البحث

التفاصيل

تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي

الرابط المختصر :

تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي: الحرب على غزة تكشف عن المستور؛(5)

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

مقدمة:

إن الحرب على غزة لها تداعيات وتأثيرات على مختلف القطاعات الاقتصادية بالسوق الإسرائيلي، وهذه الآثار السلبية أسهمت بتعطيل عديد المرافق بدرجات مختلفة، وأبرزها، فروع البناء، والسياحة، والضيافة، والترفيه، والمقاهي والمطاعم، الأمر الذي انعكس بتعطيل مئات الآلاف من القوى العاملة.

وقد كشفت الحرب على غزة للعالم تداعيات اقتصادية خطيرة على الكيان الإسرائيلي، وهذه أهم هذه التداعيات والتأثيرات لهذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، مدعومة ببعض الإحصائيات، وبعض الأرقام:

1- تعطيل عجلة الاقتصاد:

إن استدعاء أكثر من 300 ألف إسرائيلي إلى قوات الاحتياط أسهم في تعطيل عجلة الاقتصاد وسوق العمل، وذلك لأن حوالي 20% من قوات الاحتياط هم أصحاب مصالح تجارية وشركات.

يشهد الكيان الإسرائيل –وربما لأول مرة- حالة نزوح للمدنيين من الجنوب ومن شمالي البلاد، حيث تم إجلاء حوالي 300 ألف إسرائيلي من البلدات القريبة من خط المواجهة والحرب”، وهذا يثقل كاهل الموازنة العامة.

التغييرات والتعديلات المتوقعة بالموازنة العامة لإسرائيل، بسبب تكلفة الحرب، عبر التوجه لتوسيع إطار الموازنة بما يقارب 12 مليار دولار، وهذا ما يعكس العجز الأولي والمباشر بالموازنة جراء الحرب.

رصدت وزارة المالية الميزانيات من أجل الصرف على قوات الاحتياط ودفعت المخصصات لجنود الاحتياط من أجل تدبير وإدارة شؤون حياتهم اليومية.

2- قطاع التقنية:

تظهر تجليات الأزمة الاقتصادية الحادة واضحة في أبزر القطاعات الاقتصادية في البلاد، فأهمها قطاع التقنية الذي يشكّل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في 2022 ليصبح أكبر مساهم في الناتج المحلي، وفق بيانات هيئة الابتكار الإسرائيلية، وقد تضاعف إنتاج القطاع إلى 290 مليار شيكل (78.6 مليار دولار) في السنة نفسها، من 126 مليار شيكل (34.15 مليار دولار) في 2012.

وحسب البيانات، مثّلت صادرات قطاع التقنية الفائقة 48.3% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية في 2022، بما قيمته 71 مليار دولار، بنمو 107% مقارنة بالمسجل في 2012، ويعمل 401,900 موظف في إسرائيل في القطاع، وفق بيانات 2022.

ومنذ بدء الحرب على غزة وقرار التجنيد الواسع لقوات الاحتياط، خلت شركات التقنية من العمال لتواجه أزمة اقتصادية؛ تمثلت بتراجع الاستثمارات فيها بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.

3- تعطيل عمل الشركات والمقاولات:

مما كشفت عنه الحرب على غزة؛ تعطيل المقاولين والشركات التي تقدم الخدمات للحكم المحلي، بسبب تأجيل انتخابات الحكم المحلي في إسرائيل والتي كانت مقررة في نهاية أكتوبر 2023م. فهذا هذا التأجيل وهذه الاضطرابات منعت إقرار أي ميزانيات للبلدات ويتسبب بتعطيل كافة برامج ومخططات العمل ومشاريع البنية التحتية والبناء والإعمار.

4- قطاع البناء:

شارف قطاع البناء على الانهيار وفق اتحاد المقاولين الإسرائيليين، لأسباب عدة؛ أبرزها: غياب الأيدي العاملة الفلسطينية منذ بدء الحرب. ويعاني هذا القطاع الحيوي من نقص نحو 140 ألف عامل في هذا القطاع الذي يعود بشكل أساسي لغياب العمالة الفلسطينية، سواء من الضفة الغربية أو غزة، وهو ما أدى لإغلاق 50% من مشروعات البناء.

وحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن قطاع البناء يخسر ملياري و400 ألف شيكل أسبوعيا (644 مليون دولار) وبما أن الوضع الحالي من المتوقع أن يستمر في الأشهر المقبلة، فإن 3% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي يمكن أن يضيع.

وأشارت جمعية المقاولين والبنائين في إسرائيل إلى إنه حتى قبل الحرب على قطاع غزة كان هناك نقص دائم قدره 40 ألف عامل لتلبية احتياجات صناعة البناء، وحاليا مع غياب 100 ألف عامل فلسطيني، فإن الصناعة تفتقر الآن فعليا إلى أكثر من 140 ألف عامل.

وحتى السابع من أكتوبر 2023، كان قطاع البناء في إسرائيل يعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الفلسطينية بأكثر من 100 ألف عامل. ويتوزع الرقم بواقع 75 ألف فلسطيني من الضفة الغربية يحملون تصاريح للعمل في إسرائيل، و12 ألفا من قطاع غزة، إضافة إلى نحو 15 ألف فلسطيني يعملون دون تصاريح.

ويمثل ذلك نحو ثلث القوى العاملة في القطاع بأكمله، ومع اندلاع الحرب توقف دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل بشكل كامل، مما أدى إلى عجز فوري قدره 100 ألف عامل، حسب نفس المصدر. وفي الوقت الحاضر هناك 50% من مواقع البناء في البلاد مغلقة، بسبب النقص الحاد في القوى العاملة، والنشطة منها تعمل بطاقة 30% من قدرتها. أما بالنسبة لعمال البناء الأجانب، فكانوا قبل الحرب يقدرون بنحو 23 ألفا، معظمهم من مولدوفا والصين، منهم 3 آلاف غادروا إسرائيل مع اندلاع الحرب.

5- قطاع السياحة:

كان قطاع السياحة في إسرائيل قد سجل نموا ملحوظا في 2023 قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث استقبلت البلاد ما يقرب من 3.01 ملايين سائح، مما أدى إلى ضخ 4.85 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي. إلا أن القطاع تعرض لانتكاسة في نهاية العام، ولم يتحقق توقع ارتفاع عدد السياح إلى مستوى 3.9 مليون للعام، خاصة مع توقف معظم الشركات الدولية من تسيير رحلاتها الجوية إلى إسرائيل.

وكانت السياحة في إسرائيل تشهد موسما استثنائيا في 2023 مع تحقيقه معدلات نمو كبيرة وتعاف أكبر، لكن عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام على الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، كان لها وقع الصدمة على السياحة الإسرائيلية فيما تبقى من العام المنصرم والعام الحالي.

ولأن الحرب تزامنت مع فترة الأعياد، فقد شملت الخسائر مختلف المناطق والقطاعات السياحية. وعرف قطاع السياحة الإسرائيلي انتكاسة خطيرة، ويتوقع أن يواصل انتكاسته في 2024.

6- قطاع الزراعة:

وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم “رقعة الخضار الإسرائيلية”، وتحتوي على مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك؛ حيث يُنتج غلاف غزة حوالي%75 من الخضروات المستهلكة في إسرائيل، و20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب، و70% من محصول البندورة، و37%من زراعة الجزر والملفوف، و60%من زراعة البطاطا.

وتسببت الحرب على غزة بخسارة الغلة الزراعية في غلاف غزة[1] بنسبة 75% و80% من إنتاج الحليب والبيض، إضافة إلى ترك 29 ألف عامل في هذه الأراضي الزراعية. وإخلاء بلدات غلاف غزة وتلك الشمالية القريبة من لبنان -والمنطقتان تعدّان السلة الغذائية لإسرائيل- لم ينعكس على التكاليف المباشرة للحرب فقط؛ بل تسبب بخسائر فادحة في قطاع الزراعة حالت دون مدّ الأسواق بغالبية المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية.

ويواجه المزارعون في مستوطنات غلاف غزة والنقب الغربي أضرارا مباشرة وغير مباشرة، وينضم إليهم المزارعون الذين تقع حقولهم وبساتينهم في الجليل الأعلى على مقربة من الحدود اللبنانية، وضاعف من الضرر، أن العديد من العمال الأجانب غادروا إسرائيل، ولا يسمح للعمال الفلسطينيين بالدخول إليها. ورغم أن 9.5% فقط من البساتين والبيارات تقع في مستوطنات الغلاف، فإن 59% من بساتين الليمون بالبلاد موجودة في المنطقة، وحوالي 30% من بساتين البرتقال.

7- تراجع كبير في النمو الاقتصادي:

يناء على التداعيات السابقة، وعلى بعض الدراسات فقد سُـجل تراجع كبير في النمو الاقتصادي، حيث اعترف كبير الاقتصاديين في وزارة المالية، شموئيل أبرامزون، أن “إسرائيل” انخفض نمو اقتصادها إلى 2% فقط. ومع أن إطالة أمد الحرب يعود بالأساس إلى الأهداف المعلنة من قبل الساسة ومن قبل القيادات العسكرية الإسرائيلية[2]، إلا أنه سيكون لهذه القرارات تداعيات وتأثيرات على الاقتصاد الإسرائيلي.

وقد اعتبر خبراء اقتصاديون أن إسرائيل تواجه واقع حرب على عدة جبهات وهو ما سيرهقها اقتصاديا، بناء على أن الحرب ستطول وقد تمتد حتى عام 2024م[3].

خــاتمـة:

رغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسويق رواية لمواطنيه وحلفائه السياسيين عنوانها؛ “اقتصاد إسرائيل قوي ومستقر”، فقد اندلعت خلافات في بنك إسرائيل المركزي تعكس حجم التفاوت بين واقع سوق المال وتصريحات السياسيين، إذ يطالب محافظ البنك المركزي أمير يارون رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات تجنب الدخول في أزمة اقتصادية حادة، من بينها: فرض ضرائب جديدة، أو رفع القائم منها.

كل ذلك بين أن الحرب على غزة كشفت للعالم عن عدد من الحقائق المستورة، والتي كُـشفت رغما عنهم، ومنها؛ أن الحرب على غزة لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– حيث تظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن مزارع غلاف غزة تشكل 30% من الأراضي المخصصة لزراعة الخضروات في إسرائيل.

[2] – وخلاصة هذه الأهداف هي؛ السعي من أجل فرض واقع أمني جديد.

[3] – كانت هذه التقديرات شهر نونبر 2023م.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
ما أصل التشاؤم بالخِطبة والعقد والزواج بين العيدين؟ وكيف أبطله الإسلام؟
السابق
إسطنبول.. اختتام ورشة عمل "التنسيق من أجل حرية فلسطين" بمشاركة 50 ناشطًا حقوقيًا من 14 دولة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع