البحث

التفاصيل

التطبيقات العملية للعلاقات الدولية في حالة السلم

يحرص الإسلام كل الحرص على الحفاظ على الأمن والامان، والسلام، وعلى العهود والمواثيق التي تمت بين دولة الإسلام، او المسلمين، وبين غيرهم دولاً وأفراداً، فجاءت مجموعة من النصوص الصريحة تأمر بالوفاء بالعهود والعقود والمواثيق، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)  وقال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان عنه مسؤولاً) وجعل الوفاء بالعهود والمواثيق من صفات المؤمنين، ونقضها من صفات الكفرة والمنافقين فقال تعالى في وصف المؤمنين المصلحين: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، بل إن القرآن الكريم لا يجيز للدولة المسلمة نقض العهد مع دولة غير إسلامية بينها عهود ومواثيق ما دامت لم تنقض عهدها.

 وقد تضمنت الآيات العشرون (55 – 75) من سورة الأنفال التي هي من أواخر السور التي نزلت على الرسول الكريم صورة واضحة للعلاقات الخارجية بين الدولة المسلمة وما حولها من الدول والطوائف والمعسكرات، حيث تقرر إمكان إقامة عهود تعايش بين المعسكرات المختلفة ما أمكن أن تصان هذه العهود من النكث بها مع إعطاء هذه العهود الاحترام الكامل والجدية الحقيقة  وذلك من خلال المفاهيم الآتية:


1 ـ وجوب الحفاظ على العقود، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وضرورة صون العهود والمواثيق من النقض والنكوث حيث سمى الله تعالى الناكثين بشر الدواب، فقال تعالى:(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ).


2 ـ وأن الدولة المسلمة التي لها عهد مع أناس آخرين إذا خافت من خيانتهم فإنها تنبذ إليهم عهدهم، وتخبرهم بذلك، ولا تخونهم، لأن الله تعالى لا يحب الخائنين، فالإسلام يريد من العهد الصيانة، ومن العقد الحفاظ عليه، ومن المواثيق الالتزام بها، فإذا وجد المقابل لا يحافظ على عهد، ولا يفي بعقده بل من طبعه الخيانة والمكر، فإن المسلمين لا يجوز لهم أن يقابلوا خيانتهم بخيانة، وغدرهم بغدر، بل يصارحونهم، وينبذون إليهم عهدهم، او يعطونهم فرضة أخرى، ولذلك يرتفع الإسلام بالبشرية إلى آفاق من الشرف والاستقامة، ويرتقي بهم إلى آفاق الأمن والطمأنينة والاستقرار، وعدم الخوف من الإغارة والخيانة.


3 ـ ضرورة إعداد القوة حتى لا يطمع الأعداء في الدولة الإسلامية، وهذه تسمى في الوقت الحاضر نظرية القوة الرادعة لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ).


 4 ـ وأنهم إذا جنحوا للسلم فعلى الدولة الإسلامية أن تختار خيار السلام مع التوكل على الله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم).

 

5 ـ أن لا يكون التعامل على أساس الشك والريبة، ولذلك  شدد القرآن الكريم في ضرورة الأخذ بالسلام العادل والجنوح له حتى ولو مع الخوف من الخيانة ما دامت الأمة قوية قادرة على ردع العدوان، قال تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين).


6 - ضرورة توفير الهيبة لهذا الدين، والإرادة القوية، والاستعداد الدائم المستمر لحماية الأمة، وليست للاعتداء لأن الله لا يحب المعتدين.


7 ـ ضرورة التأكيد على مبدأ الموالاة بين المؤمنين بالمحبة والنصرة في مقابل موالاة الكافرين بعضهم لبعض، فلا ينبغي للأمة المسلمة أن تبقى متفرقة ممزقة، وعدوها متحد يرميها من قوس واحدة، وأن الفتنة كل الفتنة هي أن لا يستوعب المسلمون قضية الولاء (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ). 


8 ـ هؤلاء الذين لا يستطيع أحد ان يطمئن إلى عهدهم وجوارهم وشرورهم، جزاؤهم تخويفهم، والضرب على أيديهم بشدة حتى يتركوا هذا الصنيع الفاحش.


9 ـ وجوب قيام العلاقات على الصراحة وحماية العهود والمواثيق، ونبذ الخيانة، والميكافيلية، يقول سيد قطب: ( إن الإسلام يريد للبشرية أن ترتفع، ويريد للبشرية أن تعف، فلا تبيح الغدر في سبيل الغلب، وهو يكافح لأسمى الغايات وأشرف المقاصد، ولا يسمح للغاية الشريفة أن تستخدم الوسيلة الخسيسة، إن الإسلام يكره الخيانة، ويحتقر الخائنين الذين ينقضون العهود، ومن ثم لا يحب للمسلمين أن يخونوا أمانة العهد في سبيل غاية مهما تكن شريفة، إن النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، ومتى استحلت لنفسها وسيلة خسيسة فلا يمكن أن تظل محافظة على غاية شريفة، وليس مسلماً كاملاً من يبرر الوسيلة بالغاية، فهذا المبدأ غريب على الحس الإسلامي والحساسية الإسلامية). 


10 ـ من دلائل حفاظ المسلمين على عهودهم مع غيرهم أن بعض المسلمين الذين لم ينضموا إلى الدولة الإسلامية لو استنصروا بها في الدين فعليها النصرة على شرط ألا يخل هذا بعهد من عهود المسلمين مع المعسكر الآخر حتى ولو كان هذا المعسكر معتدياً على أولئك الأفراد في دينهم وعقيدتهم فقال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق). 

 


حقوق غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية:

  على ضوء المنهج الذي اخترته، وهو منهج "فقه الميزان" فإن غير المسلمين في ظل ميزان الحرب تختلف حالهم وحقوقهم فيما لو كان الميزان المطبق هو ميزان السلم، فعلى ضوء ذلك نقول:


أولاً: إن غير المسلمين اليوم الذين يعيشون في بلاد الإسلام والمسلمين منذ القدم هم مواطنون لهم حقوق المواطنة، وعليهم الواجبات، ولا يستثنى من ذلك إلاّ ما نص على استثنائه نص صحيح صريح قطعي الدلالة، أو ما يتعلق بالحقوق الخاصة الناشئة من دين الأكثرية، أو الأقلية.

  إن هذا الاستثناء معقول حتى في ظل النظم المعاصرة التي يشترط بعضها، أو أكثرها في أوروبا والغرب أن يكون رئيس الدولة ممن يدينون بالمسيحية مثلاً، ولذلك فاشتراط أن يكون الرئيس من دين الأكثرية أمر مقبول ومعقول ومطبق حتى في عالمنا الذي يدعي الديمقراطية، وذلك لأن مثل هذه الشروط لن تؤثر في جوهر المساواة في الحقوق والواجبات، ولن تتغير حقوق المواطنة في أركانها وجوهرها.


ويدل على ذلك ما يأتي:


1)    أن الوثيقة، أو الصحيفة، ـ أو ما يسمى بدستور المدينة الأول ـ  أعطت حقوق المواطنة والحرية الدينية، وحق التحالف إلاّ مع الأعداء  كما سبق.


2)    إن القاعدة العامة في حقوق أهل الذمة هي: (أن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا) حيث قال علي رضي الله عنه: (إنما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا).

وهناك نصوص كثيرة في الحفاظ على حقوقهم وحمايتهم ـ كما سيأتي ـ.


3)    إن ما فرضه الإسلام على أهل الذمة من الجزية، والخراج هو من حقوق المواطنة ايضاً ـ كما سبق ـ.

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن مصطلح "أهل الذمة" يعني أنهم أهل عهد وذمة الله ورسوله.


ثانيا: إن تفاصيل هذه الحقوق قد ذكرها علماؤنا قديماً وحديثاً، وفصلتها كتب الفقه في المذاهب المعتبرة، وممن ذكرها بالتفصيل والتأصيل من المعاصرين الأستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان، والعلامة الشيخ يوسف القرضاوي  معتمدين على نصوص كثيرة من الكتاب والسنة نذكرها بإيجاز:


1)    وجوب حماية الدولة لهم من الاعتداء الخارجي، والدفاع عنهم، ووجوب انقاذ أسراهم، بل نقل الاجماع على أنه وجب الخروج لقتال من يحاربهم حتى ولو كانوا في بلاد منفردين، يقول القرافي: (إن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم، لأنهم في جوارنا، وخفارتنا، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الاسلام، وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الاجماع له: أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا ان نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم).

وقد حدث كثيراً أن الدولة الإسلامية لم تقبل بإطلاق الأسرى المسلمين إلاّ مع إطلاق الأسرى الذميين.


2)    حماية ضرورياتهم الست، وحاجياتهم، حالهم في ذلك حال المسلمين، حيث اتفق الفقهاء على ذلك، وعللوا ذلك بأنهم أصبحوا بعقد الذمة من أهل دار الإسلام، وعلى ذلك يجب توفير الحماية لنفوسهم، وأعراضهم، وأموالهم، بل أكثر من ذلك، فإن الدولة يجب عليها حماية ما يعتبرونه مالاً ـ مثل خمورهم، وخنازيرهم ـ مع أن ذلك لا يعتبر مالاً لو كان لدى المسلم بل يجب اتلافه، بل لو قام مسلم بإتلاف خمورهم وخنازيرهم وجب عليه التعويض عند الحنفية.

فعلى الدولة أن تحمي حريتهم الدينية، وتحافظ على أموالهم، وأعراضهم وشأنهم في ذلك شأن المسلمين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً).

ولذلك ذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنفية إلى: أن المسلم يقتل إذا قتل ذمياً، وهذا رأي: الشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، وعثمان البتي، وهو مروي عن الخليفة عليّ ابن أبي  طالب، وعمربن عبدالعزيز "رضي الله عنهم"، وهو الذي كان عليه العمل في معظم عصور الخلافة العباسية، وفي الدولة العثمانية، وذهب المالكية إلى: أنه يقتل به في حالة الغيلة (أي الخديعة). 


3)    التعامل معهم بالعدل، وحمايتهم من الظلم بجميع أنواعه وأشكاله، حيث يدل على ذلك جميع النصوص العامة الدالة على وجوب الحكم والتعامل على أساس العدل، وحرمة الظلم، وبعض النصوص الخاصة بأهل الذمة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة).

ولذلك اشتدت عناية الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بدفع الظلم عنهم ، حتى ان الخليفة عمر رضي الله عنه كان يسأل القادمين من البلاد الإسلامية عن أهل الذمة، فكان جوابهم: (ما نعلم إلاّ وفاءً)  وقد روى البخاري في صحيحه عن جويرية بن قدمة التميمي قال: (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: (أوصيكم بذمة الله ، فإنه ذمة نبيكم...)  وفي رواية عمرو بن ميمون بلفظ (وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله: أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلفوا إلاّ طاقتهم).


4)    تحقيق التكافل الاجتماعي لهم في حالات الفقر، والعجز والشيخوخة، فإذا أصبح المواطن (غير المسلم) فقيراً، أو عاجزاً أو شيخاً مسناً فإن الدولة لا تتركه يتعرض للاهانة والضياع، بل تنصفه، وتحميه، وتقرر له العيش الكريم، وليس هذا الحكم جديداً ومعاصراً، بل حدث ذلك في عصر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث كتب خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق وكانوا نصارى ما نصه: (وجعلت لهم: أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام).

وروى أبو يوسف وغيره أن عمر رضي الله عنه مرّ بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، فقال: من أيّ أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده فذهب به إلى منزله بشيء، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه، إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم...).

وقد تكرر ذلك في عصر عمر بن عبدالعزيز، مما يمكن تسميته بالاجماع على أن الضمان الاجتماعي مبدأ عام يشمل أبناء المجتمع جميعاً: مسلمين، وغير مسلمين، فلا يجوز أن يبقى فيه إنسان محروم من ضروريات الحياة وحاجياتها  فقد نص فقهاء الشافعية على أن دفع الضرر عن المسلمين من فروض الكفاية، وأن ذلك يشمل أهل الذمة، حيث إن دفع الضرر عنهم واجب، وأن المراد بدفع الضرر هنا هو: تحقيق الكفاية من المعيشة والمسكن والدواء والغذاء، وليس ما يسد الرمق على أصح القولين عندهم.


5)    احترام عهودهم وعقودهم مع المسلمين:

فقد ذكر أبو يوسف (ت182هـ) أن أبا عبيدة رضي الله عنه صالحهم بالشام على شروط في مقابل أن يوفر لهم الأمن والحماية من الأعداء، وحدث أن الروم قد جمعوا جمعاً كبيراً خاف أبو عبيدة أن لا يكون قادراً على حمايتهم، فكتب إلى ولاته على المدن يأمرهم: أن يردوا على أهل المنطقةما جبي منهم من الجزية والخراج، وأن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم وإنا لا نقدر على ذلك.. ونحن لكم على الشرط ووما كتب بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم، فلما قالوا لهم ذلك، وردوا عليهم الأموال التي جبوها منهم، قالوا: ردكم الله إلينا، ونصركم عليهم، قالوا: فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئاً، وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئاً).

يقول أبو يوسف رحمه الله: (فلما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين لهم، وحسن السيرة فيهم صاروا أشدّ على عدو المسلمين من المسلمين على أعدائهم، فبعث أهل كل مدينة، ممن جرى الصلح بينهم وبين المسلمين رجالاً من قبلهم يتجسسون الأخبار عن الروم وعن ملكهم وما يريد أن يصنع...).


6)    حماية حريتهم الدينية:

فقد أكد القرآن الكريم في آيات كثيرة على الحرية الدينية وعلى عدم إكراه أحد على الدخول في الإسلام فقال تعالى:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)  ويقول: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) ويقول: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ).

وقد سبق مزيد من التفصيل حول هذه المسألة، ولكن الذي نريد بيانه هنا هو: أن العهود والمواثيق التي تمت بين المسلمين وغيرهم عند عقود الصلح والجزية ومافيها من شروط ما هي إلا لأجل أن يراعي غير المسلمين مشاعر المسلمين، وحرمة دينهم  وعدم إثارتهم، وعدم إثارة الفتنة.

وقد شهد المنصفون من المستشرقين والمفكرين الغربيين بهذه الحرية الدينية التي لم يشهد لها التأريخ مثلها، يقول غوستاف لوبون: (رأينا من آيي القرآن التي ذكرناها آنفاً: أن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سننه، وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوروبا...).


7)    حرية العمل والمعاملات والعقود والأنكحة حسب معتقدهم:

إن القاعدة العامة أن أهل الذمة في المعاملات، وحرية العمل والاكتساب مثل المسلمين إلاّ أن لهم التعامل في بعض المحرمات في ديننا، يقول الجصاص الحنفي: (إن الذميين في المعاملات والتجارات كالبيوع وسائر التصرفات كالمسلمين) وصرح الكاساني بذلك بقوله: (كلما جاز من بيوع المسلمين جاز منه بيوع أهل الذمة، وما يبطل، أو يفسد من بيوع المسلمين يبطل ويفسد من بيوعهم إلاّ الخمر والخنزير)، واستثناء الخمر والخنزير عند الحنفية مقيد بما إذا تم التعاقد عليها فيما بينهم ، أما إذا تم التعاقد بينهم وبين المسلمين فإن العقد باطل أو فاسد وأما جمهور الفقهاء  فلم يستثنوا ذلك، قال الشافعي: (تبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها، فإذا مضت واستهلكت لم تبطلها، فإن جاء منهم رجلان  تبايعا خمراً ولم يتقابضاها أبطلنا البيع، وإن تقابضاها لم نرده، لأنه قد مضى).

غير أن الفقهاء ـ حتى غير الحنفية ـ صرحوا بأن الدولة الإسلامية  لا تتعرض إلى عقودهم الواردة على الخمور والخنزير ما دامت فيما بينهم، لأن مقتضى عقد الجزية لغير المسلمين تركهم وما يعتقدون جوازه، وإنما الخلاف بين الجمهور والحنفية في أن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم وبالتالي يجب على متلفهما المسلم التعويض والضمان مستدلين بما كتبه عمر إلى عماله بالشام، حيث منعهم من أخذ الميتة والخنزير والخمر، فقال عمر: (لا تفعلوا، ولكن ولّوا أربابها بيعها، ثم خذوا الثمن منهم).

وهم يقرون على أنكحتهم فيما بينهم حسب معتقداتهم، إضافة إلى جواز أن يتزوج المسلم من كتابية بنص القرآن الكريم: (... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ...).


8)    تولي وظائف الدولة:

لأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة إلاّ ما تغلب عليه الصبغة الدينية ، أو ما يقتضيه دين الأغلبية ـ كما سبق ـ وقد أجاز الفقهاء أن يتقلدوا (وزاة التنفيذ) وهو مصطلح في مقابل (وزارة التفويض) التي تعني أن يفوض الإمام أمر الحكم إلى الوزير ليديره حسب رأيه، وهذه سلطة شبه مطلقة، أما وزارة التنفيذ فيعنى بها تنفيذ أوامر الإمام، فهي على ضوء ذلك تشمل جميع الوزارات السائدة في وقتنا الحاضر، بل تشمل رئاسة الوزراء، وذلك لأنها اليوم مقيدة بالقوانين واللوائح المعتمدة من مؤسسات الدولة وان مرجعها إلى رئاسة الدولة.

يقول الماوردي: (وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف، وشروطها أقل، لأن النظر فيها مقصور على رأي الإمام وتدبيره، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا والولاة يؤدي عنه ما أمر وينفذ عنه ما ذكر، ويمضي ما حكم، ويخبر بتقليد الولاة، وتجهيز الجيوش، ويعرض عليه ما ورد من مهم، وتجدد من حدث ملم...) ثم قال: (ويجوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة).

وقد شهد التأريخ الإسلامي أمثلة كثيرة من تولي الوزارة والمناصب العامة لغير المسلمين، فقد تولى الوزارة في عصر العباسيين عدد غير قليل من النصارى، مثل نصر بن هارون (ت369هـ) وعيسى بن قسطورس (ت380هـ)  يقول المؤرخ الشهير آدم مينز: (من الأمور التي تعجب لها كثرة عدد العمال "الولاة وكبار الموظفين والمتصرفين" غير المسلمين في الدولة الإسلامية، فكان النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام، والشكوى من تحكيم أهل الذمة في أبشار المسلمين شكوى قديمة...).

يقول السيوطي: (وكان أبو سعد التستري اليهودي يدير الدولة (أي العبيدية) فقال بعض الشعراء:


يهود هذا الزمان قد بلغـــــوا         غاية آمالهم وقد ملكوا

المجد فيهم والما ل عندهُــــمُ         ومنهم المستشار والملكُ

يا أهل مصر إني نصحت لكم     تهودوا، قد تهود الفلك

 وقد ذكر السيوطي عدداً من الوزراء وهم باقون على ديانتهم اليهودية، أو النصرانية مثل: بهرام الأرمني النصراني، فتمكن من البلاد (أي مصر ونحوها في الدولة العبيدية) وأساء السيرة.

 

واجبات غير المسلمين الذين يعيشون في بلاد الاسلام:

  فقد ذكرنا في السابق واجبات الدولة والمسلمين تجاه غير المسلمين (أهل الذمة) فما هي واجبات غير المسلمين أمام حقوقهم السابقة؟

إن واجباتهم تكمن فيما يأتي:

أولاً: أداء الواجبات المالية ( الجزية على الرأس، والخراج على الأرض، والعشور على التجارة)، ويمكن تسميتها بالضرائب، أو حتى بالزكاة ـ كما سبق ـ.

سقوط الجزية:

وهذه الجزية يمكن أن تسقط في الحالات الآتية:

1-    عدم قدرة الدولة على حمايتهم ـ كما سبق ـ

2-    مشاركتهم الفعلية في القتال والدفاع عن الوطن، يقول فضيلة العلامة القرضاوي: (وتسقط الجزية أيضاً باشتراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد اعداء الإسلام، وقد نص على ذلك صراحة في بعض العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وأهل الذمة في عهد عمر رضي الله عنه  حيث ذكر أن رسول أبي عبيدة صالح جماعة "الجراجمة" المسيحين أن يكونواً أعواناً للمسلمين، وعيوناً على عدوهم في مقابل أن لا تؤخذ منهم الجزية).

واليوم يشارك المسيحيون في بلادنا بواجب الدفاع عن وطنهم، وحينئذ تسقط عنهم الجزية على رأس هؤلاء


ثانياً: الالتزام بالقوانين الإسلامية الصادرة في البلاد الإسلامية إلاّ ما استثنى منها لهم فيما يتعلق بأحكام الأسرة، والخمر والخنزير ـ كما سبق ـ.

  وهذا المبدأ يسمى: اقليمية القانون، وهو مطبق في جميع العالم اليوم، بل تعتبره الدولة الحديثة القوية من أركان السيادة والقوة، لذلك لا تسمح بتطبيق قانون غير قانونها الوطني، حتى في نطاق الأحوال الشخصية والأسرة، ولذلك تعاني الأقليات المسلمة في معظم البلاد غير الإسلامية معاناة شديدة في مجال أحكام الأسرة، حيث تطبق عليها قوانين البلد وهي ليست قوانين الشريعة.

  لكن الشريعة الإسلامية سمحت لغير المسلمين (أهل الذمة) باستثناء ما يتعلق بأمور الحلال والحرام، والعبادات، والأحوال الشخصية، بل إن جماعة من الفقهاء أجازوا لهم تطبيق جميع قوانينهم إن أردوا ذلك اعتماداً على قوله تعالى: (... فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)  فحمل الشافعي آية التخيير على الموادعين أي مثل يهود المدينة الذين وادعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على غير جزية، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم كما تدل الآية 43 من السورة نفسها: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ...)  وكما تدل على ذلك أسباب نزولها، واما الآية 49 فهي في أهل الذمة قال الشافعي: (وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذي يجري الحكم إذا جاءوه في حد الله عزوجل بل عليه أن يقيمه وكذلك إذا أبى بعضهم على بعض ما له حق عليه فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه، فحق لازم للإمام أن يحكم له على من كان عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضياً بحكمه، وكذلك إن أظهر السخط لحكمه... ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال... فكان ظاهر (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) أن يحكم بينهم ثمّ فرع الشافعي على هذه الآية أحكاماً فقال: (فإن جاءت امرأة تدّعي بأنه طلقها... حكمت عليه حكمي على المسلمين... وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين...).

 وقال ابن العربي: (إن أهل الكتاب... إن رفعوا أمرهم إلينا فلا يخلو إما أن يكون ما رفعوه ظلماً لا يجوز في شريعة كالغصب والقتل ونحوهما لم يمكن بعضهم من بعض فيه، وإن كان مما تختلف فيه الشرائع فإن الإمام مخيّر).

   والخلاصة أن الفقهاء قد اختلقوا في هذه المسألة فذهب جمهورهم (الحنفية ـ ما عدا أبا حنيفة ـ والشافعية وأحمد في رواية والظاهرية) إلى: أن الشريعة الإسلامية تطبق في حقهم، وأن القاضي ينفذ الحكم عليهم وهذا الرأي مروي عن ابن عباس، ومجاهد وعكرمة وذهب أبو حنيفة والمالكية وأحمد في رواية إلى: أن الإمام بالخيار، غير أن المالكية خصّ التخيير بشيء لم يكن متفقاً عليه تحريمه بين الأديان، أما المتفق عليه كحرمة الزنا مثلاً فإن الإمام ينفذ حكم الله على مرتكبه، والراجح هو القول الأول؛ لأن أهل الذمة ما أعطي لهم الذمة إلاّ بعد رضائهم بأن يحكمهم الإسلام، ولا تعارض بين الآيتين حيث آية التخيير في الموادعين المتصالحين معنا من غير عقد الذمة كاليهود الذين وادعهم الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نزل بالمدينة، وآية الحكم فيها عامة للمعاهدين الذين رضوا أن يدفعوا الجزية إلينا، ولذلك إذا رفع إلى الحاكم من أهل الذمة من فعل محرماً يوجب عقوبة ينفذ عليه العقوبة، وكذلك بخصوص أحكام التعامل غير أنهم ترك لهم مسائل أنكحتهم وبعض المعاملات التي هي حلال في دينهم وقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين في المدينة ثبت عليهما الزنا.

 قال ابن حزم الأندلسي (ت456هـ ): (فمن ترك أهل الذمة وأحكامهم فقد اتبع أهواءهم وخالف أمر الله تعالى).


ثالثاً: احترام شعور المسلمين وهيبة الدولة الإسلامية، حيث يمنعون من سبّ الإسلام ورسوله، وكتابه وثوابته جهرة، وترويج العقائد والأفكار وشرب الخمر وأكل الخنزير، والأخلاق المتناقضة مع الإسلام بين المسلمين.

آداب راقية غرسها الإسلام للتعامل مع الغير:

    إن الإسلام لا يعتمد على التشريعات الملزمة والقوانين الصارمة في تنفيذ لحقوق والواجبات بين المسلم وغيره فحسب، وإنما يعتمد في الأصل على الجانب الأخلاقي والعقدي، حيث يغرس في قلب المسلم حسن الخلق، وطيب الكلام، وطلاقة الوجه، وروح التسامح، والرحمة والرفق والحلم والشفقة، والمحبة للخير والبر والإحسان إلى الجميع والعفو والإعراض عن الجاهلين، واحتمال الأذى، بل الدفع بالتي هي أحسن، ومقابلة الاساءة بالإحسان مع القدرة والعزة، فقال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ  وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)،ويحث على ذلك من خلال الأجر العظيم الذي أعده الله تعالى لهؤلاء الرحماء المحسنين (... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ناهيك عن وجوب العدل في كل شيء.

 علماً بأن هذه الأخلاقيات، والعدالة ليست خاصة بالمسلمين، بل هي عامة لجميع الناس، بل للحيوانات والبيئة، فقد دلت النصوص الشرعية الصحيحة على أن أرملة دخلت النار بسبب حبسها لهرة حتى ماتت، وأن امرأة فاجرة دخلت الجنة بسبب سقيها كلباً عطشان.


وسائل مساعدة للتسامح والتراحم:

‌أ)    من أهم الوسائل المساعدة للتسامح والتراحم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج من نساء اهل الكتاب، وبالتالي تصبح الكتابية زوجته، وأم أولاده، وإخوانها نسائبه، وأخوال أولاده، وأمها بمثابة والدته وهي جدة لأولاده، وأبوها جد لهم، وهكذا، فيصبح بين المسلمين وأهل الكتاب مصاهرة وقرابة لها حقوق ونفقات وتكافل، وقد أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى الوالدين حتى ولو جاهدا على إضلال أولادهما فقال تعالى:(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

‌ب)    وكذلك فرض الإسلام حقوقاً حتى للجار غير المسلم، وبالتالي فإن جميع النصوص الواردة في حقوق الجوار المطلق تشمل الجار غير المسلم.


‌ج)    الالتزام بالآداب الراقية عند الجدال حيث خصّ الله تعالى الجدال مع أهل الكتاب بأن يكون بالأحسن صورة وشكلاً وأسلوباً ولغة ومنطقاً، فقال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

‌د)    تطبيق الأخلاقيات الراقية في التعامل ، فقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في حواراته معهم، وفي تعامله معهم، حيث كان يزورهم ويحسن إليهم ويعود مرضاهم، بل يسمح لهم أن يصلوا صلاتهم في مسجده عرضاً، فقد روى علماء السيرة بسندهم: أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوهم) فاستقبلوا المشرق، فصلوا صلاتهم).

وقد علق على ذلك ابن القيم فقال: (ففيها: جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها تمكينهم من صلاتهم بحضرة المسلمين، وفي مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً...).

ثم قال: (والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفي، وكذلك أصحابه من بعده، وقد أمر الله سبحانه بجدالهم بالتي هي أحسن في السورة المكية والمدنية... وبهذا قام الدين، وإنما جعل السيف ناصراً للحجة...).

بل أكثر من ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قبل هدايا أهل الكتاب واحترمهم حتى كان يقف عندما تمر جنازة أحدهم، وعندما سئل عن ذلك قال: (أليست نفساً) فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن جابر بن عبدالله، قال: ( مرّ بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم فقمنا به، فقلنا: يا رسول الله : إنها جنازة يهودي، قال: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا)  ورويا كذلك عن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد: أن النبي صلى الله مرت به جنازة فقال، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفساً؟)، قال الحافظ ابن حجر: (ومقتضى التعليل بقوله "أليست نفساً" أن ذلك يستحب لكل جنازة)  وذهب جماعة من الفقهاء إلى وجوب ذلك، لورود الأمر بها في عدة أحاديث في الصحيحين، والراجح هو الاستحباب لحديث علي رضي الله عنه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام، ثم قعد) حيث حمل قعوده لبيان الجواز فقط.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين،

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    كتبه الفقير إلى ربه

علي محيى الدين القره داغي


: الأوسمة



التالي
عاشوراء يوم النصر العظيم (عبدالعزيز بن فوزان الفوزان)
السابق
إستراتيجية منطقة شرق إفريقيا وأهمية مسلميها - الحلقة الثانية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع