البحث

التفاصيل

كلمة الوفد الكوردي في مؤتمر (القدس هوية الأمة) في ماليزيا (26- 29/ 12/ 2018)

د.عمر عبد العزيز، عضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
  السيد رئيس المؤتمر، السيدات والسادة أعضاء المؤتمر!
  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  في البداية أبلّغكم سلام وتحيات إخوانكم الكورد، أحفاد صلاح الدين الأيوبي، محرّر الأقصى وناصر الإسلام والمسلمين، الذين ما زالت قلوبهم تهفو نحو فلسطين، وقضيتها العادلة.
  أيها السادة الحضور!
  في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها أمتنا، وتجاذبات في الرؤى العربية والإسلامية حول ما يجري في الساحة الفلسطينية، نجتمع اليوم لكي نتداول قضية من أهم قضايا الأمة، التي تحاول القوى الاستعمارية وأذيالها، لوضعها طيّ النسيان، قضيةَ فلسطين وبالأخص القدس، مدينة الأنبياء ومسرى خاتمهم عليه وعليهم صلوات الله، البلد الذي ولد فيه كثير من الأنبياء، وسكن ومات فيه آخرون منهم، والذي يقع في الأرض المباركة للعالمين، والمقدّسة لدى جميع الأديان والمرسلين.
  أيها السادة،
  لا شك أن القدس في نظرنا يشكل هوية أمة، وهو ملك للجميع، عائد للعرب والمسلمين تاريخيا، ومقدّس ومبارك قرآنيا، ووقف لأمتنا شرعيا، ومحتلّوه محكومون قانونيا، وساكنوه مظلومون إنسانيا. وهو القبلة الأولى للمسلمين، وأقصر درب بين الأرض والعليّين، وأول جامع اجتمعت فيه أرواح الأنبياء ليؤمّهم خاتمهم عليه وعليهم صلوات الله وبركاته أجمعين. وهو أرض الرباط للمجاهدين، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لذا فالسعي للحفاظ عليه تكليف شرعي، والتنازل عن شبر من ترابه محرّم، وتهميشه بأية ذريعة خيانة، وتوحيد المواقف تجاهه أمر واجب ومحتوم.
  إننا منذ عقود مضت، نكرّر ــ دون هوادة في المؤتمرات والمناسبات ــ أن الأقصى مُهددّ بالضياع، وأبناء القدس وفلسطين يُشرّدون ويُقتَلون ويُعتقلون، وهناك محاولات وخطوات عدائية مستمرة، منها: السعي المستمر لتهويد الأقصى، ومصادرة أراضي أطرافه، واستمرار عملية الحفريات، والاقتحامات، وتطوير المستوطنات، وهدم المنازل، والتمهيد الديني لبناء المعبد، وتشريد المقدسيين.. كل هذا لا جديد فيه، كما لا جديد في تصريحات الشجب والاستنكار والإدانة، التي لم ولن تسمن، ولم ولن تغن من جوع. أضف إلى ذلك مسلسل الخذلان والتهاون والخيانات والعمالات من بعض الدول والأطراف مع الأسف الشديد.
  إذن، الذي يجب أن نتكلم عنه هو ما ينبغي أن نفكر فيه، وما يلزم أن نقوم به من وضع الخُطط واتخاذ الخطوات. ففلسطين بصورة عامة بحاجة إلى موقف وطني وعربي وإسلامي، تجتمع في البداية حوله قوى المقاومة والأطراف الفلسطينية، لكي يتوجهوا بخطاب موحّد نحو العرب والمسلمين، ثم الأحرار في العالم.. نحن اليوم بحاجة إلى رؤية موحّدة مشتركة، تحرّم النزاع الداخلي بين الفصائل، وتحرّم التنازل عن أبسط الحقوق، وعن شبر من أراضي فلسطين، وتُدين أي موقف يؤدّي إلى إضعاف المقاومة، أو تكريس الأمر الواقع الذي يفرضه الاحتلال. وهذا يقتضي أن تقف السلطة الفلسطينية ضد أي نهج يُفرض عليه، وأن تطلق يد المقاومة في الضفة الغربية، للتضامن الجديّ مع القدس والأقصى المبارك.
  ونحن بينما نُدين بشدة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً للكيان، ونقلَ سفارة بلاده من مدينة تل أبيب إلى المدينة المقدسة، نشدّ على أيادي المرابطين والصابرين والصامدين من أبناء فلسطين، الذين يقفون بالمرصاد، دون أن ينتظروا السلطة، ودون أن يبالوا بالقيادات العربية والإسلامية لمواجهة الاحتلال. إن هذا القرار الجائر يعنى الإبقاء على الوضع الراهن القائم على الاحتلال، والإقرار بضم الأراضي بالقوة، كما يعزز السيادة الإسرائيلية الباطلة على القدس الشرقية والغربية، ويشرّع من الناحية القانونية ما أقامه الكيان الغاصب من استعمار استيطاني في القدس. هذا القرار مناقض لمبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة، وخرق فاحش لميثاق الأمم المتحدة، الذى يحرّم احتلال أي أرض بالقوة، بل ويحرّم مجرد التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية، ومخالف لقرارات محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومبادئ القوانين الدولية والقوانين الإنسانية العامة، بل يعتبر مخالفا حتى لقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام (1947م)، القاضي بقيام دولتين (يهودية) وأخرى (فلسطينية)، ومنحِ القدس وضعًا قانونيًا خاصًا تحت رعاية الأمم المتحدة، بل ومخالف لاتفاقية أوسلو التي راعتها أمريكا نفسها وجميع المعاهدات العربية الإسرائيلية.
أيها المؤتمرون الأكارم!
  إن هذا القرار بحاجة إلى قرارات وخطوات وجهود دبلوماسية كبيرة، رسمية وجماهيرية، بدأً بالإعلان عن تجميد العلاقات مع الإدارة الأمريكية إسلامياً وفلسطينياً، لاسيما من قبل السلطة الفلسطينية، والإعلان عن انتهاء العمل باتفاقية أوسلو للسلام، ووقف تعامل الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل والولايات المتحدة، وطرح القضية على صعيد المنظمات الحقوقية في العالم، للضغط على الإدارة الأمريكية، لسحب هذا القرار، وإثارة الرأي العام ضده، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى اتخاذ قرار بعدم الاعتراف بالقرار الأمريكي بكون القدس عاصمة للكیان، ومنع الدول من نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس. إضافة إلى دعوة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز، إلى اتخاذ آليات قانونية وقرارات لإبطال القرار الأمريكي، ودعوة البرلمانات العالمية للضغط على الولايات المتحدة لكى تلتزم بتعهداتها السابقة المتعلقة بمدينة القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية.
  أما جماهيريا، فلا بدّ من الخروج بمظاهرات شعبية حاشدة، للتنديد بالقرار الأمريكي، وإطلاق حملة جمع ملايين التواقيع من قبل المسلمين وأحرار العالم، للتنديد بالقرار، وغير ذلك مما يمكن فعله.
  وختاما نتمنى لمؤتمرنا النجاح، راجين من الله المولى القدير أن نخرج بتوصيات تكون في مستوى المسؤولية، والله المستعان.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 


: الأوسمة



التالي
الإرادة في القرآن الكريم الحلقة (5\5)
السابق
بيان هيئة علماء فلسطين في الخارج حول الإبادة الجماعيّة التي تتعرّض لها غوطة دمشق الشرقيّة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع