البحث

التفاصيل

سلسلة فقه دستور العالم المحفوظ

الرابط المختصر :

القضية الثانية:

ملف اليتيم

«فذلك الذي يدع اليتيم».

هكذا بهذه اللفظة الجامعة المانعة «يدع».

بهذه اللفظة المليئة بمعاني الفضاضة والغلظة والقسوة والإهانة.

إنها تتكون في أصلها من حرفين رسما «دَعَّ» بتشديد العين وهي ثلاثة أحرف ادغم العين في العين وشددتا. لتعطي قوة في اللفظ وتسكب قوة معنوية وبعدا عميقا في فقه التعامل مع اليتيم.

ولم تستخدم في غير هذا الموضع الا في دع المجرمين الى جهنم

في قوله تعالى (يوم يدعون الى نار جهنم دعا )

لقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن معناها «يدفع اليتيم عن حقه»

وفي نظري أن هذا نوع فرد مما تعطيه كلمة «يَدُعُّ».

إذْ، إن لها ثلاثة أبعاد:

‌أ) بعد أخلاقي.

‌ب) بعد نفسي.

‌ج) بعد حقوقي.

وادعم ذلك بدلالة لسانية مستقرأة في دوواين اللغة

 

أما البعد الأخلاقي فإن «الذي يدع اليتيم». لا شك أنه يمتهنه ويذله.

فيكون الدع نوع من الإهانة لليتيم

ومناف للتكريم الذي كرم الله به الانسان

عموما فضلا عن اليتيم

 

لهذا جاءت النصوص مصرحة بهذه القضية بالذات وفي خصوص اليتيم في قوله تعالى «كلا بل لا تكرمون اليتيم».

اذا واجب إكرام اليتيم

بكل ما تحمل الكلمة من معنى

متسع يشمل سائر حياته ليعيش كإنسان مكرم ...

وهذا التكريم

ليسمى تكريما لابد أن يوفر لليتيم ضروريات الحياة وحاجياتها ومن تحسيناتها ما يحفظ به كرامته ...

ومن هنا نقول إن مجرد اسعافه بخط الضرورة من العيش وهو الطعام ليس اكراما

فلا بد من تعليمه بما يناسب متطلبات العصر

ولابد من اضفاء تحسينات حياتية على مظهره ومأكله وملبسه

لان مجرد اعطائه لبسا اي لبس وطعاما اي طعام ومسكنا اي مسكن ليس تكريما

بل هذا يورث في نفسه نظرة سلبية عن وضعه ونفسه

وهذا الشعور خطير ان سمح له بالنمو في نفسيته

فهو يؤثر في تشكليل شخصيته ويورث تأثيرات غير حسنة ...

 

أما البعد النفسي فإن «الدعَّ» يورث القهر والغبن والعقد النفسية. وهو ما أوحى به النص الآخر، فجرمه وحرمه «فأما اليتيم فلا تقهر».

نعم لا تقهره بأدنى تصرف ..

فضلا عن ظلمه وأخذ حقه وتحقيره والاغلاظ عليه

وهذه المعاني الاربع هي التي دندن حولها من فسر هذه اللفظة ..

 

أما البعد الحقوقي فما أبعد من يدع اليتيم عن إعطاء حقوقه وإصلاح ماله وحياته.

وهو البعد المنصوص في قوله تعالى «قل إصلاح لهم خير».

وهذه اللفظة فيها فقه كثير وتدخل في كل مسائل اليتيم

وهذه الأبعاد الثلاثة واجبة في فقه التعامل مع اليتيم.

وهي أصول فقه اليتيم وقد ذكرنا جوامع فقهها في مقام آخر «المقدمة في فقه العصر» في باب فقه اليتيم

وفي النص «يَدُعُّ اليتيم» فقه كثير مستنبط مما يعطيه من خلال المنطوق والمفهوم.

 

لذلك على بيوت اليتيم وعلى المجتمع وعلى القائمين عليهم

مراعاة هذه الابعاد الثلاثة

وتطبيقها فعليا

في التعامل مع هذه الشريحة

 

و القيام بكافة الإجراءات الإصلاحية الشاملة لأمواله وحياته.

وهو المستفاد من قوله تعالى «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير».

انه اصلاح شامل في كل مناحي الحياة النفسية والدينية والمالية والفكرية والتعليمية والمجتمعية

إن لفظة (يدع اليتيم )و(فأما اليتيم فلا تقهر )و

(بل لا تكرمون اليتيم )

و (قل اصلاح لهم خير )

 

ثمثل أصول فقه باب اليتم

وكل هذه النصوص تعطي ان الشرع قصد غاية العناية والحفظ والاصلاح لهذه الشريحة لايجاد عنصر انساني ناجح في الحياة قادر على ادارة ذاته وحياته

بعيدا عن المعنى الضيق الذي يفهمه البعض في الكفالة

لذا نص صراحة على ابعد من هذا

وهو تدريبهم على إدارة المال والثروة حتى لا يتخرج من مدرسة الحياة فاشلا متكئا على الكفيل المحسن ..

لقال تعالى «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم».

 

إن كفالة اليتيم

لها معنى غير ما يمارس اليوم فعليا

حيث ترى من يكفل يتيما بما يسمى كفالة شهرية

بمبلغ من المال يرمي به اخر كل شهر الى دار اليتيم وبيوته

غافلا عن مقاصد الكفالة

الكلية ... من عناية نفسية واصلاح حياتي وتكريم لائق

 

وكل هذا يدل على عظمة المشروع الاجتماعي الذي نص عليه هذا الدستور المحفوظ والذي اهتم من أول خطوة في الدعوة المكية بمسالة الحقوق الانسانية بهذا المفهوم الواسع

البعيد عن توظيف قضية الحقوق سياسيا او استثمارها لابتزاز دول

والضغط على اخرى

لقد استعملت كعصا يلوح بها متى اريد ذلك

واستغل كملف حقوقي غارق في البرغمانية الى الثمامة ..

إنا نقول للعالم إن قضية الحقوق عندنا دين مفروض فلا تزايدوا علينا

 

ولأهمية هذا الملف لم يؤخر تشريعه الى المدينة بل ذكر في السور المكية الاولى نزولا

وهي مرحلة كان التركيز فيها على التوحيد اساسا ..

وعلى حقوق المستضعفين

ومن وضوح هذا التلازم

بين مشروع التوحيد ومشروع الحقوق

ترسخ في ذهن ابي سفيان قبل اسلامه

فلما سأله هرقل الى ما يدعو

ذكر جانب التوحيد لله وقضية الحقوق والمستضعفين ...

 

إن هذا الدستور العظيم

اعطى الحقوق حقها

وحفظ للضعفاء حقهم

تبلور وتشكل ذلك في تشريعات مفروضة ومطلوبة في نصوص الكتاب والسنة.

منها أمر، ومنها نهي، ومنها ترغيب وترهيب، وتعليل، وتأصيل، وتقعيد لقواعد وأصول ومقاصد لرعاية الإنسان وحقوقه وخاصة اليتامى وأضرابهم. لدمجهم في النسيج الاجتماعي «وإن تخالطوهم فإخوانكم»

وبناء شخصية سوية بعيدة عن القهر والعنف والدَّع، والإهانات محفوفة بالإكرام محفوظة ضمن العائلة والأسرة لا قصي ولا مدفوع بالأبواب ولا مرمي على قارعة الأخلاق.


: الأوسمة



التالي
الشيخان السنوسيان في ملتقى تلمسان
السابق
العلم يثمر اليقين والمحبة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع