البحث

التفاصيل

أسعد ميتك

سنتحدث في هذه الحلقة عن موضوع مهم مهمل وهو " أسعد ميتك"

ميتك في قبره سواء كان قريبا لك كأن يكون أبا أو أما أو أخا..أو صديقا حميما بإمكانك أن تسعده..

 

هل تعلم أن أعظم دعاء تحصل من خلاله على مليارات الحسنات قولك" اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات...فإنك تحصل مقابل كل واحد من المسلمين حسنة حيا كان أو ميتا..وهذا من أعظم  الأذكار الجالبة للحسنات إن لم يكن هو أعظمها..وقد صح الحديث بذلك..

بإمكانك أن تسعده بدعائك فإنه أحوج ما يكون إليك الآن..أو بصدقة جارية تتصدق بها عنه فيفرح ويعلم بذلك...

وما أجمل أن تسعده دوما بزيارتك...

ولو قدر الله لك أن تلتقي به فحدثه واطلب منه أن يحدثك...

وهنا ترد مسألة...

 

هل يمكن أن تلتقي أرواح الأحياء بأرواح الأموات..

 

والجواب على هذا نقول نعم وبالتأكيد وشواهد هذه المسألة وأدلتها أكثر من أن تحصى فعندالطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام،فيتساءلون بينهم،فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها"وآثار كثيرة تماثلها فليرجع إليها في كتب المفسرين عند تفسير قوله تعالى" والتي لم تمت في منامها" . وثبت أن العباس رأى عمر رضي الله عنهما في المنام بعد موته فأخبره بخبر مخوف لنا جدا ومفرح لعمر...فليرجع إليه في" الروح" لابن القيم وفي"الروح" قصص كثيرة لرؤية سفيان الثوري ورابعة وضيغم ورجاء بن حيوه ومسلم بن يسار وبشر بن منصور وعطاء السلمي بعد موتهم وغيرهم كثير.

أثناء دراستي الجامعية سألني أحد زملائي القطريين رأيت خالي في المنام..فقلت له مافعل الله بك؟ قال: يا بني قدمنا السوق ثم خسرنا!! ثم قام خالي يبكي بكاء شديدا وهرب من أمامي...ثم قال مردفا ما تفسير رؤياي..؟ قلت له: هل كان خالك يصلي؟؟ فتردد في الإجابة، ثم قال: أحيانا، فقلت له: السوق الذي يقصده الدنيا فأكثروا من الاستغفار له والتصدق عنه...

والحي قد يرى الميت فيوصيه بوصية أو يخبره بخبر أو يأمره بقضاء دينه  وقد ثبت أن  الصحابي ثابت بن قيس بن شماس رُأي بعد استشهاده فقال لمن رآه قل لأبي بكر يقضي عني ديني  وفلان رقيقي عتيق و...و...وأخبرالرائي  بدرعه التي في مكان لا يعلمه أحد تحت برمة وقد أخذها أحد الجنود، وقال لمن رآه: انتبه أن تقول هذا حلم فتضيعه..فنفذ أبو بكر وصيته وهي الوصية الوحيدة في تاريخ الاسلام حسب اطلاعي القاصر أنها نُفذت لرجل بعد موته...

وقد اتفق خالد وهو أمير الجيش حينها وأبوبكر والصحابة جميعا على العمل برؤياه..وإنفاذ وصيته وأخذ الدرع وهذا من فقههم وكمال فهمهم...ولم نسمع معترضا البتة..فهذا ينزل منزلة الإجماع. ومن اللطائف ..ذكرت أني قرأت قديما أن رجلا افتقر وبلغ به الجهد مبلغه فرأى في المنام والده يقول له: يابني انقض سقف البيت وفي الزواية الفلانية في المكان الفلاني مالا خذه وتكسب به، فقام الولد من منامه ففعل ما أمره به أبوه فوجد المال واغتبط بذلك اغتباطا شديدا...وهي قصة ثابتة وفي جعبتي أربع تماثلها فلا داعي إذن لذكرها...

 ومسألة هل يسمع الميت كلام الحي يقول ابن القيم: وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل،ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به" اه .

وقد بوب ابن أبي الدنيا في كتابه" القبور" باب معرفة الموتى بزيارة الأحياء.

وهناك حديثان أوردهما على عجالة ذكرهما بالسند ابن القيم في كتابه الروح ، عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس إلا استأنس به ورد عليه ، حتى يقوم" والحديث الثاني  عن أبي هريرة ومعناه قريب من هذا إلا أن فيه زيادة رده السلام على من يعرف ومن لا يعرف وقد سقته بالمعنى لعدم توافر المرجع لدي" وورد عن سفيان الثوري أنه قال بلغني عن الضحاك أنه قال: من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، قيل له وكيف ذلك؟ قال: لمكانة يوم الجمعة."

من دفتر ذكرياتي أنه حصل بيني نقاش أنا وزوجتي قبل عدة أشهر عن سماع الميت للحي ومعرفة الميت معرفة قطعية لزيارة الحي له وأجلبت على المسألة بخيلي ورجلي لإثباتها وكان نقاشا مثمرا فلم تكن معارضة إنما مستفسرة مستغربة..وقبل شهر تقريبا فكرنا أن نزور والدها المتوفي ولأول مرة نزوره سويا ثم دعونا له وعدنا...بعدها بليالي رأته في المنام يطرق بابنا ففتحت له واستبشرت به فقال: إنما جئت لأزوركم بما أنكم زرتموني وأخذ ابنتي الصغيرة وجعل يقبلها ويحتضنها ويدعو لها...هذه الرؤيا كانت أكثر من مائة دليل مقنع...

فالميت يعلم قطعا بزيارة الحي ويسمع كلامه وقد ربما يعارضني البعض لكن قطعت عليه الطريق بنقل ابن القيم للإجماع المتواتر على ذلك رغم طول النقاش من بعض المنكرين ممن حاورني من طلبة العلم مستدلا بأدلة واهية لا تثبت..  كيف لا وقد وردت أيضا النصوص المتواترة على سماعه خفق نعال المشيعين ، ومخاطبته صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر وهما خبران بلغا حد التواتر.... "وقول الجنازة إن كانت صالحة قدموني قدموني وإن كانت غير صالحة يا ويلها أين تذهبون بها"...وهذا الحديث حفظنيه والدي بسنده وعمري في العاشرة تقريبا...وقد رواه البخاري والبيهقي والنسائي وأحمد، إذن الروح حينها تحوم حول الجنازة..قريبة من المشيعين كالطائر يرقب صيده...وقد سمعت وقرأت أخبارا لا أجزم بصحتها أن الميت يعرف حتى من غسله والماء  الذي غسل به باردا كان أم حارا  فيتأذى كما يتأذى أحدنا...وهي مسألة خاضعة للبحث والتحقيق...بل أزيدك من الشعر بيتا

.. أن الميت يشاهد حالة زائره التي هو عليها فإن سلم على الموتى وجلس قريبا منهم يصلي رأوا صلاته وغبطوه على ذلك وقد صحت بذلك النقول،،، إن لم تستطع زيارة ميتك وإسعاده.. فبإمكانك أن تفرحه بحسن عملك وسأورد هنا مسألة مثيرة وهي أن ميتك يعرف حتى عملك الذي تقوم به فقد ثبت أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات فإن كانت صالحة فرحوا وإن كانت سيئة حزنوا... وقد اطلعت على عشرات الشواهد في كتب السلف بلغت حد الاستفاضة...وقد ذكر ابن أبي الدنيا بسنده أن رجلا من الصالحين زل فرأى أباه في المنام  فقال له: أي بني ما كان أشد فرحي بك وأعمالك تعرض علينا فنشبهها بأعمال الصالحين، لما كان هذه المرة استحييت لذلك حياء شديدا فلا تخزني فيمن حولي من الأموات..وهناك آثار كثيرة عن الصحابة منها أن أحد أقرباء ابن رواحة كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبدالله بن رواحة، وكان قد استشهد ابن رواحة"

قلت: هذا خبر غيبي ولا يمكن القطع فيه إلا بوحي ومن المعروف أن هناك بعض أقسام الحديث  في المصطلح يطلق عليها المرفوع  والموقوف...وغيرها..والموقوف أقرب إلى هذا..خاصة إن ثبتت صحبته...

 

وخلاصة القول أنه بإمكانك أن تسعد ميتك..بأربع:

1-بدعائك له واستغفارك وكلها أعمال قولية.. وخذها قاعدة أن أفضل وأكمل الدعاء للميت ما كان على قبره كما نص على ذلك المحققون من أهل العلم.

2-أو بزيارتك له والتسليم عليه...وهو عمل بدني.. فإن زرته قطعا سيشعر بك ويعرف متى زرته ويسمع حسك وسلامك ويستأنس بك وهنا قف أقول لك: بالله عليك هل هناك أعظم من وحشة الأجداث؟ فهو بحاجة إلى من يستأنس به ولو للحظات..." فآنس ميتك".

وكلما اجتهدت أن تؤنس غيرك سخر الله لك من يؤنسك في أحلك حالات وحشتك...

3-بإحسان عملك حتى يستبشر به ويفرح خاصة إن كان الميت أحد والديك فإن ذلك العمل سيكون في ميزان حسناته وهذا تخريج مني لحديث" أو ولد صالح يدعو له" فالولد يدعو ودعاؤه يصل..ثم إن الولد من أصله كل عمل يعمله ولو لم يدعُ لوالديه يصل والديه مثله لأنهما تسببا في وجوده بعد الله هذا أولا...وثانيا لأنهما ربياه فأحسنا تربيته فنشأ صالحا...ولماذا قيد الحديث  " بالصالح" نقول لأمرين الأول لأن غير  الصالح لا يدعو...فهو غافل في غيّه وفساده وجرمه ولهوه ولعبه .ثانيا أن غير الصالح حتى ولو دعا لا يستجاب له لأنه في الغالب" ومأكله حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له..وقد سمعت من بعض العلماء من يقول والله مرت علي ست وأربعون سنة ولم أنسَ والديّ من الدعاء يوما واحد طيلة هذه الفترة..

والعجب أن هناك من يعلم أولاده الدعاء لجدهم بعد كل فريضة رغم أنه لا زال حيا حتى إذا مات الأب تذكروه بدعوة..وهذا من ذكائه وفطنته...

3- بقراءتك للقرآن وإهداء ذلك لروحه أو الحج عنه والعمرة وأعمال الخير ....وبالنسبة لقراءة القرآن الجمهور على وصولها للميت وإن كان منع ذلك ابن باز وبعض العلماء المتأخرين  وهم جهابذة في العلم لكن لا مانع من انتقادهم مادامت المسألة واضحة للعيان  إذ أنه لا يفرق بين المتماثلات فما الخاصية التي منعت وصول ثواب القراءة واقتضت وصول ثواب العتق  وإطعام الطعام و الصيام والحج والعمرة والصدقة والدعاء،  وقد رجح ابن القيم وصول ثواب القراءة  للميت وأجدني أميل وبشدة لقول ابن القيم...فما أجمل أن تسعد ميتك بقراءة الإخلاص أو الفاتحة ثلاثا كل يوم لروحه...فهذا متجر من الحسنات لا يكلفك شيئا من الوقت ...وقليل من يتنبه له" فتأمل هذا".

ختاما...هل فكرت أن تسعد ميتك...نصيحتي العاجلة لك قم حالا بإسعاده...لا تبخل عليه ولو بقراءة الإخلاص أو الاستغفار له...أو ترتيب زيارة لقبره في أقرب وقت ، فيسعد بجلوسك بجانبه كما كان أيام الحياة...هل نسيت الأبوة ...الأمومة...الصداقة الغالية...الحب العذب....آه...ثم آه...ما أقسى قلبك...

 

لو زرته لسعد....دعه يتذكر معك أحلى الذكريات...إبعث السعادة في قلبه... إجعله يطمئن بابتهالاتك، واستغفارك....علمّ أولادك كيف يسعدون موتاهم...وهم أحياء....ليسعدوك حال موتك عندما تودع الأحياء...أسعد ميتك لتسعد...

 

# أسعد ميتك#

#عامر الخميسي#


: الأوسمة



التالي
ترجمة لمقابلة محامي الدكتور طارق رمضان
السابق
تفكيك منظومات الاستبداد (15) - الاستبداد وعلم العقيدة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع