البحث

التفاصيل

القدس أمانة وحمايتها عقيدة

لم تفاجئني ولم تصدمني في الحقيقة تلك التسريبات التي نشرتها بعض القنوات الفضائية، ونقلتها عن النيويورك تايمز، وبها مكالمات مسجلة لضابط مخابرات مصري وهو يحض بعض الإعلاميين الفسدة - عملاء النظام الانقلابي - وإحدى الممثلات التافهات: على العمل لإقناع الجماهير بقبول قرار الرئيس الأمريكي ترامب حول نقل السفارة الأميركية واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والترويج كذلك لفكرة أن يرضي الفلسطينيون، ويوافقوا على اعتبار مدينة رام الله عاصمة لهم بديلا عن القدس الشريف. 

والتسريب فحواه يؤكد ويفيد: بأن النظام المصري موافق تمام الموافقة، ومؤيد كل التأييد لقرار ترامب ، ويبارك اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني البغيض . 
وعجبي شديد!!! من هؤلاء الذين يتعجبون من موقف النظام المصري المخزي في هذا الشأن . 
وأقول : فيمَ العجب ولِمَ ؟ أكنتم تتوقعون سوى ذلك من النظام الانقلابي الفاسد العميل؟!!
أتنتظرون خيرا ونُصرة وإنصافا من نظام باغٍ يحارب الله ورسوله وعباده المؤمنين ، ويصد عن سبيل الله ، ويعمل لنشر الشر والفساد؟!!
هل كنتم تتصورون أن يثور النظام أو رئيسه وحكومته وجيشه ضد تصريحات الرئيس الأمريكي السفيه الأهوج ؟!!
هل تخيلتم أن يقف أحد من هؤلاء الخونة العملاء، ويصدع بالحق ويقول بملء فيه وعلو صوته: لا يمكن أن تكون القدس عاصمةً لإسرائيل فالقدس عربية إسلامية؟!!
بالله عليكم أيمكن أن نتوقع خيرا ممن خانوا دينهم وأمتهم وشعوبهم ، وَوالَوْا أعداء الله ، وآذوْا عباد الله المؤمنين ، وأذلوهم وقهروهم ، وخرَّبوا البلاد وأفقروها ، وقتلوا وحرّقوا أطهر الناس فيها جهارا نهارا ، وزَجوا بالآلاف من الأبرياء والشرفاء في غياهب السجون دون ذنب أو جريرة سوى قولهم : ربنا الله ، ومطالبتهم بالحق والعدل والحرية والشرعية ، والعيش الكريم؟!!
هل يمكن لمن كان هذا شأنهم ، وهذه أفعالهم وتلك سيرتهم ومخازيهم أن يقفوا دفاعا ونصرة للقدس وفلسطين؟!!
أنَسينا أن من مكَّنهم وأعانهم ، وبارك خيانتهم هم الصهاينة وأعوانهم المغتصبون للقدس وفلسطين؟
لا يمكننا في الحقيقة توقع الخير من هؤلاء وأمثالهم ، وهم ليسوا حكاما لنا ، وإنما يتحكمون فينا وفي بلادنا ، وقد اعتلوا سُدة الحكم بطريق غير شرعي ، فقد تمكنوا بالغدر والخيانة وقوة البطش والسلاح ، وأَتَوْا على غير رغبة الشعب وبدون إرادته ،
والغادر والخائن لا يَصْدُر عنه خير ولا يفعل معروفا ، وإنما يُتوقع منه كل شر وفساد ، وعَمالة وانقيادٍ لأعداء الأمة الأشرار .
وهؤلاء الحكام العملاء وأعوانهم ، غشاشون مخادعون لشعوبهم وأمتهم ، والغاشُ المخادع لا يعمل لخير أمته ، ولذلك ستكون عواقبهم وخيمة ومصيرهم في غاية السوء ، علاوةً على ما ينتظرهم من غضب الله عز وجل ، وأليم عقابه. 
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرَّم الله عليه الجنة".
إنهم ضيعوا الأمانة ، ولم يحفظوا الشريعة ويذُبوا عنها ، وأهملوا حفظ أوطانهم ، بل فرَّطوا في أجزاء منها ، وتركوا حماية حوزتها ، ومجاهدة عدوها ، وساروا بين الناس بالظلم ،، فاستحقوا غضب الله ونقمته ، وحُرِموا خيره وتوفيقه وجنته.
ومن الحقائق والأمور المهمة التي لا ينبغي أن تغيب عنا وهي : أن مسؤولية تحرير القدس والأقصى وفلسطين تقع على عاتق الأمة بأسرها. 
فهي أرض عربية إسلامية ، اغتصبها محتلون غاصبون معتدون جاءوا من شتات الأرض ، وطردوا أصحاب الأرض ، وأقاموا لهم كيانا على أرضنا وديارنا ومقدساتنا ، ومقاومتهم في حكم القانون والمواثيق الدولية واجبة ، وفي حكم الإسلام واجبة. 
وقضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك : قضية إسلامية ، واجب على المسلمين أن يتجمعوا حولها ويعملوا على تحريرها كما فعل ذلك آباؤهم وأجدادهم من قبل تحت لواء البطل المغوار والقائد الفذ والحاكم الصالح "صلاح الدين الأيوبي" رحمه الله ورضي عنه وجزاه عن الإسلام خيرا .
ولذا ينبغي على كل مسلم واعٍ رشيد : أن يعلم بأن الدفاع عن القدس وفلسطين ليس من نوافل الدين ، وإنما هو من ألزم الواجبات ، لذا وجب الدفاع عنها ، وبذل كل ما يُستطاع من جهد ومال ، ووقت وحركة وعمل لتحرير القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك ، وإعادته لحوزة المسلمين ، فهي أمانة ينبغي استردادها ، والعمل على تخليصها من براثن الصهاينة المجرمين .
القدس مدينة مباركةٌ مشرفةٌ مقدسةٌ ، شرَّفها الله عز وجل وكرمها ، فهي كريمة شريفة مباركة لها مكانتها وقدرُها في قلب كل مسلم غيور على دينه وتراث أمته ، فهي أرض الإسراء والنبوات التي باركها الله وبارك حولها ، وجعلها مهبط الرسالات وموطن الأنبياء ، التي سكنها وعمرها وأقام فيها الصالحون المتعبدون لله عز وجل من زمن بعيد ، ووصفها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : بالأرض المقدسة ، فهل ما باركه الله عز وجل يُدَنِسه ويُلوثه السفهاء الأرجاس المهازيل؟
نقول بملء أفواهنا وبعلو صوتنا : أن ما باركه ربُنا وطهَّره وقدَّسه وجمَّله وشرَّفه لن ينالَ منه ويُقَذِّره مخلوقٌ مهما كان شأنه ووزنه ، ومهما كانت قوته وحجمه وقدرته .
ومهما كاد هؤلاء المجرمون الطامعون ومكروا ، وأيَّدَهم وعاونهم في ذلك عملاؤهم وأذنابهم الخونة الغادرون من بني جلدتنا والمتحكمين فينا ، فالله عز وجل من وراء كيدهم ومكرهم محيط ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وسيردهم على أعقابهم خائبين مدحورين .
وحق أمتنا العربية والاسلامية في القدس وفلسطين حق تاريخي قديم ، ووجود العرب (اليبوسيين) فيها كان قديما قبل (العبرانيين) ، وعندما هاجر خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، إلى أرض فلسطين ، وجد فيها هؤلاء العرب يَحْيَوْن فيها ويعمرونها ، فنزل تلك الأرض نبيا كريما مسالما داعيا إلى الله عزوجل ، ثم هاجر بعد ذلك من بلد إلى بلد متنقلا بدعوته، فمن العراق إلى حران بالشام ، ثم إلى فلسطين ومصر بعد ذلك ، ثم الرجوع إلى فلسطين، وبعدها ينزل أرض الحجاز ليجدد بناء البيت الحرام ، ويترك فيها ولده إسماعيل عليهما السلام ، والذي تَعَرَّب بوجوده في أرض العرب ، وأصبح جدا للعرب المستعربين .
من كل ذلك وغيره نعلم : أن حقنا في القدس وفلسطين حق تاريخيٌ ودينيٌ قديم ، وأن القدس والأقصى أمانةٌ تسلَّمها وحافظ عليها الأنبياء السابقون ، وسلَّموها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، عندما صلَّى بهم إماما ليلة الإسراء والمعراج ، وكأنهم باقتدائهم وائتمامهم به سلموه الراية، وأَعْطَوْه اللواء وتسلمتها أمته -- صلى الله عليه وسلم -- من بعده ، وفتحها أصحابه الكرام ، ولذا ينبغي الحرص عليها وعدم التفريط فيها بحال من الأحوال. 
وإن كانت الأمة اليوم في حالة ضعف واستكانة، وابتُلِيت بأعداءٍ في الداخل والخارج ، وتسلَّط على كثير من بُلدانها حكامٌ ظلمةٌ عملاء ، أفسدوا فيها ونهبوا ثرواتها، وخرَّبوا عمرانها وفرطوا في بعض حدودها، وقهروا شعوبهم، وساموهم سوء العذاب ، فإن الأمر لن يظل دائما هكذا، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، وفرج الله قريب. 
وبإذن الله عزوجل  وقدرته ستنهض الأمة من كبوتها، وتفيق من غفوتها، وتعود إلى رشدها وعزها ومجدها ، والتاريخ خير شاهد على ذلك فهو يحدثنا : أن أمتنا الإسلامية واجهت تحديات كبيرة وعديدة، ومرَّت بمُنعطفات خطيرة حتى ظن أعداؤها وسفهاء الأحلام والعقول من أبنائها : أنها لن تقوم لها قائمة بعد ذلك. لكن الله عز وجل هيء لها أمر رشدٍ وخير ، وقيَّض لها من القادة الأفذاذ المخلصين ، والعلماء الحكماء والدعاة المجاهدين الأبرار ، الذين مكن الله لهم ومكنهم ، فعملوا على توحيد الأمة وجمع كلمتها، وتربيتها وتوجيهها إلى طريق العز والمجد والخير والرشاد ، والعمل الصالح الرشيد القائم على الإيمان الصحيح ؛ لذا وجب علينا أن نحذو حذوهم ، ونعمل على كافة المستويات الفردية والجماعية والمؤسسية، مع التخلي عن اليأس والإحباط ونصر الله قريب من عباده المؤمنين. 
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . 
نسأل الله عز وجل أن يطهر قدسنا الأسير وسائر فلسطين ، ويحرر بلادنا من الطواغيت الجبارين، إنه على كل شيء قدير. 
الراجي عفو ربه 
فايز النوبي


: الأوسمة



التالي
فتوى التعامل بالعملات الرقمية "غير جائز
السابق
شموخ في زمن الإنكسار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع