البحث

التفاصيل

قصة مقهى

الرابط المختصر :

لست مصريا ولكني أحب المصريين‏..‏ مر بي صديقي ذات مرة على مقهيى (‏ جروبي‏)‏ الذي تعرفه القاهرة منذ ثمانينيات القرن الماضي علي أنه أكثر من مطعم لبيع الحلوى ومقهى لتقديم المشروبات‏..‏ إنه نقطة التقاء الشوارع القديمة المؤدية إلي وسط البلد‏, تماما مثل كونه ملتقي الحوار بين الأطياف الفكرية والسياسية, وفي مصر كل الطرق تؤدي إلي الحوار, ومن دون حوار لن يمكن بناء مؤسسات الدولة المدنية ولا مواجهة تحديات التنمية والبناء والإصلاح.


تدخل المحل فتقرأ تحت قدميك كلمة ( قفير النحل).. إنها ليست تعويذة ولا رقية بل رمز للحركة الدائمة في المكان, حركة الزبائن والعمال علي حد سواء.. هكذا هي مصر لا تقبل التوقف والجمود.. تماما كنهر النيل المتدفق الفياض, يقول سيد قطب:

يا نيل كم شراع
يا نيل كم من سفين
أسلمتها للوداع
علي مدار السنين
وشبت والدهر شاب وحنكتك الحياة
والنيل بادي الشباب
والزهر يقفو خطاه


المصري يتكيف مع الأوضاع المختلفة وحركته الفاعلة تجعل النتيجة الأخيرة لمصالحه في الغالب!


هو تجسيد لتاريخ ملوك وأمراء وباشاوات وأباطرة ذهبوا وبقي هو يقول لنا إن دوام الحال من المحال, وإن الحياة حركة لا تتوقف بل تطحن أولئك الواقفين في طريقها!


هو مكان تجمع الكتاب والصحفيين ونجوم المجتمع, وفي ذات الوقت مكان المكايد السياسية والصفقات التاريخية.. رسول هتلر كان يلتقي بعملائه السريين في المقهي, وعيزرا وايزمان الرئيس الإسرائيلي كان يتناول إفطاره هنا يوميا فترة وجوده كجندي يهودي في الجيش الإنجليزي... ذهبت المكايد وبقيت مصر أكبر من كل المؤامرات والمكايد!


كانوا يقولون زمن الخوف: وللجدران آذانس, وصاروا يتساءلون زمن الحرية: هل للجدران ألسنة لتحدثنا عما كان وتفصح عن معاناة الإنسان؟ لو تكلمت سقوف المكان وحيطانه وجدرانه لأبدت الأعاجيب, وبزت كل خطيب!


في بلد استوعب حضارات الدنيا.. تحت كل حجر حكاية.. قبل معركة العلمين أعلن( روميل) أنه سيشرب الشاي في جروبي القاهرة, تصريح يعني أنه واثق من النصر واكتساح العدو, وأراد الله أن يذكره وغيره من الطغاة بأن التدبير بيده سبحانه, فلم يتذوق ذلك الكأس, ولم يحقق حلمه( ولم تكن له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) وغادرت جيوش الحلفاء كما غادر الاستعمار وظلت مصر حرة أبية.


كاد الثوار أن يحرقوه ولكنه سلم وعاد إلي العمل محتفظا بسحره وبريقه متماهيا مع المرحلة الجديدة مستعدا للتغيير بما لايطمس هويته التاريخية. وقد زعم صاحب كتاب ( الإخوان والعنف) أن الإخوان خططوا لنسفه مع الجامعة وسكة الحديد في عملية تخريبية تم احباطها عام 1945 م وهي قصة منسوجة كجزء من الحملة الأمنية والإعلامية علي الإخوان في مراحل اضطهادهم. مهما اختلفت مع الإخوان ستعترف أنهم ليسوا حركة عنف, وآن الأوان أن تكشف الحقائق بأدلتها لتعتبر الشعوب التي ما زالت تخدع بضجيج الإعلام المؤدلج! المدهش أن المقهي الآن أصبح ملكا لشخص يقال إنه من قيادات الإخوان وربما تقع بقربه مظاهرة أو وقفة احتجاج أو نداء مقاطعة لهذا السبب ( وتلك الأيام نداولها بين الناس). و رغم كل شيء لا يزال الكثيرون يرتادونه ولا يرتضون بديلا عنه خاصة في شهر رمضان.


اسم دخل اللهجة المحلية يعبر عن جزء من الشخصية المصرية المستوعبة للآخرين المحافظة علي ذاتها بالقدر ذاته


: الأوسمة



التالي
عينا طفل سوريا تجلدنا
السابق
أمتي في العالم

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع