البحث

التفاصيل

لا تقرضوا آل قطب درهماً

مع رحيل المفكّر الإسلامي محمّد قطب أفل آخر(الأطياف الأربعة) وهو الاسم الذي اختاره الإخوة (سيّد ومحمّد وحميدة وأمينة قطب) لأنفسهم في الكتاب الذي اشتركوا في تحريره عام 1945م، وفي تعريف الأطياف الأربعة يقول سيّد: "صبية وفتاة، وفتى وشاب.أولئك هم الأطياف الأربعة! إخوة في الدم إخوة في الشعور.كلهم أصدقاء وذلك هو الرباط الأقوى.إنّهم يقطعون الحياة كأنّهم فيها أطياف،..،كل ما يربطهم بالكون أن يتطلعوا إليه هنيهة، ليردّوه صوراً في عالمهم المسحور..". وقد قُدّرَ لهذا الطيف القطبيّ أن يرسخ وتداً متأصلاً في أعماق معارك الحقّ، وليس مجرد موجات فكريّة تطفو على السطح فتتبخّر مع توّهج حرارة الحقيقة، كان محمّد قطب عنقوداً يتدلّى بعنفوان طلّاب الحريّة من تعريشةٍ عريقة الأصول، يستظل بأريجها جموع المؤمنين بغلبة الفكرة على سياط الجلّاد، فلا أهمية للحياة تُذكَر دون الإيمان بتلك القضية الفريدة التي لا تندثر برحيل أصحابها، ولا قيمة للموت إنْ لم يكن إحدى علامات تمييز الحقّ عن الباطل.


فكرهم القطبيّ من نوع خاص يستوجب لردعه زنازين للدفن وأحكاماً بالإعدام، والكثير من الجولات التاريخية لتلويث منابع الفكر الإسلامي التي منها يستقون، فهناك عقبة لا يمكن إذابتها أو ثنيها بالترغيب أو بالترهيب تواجه المتصدين للفكر القطبيّ، وهي العزم الصلب بكل وسيلة لإبانة مفهوم التوحيد العملي للنّاس، وفي هذا يقول محمّد قطب: "تمّ تحرير موضع النزاع،..إنّه قضية (لا إله إلّا الله) دون غيرها من القضايا..، ليس الصراع الدائر بين قريش وبين المؤمنين على سيادة أرضية، ولا على السلطة السياسية..ليس الصراع على (شرف) سدانة البيت، ولا (وجاهة) خدمة الحجيج، ليس على القوة الاقتصادية..، الصراع كلّه على القضية الكبرى التي هي - والتي يجب أن تكون دائماً - القضية الأولى، والقضية الكبرى في حياة الإنسان، قضية مَن المعبود؟ ومن ثمّ من صاحب الأمر؟ من المشرّع؟ من واضع منهج الحياة؟ ". قضية لا تروق للطواغيت وأعوانهم وتقلق أعمدة الضلال، وتربك دعاة شرك الحاكمية المتدثرين بستر الطاعة المنسوج حبكاً بالعبودية لغير الله، قضية لطالما كلّفت محاميها أثماناً باهظة تبدأ بالتضييق ولا تنتهي بالقتل بل تستمر لاغتيال مفهوم التوحيد المتفجّر في مؤلفاتهم وعباراتهم وسيرهم الشخصية، يحاول محاربو الفكر القطبيّ الوصول إلى سلاح لاستئصال الاعتقاد الفكريّ، وقد كان من الغريب اتّهامهم للمدرسة القطبية إحدى أقوى مدارس التوحيد في الخطاب الإسلامي المعاصر بكونها مدرسة الدعوة إلى التكفير، فكم اجتهد المعارضون للرواق القطبي داخل حرم الفكر الإسلامي في قلب الاسم منعاً لبلوغ مدلولات المُسمّى، في محاولة لمحاربة فكر إسلامي بفكر إسلامي اخر أكثر خطورة، هم عادة لا يقتربون من أدلة وحجج المدرسة القطبية لاتّكائها على أصول شرعيّة إسلاميّة بالنّصوص تارة وبالرؤى القابلة للاجتهاد تارة أخرى، ولا يحاولون دحض مفاصل الفكر المتعلق بقضيتي التوحيد والحاكمية لأنّهم سيجدون أنفسهم في مأزق مع النّص الشرعي، لذا سعوا لإلصاق كل انحراف إسلامي سلوكي متطرف لممارسة العنف المسلّح غير المبرر بالمدرسة القطبية بسبب تفريقها بين معنى التوحيد الحقيقي ومعنى التوحيد الصوري، فتحولت القضية من نقاش تطبيق مفهوم التوحيد في الواقع المعاش إلى نقاش الميلان العقائدي في الفكر القطبي ضمن مقاسات مفصّلة لأشخاص بعينهم.

 

وقد كان لآل قطب نصيبهم المرّ في معركة التوحيد الممتدة عبر الأزمان، يقول د.عبدالله عزّام رحمه الله: "في فترة غضب مصر على سيّد قطب وأهله ما كان أحد يستطيع أن يقرض آل قطب درهماً واحداً،.. أنا سمعتهم يقولون: تبّرأ النّاس منّا، ذهبنا الى أناس نستدين منهم، أصحابنا قالوا: نحن لا نعرفكم، لا تأتونا ولا نأتيكم، لا يجرؤون". و أمّا المفكر محمّد قطب رحمه الله فقد نال حظّه من هذه المعركة ومن أقسى معاناته اعتقاله مرتين، أشدّهما ظُلماً كانت الثانية في عام 1965م حيث لم يُحاكم ولم تُعرف ما تهمته لكنّه قضى في السجن ما يقارب سبع سنوات، ربما الآن تُفهم شهادة د.محمّد العوضي في حقّ الشيخ محمّد قطب: "أتذكرُ تدريسه لنا، كان إذا تحدّث عن العدل تدمع عيناه". وفي علاقة محمّد بأخيه سيّد فقد صرّح محمّد بأبوة سيّد له فكريّاً وعاطفيّاً فيقول: "إلى أخي الذي علّمني كيف أقرأ، وكيف أكتب،..،فكان لي والداً وأخاً وصديقاً"، ويعلّق د.صلاح الخالدي على هذه الأخوة الراقية: "ولو لم يكن لسيّد إلا أنّه خرّج أخاه هذا، وسلّمه الراية من بعده لكفاه. إنّ سيّد كان يعدّ أخاه ليخلفه من بعده، وكان يأمل أن يكون مكمّلاً له..، وقد حقق محمّد أمنية أخيه". ومع ذلك وفي تواضع عزيز يسمو في عروق النبلاء كان محمّد دائم الاعتراف بتفوّق سيّد وفضله ولم يكن يضع نفسه في بُعد المقارنة معه. ترحل الأسماء سيّد،محمّد..ويبقى القطب الرافض لتعدد الآلهة ولتوحيد الفرد المخلوق واحداً من أشرف محاور البذل في سبيل الله الأحد.


: الأوسمة



التالي
طه حسين أمام النائب العام
السابق
السيسي عميل اليهود

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع