أن يملي عليّ أحاديث، فقال: كثرت الأحاديث على عهد عمر، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثنات كمثنات أهل الكتاب. ومنَعَنيِ القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثا) ثم في عهد الأموي كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن حزم أمير المدينة المنورة وقال: (أن أنظر ما كان من حديث رسول الله أو سننه فاكتبه لي، فإني خفت دروس العلم بذهاب العلماء) وبموت عمر بن عبد العزيز (101ه) تسلم يزيد بن عبد الملك الخلافة وعزل ابو بكر من إمارة المدينة، فانصرف من كان معه من التدوين حتى أن جاء هشام بن عبد الملك (105ه) فأمر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الى كتابة الحديث. فبدأ تدوين الأحاديث من ذلك الوقت، وانتهى في عهد ابي منصور العباسي. ومن ثم سمي عهد التدوين..

عند امام الزهري: كل حديث نبوي يتعارض مع نص من نصوص التنزيل الحكيم باطل، وعند ابن عباس كاذب. نظرهما الى الحديث والسنة بهذا الشكل هو النظر الصحيح في التنقيح والتجريد. لأن أساس الإسلام موجود في الكتاب، والرسالة ايضا موجودة في الكتاب. والأمور التي أمر الله بطاعة الرسول فيها كالصلاة والزكاة قد بلّغها الرسول الى الناس ومارسها فعلا ووصلتنا بالتواتر.  

 وكذلك الأمر مع خلفاء الراشدين. الصحابة ما تلقوا اقواله وافعاله كوحي. وان القول بان النبي نهى كتابة الحديث حتى لا يختلط مع الكتاب لا أصل له. لو كان كذلك لجمعه الصحابة بعد جمع القرآن ونسخه وارساله الى العالم وأمنوا من الاختلاط. 

فاذا كان النبي والصحابة لم يجمعوا الأحاديث فذلك لأنهم لم يروه ضروريا. لأنهم حين نزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[18] علموا أنه لا معنى لجمع الحديث. وإلا لبقى الدين   ناقصا...يقول شيخ محمد غزالي رحمه الله: [القرآن خطاب الزمن كله، حتى يرث الله الأرض وما عليها، خطاب الأجيال والأجناس والعلماء، ومستويات الحضارة المتفاوتة، ولا يمكن منطقيا باي حال من الأحوال ان نجمده عند فهم عصر معين. لكن المسلمين تركوا الكتاب للسنة، ثم تركوا السنة لأقوال الأئمة، ثم تركوا الأئمة للمتون، فأصبح التراث حاجزا يحول بين المسلمين وبين مصادرهم الأساسية.][19]

السنة عند اهل الحديث: هي كل ما صدر من النبي (ص) من قول من فعل او امر او نهي او اقرار. هذا التعريف لم يأتي من النبي ولا من الصحابة. أحدثوا هذا التعريف من عند أنفسهم. وفي نــتــيـجـته جمّد الإسلام وتحجرت الافكار. القول بان الاسلام متشكل من الكتاب والسنة هذا صحيح، لكن ليس متشكل من الكتاب والحديث. مفهوم السنة في المصحف مختلف تماما عنما هو معروف عند السلفية والمذهبية.

وكان الشافعي حين بدأ بوضع حدود لمذهبه في بغداد بالقول: الحديث -إذا صح- مذهبي، لكنه بعد ذهابه الى مصر تساهل في السماع وبدأ العمل بالآحاد والمرسل والرواية بالمعنى، وتخلى عن شرط الصحة.

علماء المعاصرين يقولون اجتهاد الإمام الشافعي حول السنة غير مصيب (خاطئ) وأدى الى كارثة إسلامية دينية وسياسية في التاريخ ولا تزال أثرها باق من التكفير والتهجير. لأن جميع المجتهدين بعده من جميع المذاهب تأثروا من كتابه (الرسالة) في أصول الفقه، وفكره الأصولي حكم على جميع المدارس.  

 

د. عبد الرحمن شط

هنوفر / المانيا

23/09/ 2017



[1] (النجم 4)

[2] (82 يوسف)

[3] (النجم 4)

[4] الحجر 9

[5] ( النساء113)

[6] (آل عمران 81)

[7] (إسراء 37)

[8] (إسراء 39)

[9] (لقمان 12)

[10] (269 البقرة)

[11] إسراء 77

[12] الأحزاب 38

[13] } رواه الطبراني المعجم الكبير رقم 65، مسلم رقم 2941، وابن حبان 1457.

[14] (مسلم 7435) (الدارمي 456)

[15] (تقييد العلم للخطيب البغدادي. ص.34)

[16] (ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله ج.1 ص.65)

[17] (ج.1 ص.140)

[18] المائدة 3

[19] كتابه "كيف نتعامل مع القرآن" ص. 164





السابق
شرح حديث دعاء القنوت

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع