البحث

التفاصيل

ابن باديس.. الملهِم

تبارك الذي خلق في الجزائر عبد الحميد بن باديس ومثله معه، فأيقظوا أمة من سباتها، وأحيوها قبل مماتها، ونشروا الملة بكل حسناتها وغاياتها.

لقد أنعم الله على الجزائر، إذ بعث فيها العلماء الربانيين، المصلحين، الذين فقهوا واقعها، فشخصوا داءها، ووضعوا لها دواءها.

وتلك هي جمعية العلماء، خير جمعية أخرجت للناس، وذلك هو رائدها، عبد الحميد بن باديس واضع الأساس، والداعي إلى الله بالقسطاس.

كانت الجمعية، بقيادة ابن باديس، هي الأمة، وكان زعيمها هو الجزائر، مجسدة في تطلعاتها نحو الحرية، واستماتتها في سبيل العربية، وتضحياتها من أجل إحياء العقيدة الإسلامية.

تجسدت الجزائر –إذن- في جمعية العلماء، بكل أبعادها، وأطيافها، وأصنافها، فكان التنوع داخل الوحدة، التي أنقذت الأمة بمقوماتها، بعد سقوط الدولة برموزها وشعاراتها.

ولقد أنصف التاريخ ابن باديس وجمعية العلماء، فلم ينقطع أداؤها، بل تضاعف عطاؤها، وها هو اليوم يتحقق أملها ورجاؤها.

كفى ابن باديس فخرا، أن أصّل التاريخُ مفهوم منهجه السلفي الأصيل، وعمّق مبادئ انتمائه الوطني الأثيل، وها هو اليوم، يغدو رمزا للإلهام، بالقضاء على أنواع شتى من الزيف والأوهام.

وكفاه فخرا، أن ارتبط اسمه بالعلم في جزائر العلماء، وها هي الجزائر تعلن الوفاء لفكره، وتشدو اعتزازا بذكره، وتتيه بين الناس، شامخة بعطره، لاهجة بشكره.

فالآن حصحص الحق وبان الصبح لكل ذي عينين، وترمم الصدع، وتحصن الشق، بالمزج بين العقيدة والوطنية، في بوتقة الحسنيين. فإذا كان ابن باديس هو الجزائر، التي عاش من أجلها، وضحى في سبيلها، ومات يلهج بذكرها، أفلا يحق للجزائر، أن تكون هي ابن باديس، تتغذى من شهده، وتلتزم بعهده، من بعده؟

والحمد لله، ها هو شعب الجزائر المسلم، يزداد كل سنة عطاء من أجل الإسلام الصافي النقي، ويتضاعف وفاؤه، للمنهج الإصلاحي التقي، فيتنافس في تعزيز صفوف الجمعية، ويتنازل عن العمارات والسكنات، والمساحات، لزرع سنابل الخير، بالمدارس المغارس، التي تكوّن لنا المواطنين الأشاوس في الدين والوطنية.

إن جمعية العلماء، التي أسست على التقوى من أول يوم، ويشهد لها بذلك علّية القوم، تواصل باسم الوفاء للنبع، التشبث بالحق بكل شجاعة وصدع..

ففي كل سنة يزداد التحام، شعبنا، بجمعية العلماء، بعد أن خبَر، التيارات الوافدة الجوفاء، فما زاده ذلك، إلا قوة انتماء، وعمق وفاء.

أيقن الشعب الجزائري المسلم، أنّ للجزائر علماء عظماء، أثبتوا بالقول والفعل، صدق الوطنية وعمق العقيدة، فاتخذوهم ملهمين، وجعلوهم قدوة مرشدين، ونبذوا وراء ظهورهم المزيفين، والمرجفين، والمتسلقين؛ والمتزلفين.

وتميزت احتفالات هذه السنة بالذات -إضافة إلى العمق الجماهيري للتظاهرة- تميزت، بخطاب رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي دق به ناقوس الخطر أمام الأمة، فأشاد بخصال الإمام ابن باديس، الذي “أوتي مواهب جمة، وشخصية فذة، وفصاحة بالغة، ومبادرة إلى العمل، ينافح عن الوطن، بنشر العلم والوعي، وينقي الدين مما شابه من معتقدات باطلة…وبإصلاح ذات البين، وأداً للفتن، ومواجهة لبغي الاستعمار، بتنوير عقول الشباب واستنهاض لهمتهم، وتوجيههم الوجهة الصحيحة التي تستقيم بها حياتهم، ويرقى بلدهم”.

إنّ هذا الوسام التاريخي الذي علقه رئيس الجمهورية على جبين ابن باديس، ومن خلاله جمعية العلماء، إنما يمثل، تصحيحا للمسار التاريخي، ومحوا، لبعض الأراجيف، فأعاد هذا الوسام، وضع جمعية العلماء في إطارها المستحق، حيث عزز فخامة الرئيس حكمه بشهادة من الواقع التاريخي الصحيح، حين قال: “نعم كان للشيخ عبد الحميد بن باديس ورفاقه دور حيوي في الحفاظ على مكونات شخصيتنا الوطنية…فليس من الغريب أن نجد عددا كبيرا من زعماء ثورة نوفمبر المجيدة، ومن مجاهديها الأشاوس خرجي المدارس التي ظهرت، بحكم عمل ونضال الشيخ عبد الحميد بن باديس ورفقائه الكرام”.

إننا نسجل بكل اعتزاز، شهادة رئيس الجمهورية وإشادته بدور الشيخ عبد الحميد بن باديس، وصحبه، والتزام الدولة بالعودة إلى التكفل بالميراث الحضاري والثقافي للشيخ عبد الحميد بن باديس، ونلتمس من دولتنا، تجسيد ما تفضل به رئيس جمهوريتنا إلى تجسيد عملي، يتمثل في تمكين جمعية ابن باديس، من أداء دورها الحضاري، وجهودها في مواجهة الأفكار الدخيلة، الغريبة على واقعنا وذلك بتمكين الجمعية ببعض الضروريات كمدّها بمقر لائق بدورها المجيد، وتاريخها التليد، إلى جانب تخصيص ميزانية لائقة بها، أسوة بباقي الهيئات والمنظمات، والزوايا، وكذلك إشراك جمعية العلماء، في القضايا المصيرية، ذات البعد التربوي والروحي، حتى تبقى ملهمة، للأجيال كما شهد بذلك لابن باديس رئيس الجمهورية.

إن شعبنا الجزائري الأصيل، الذي آمن بابن باديس كرمز لمرجعيته الوطنية والروحية الأصيلة، لن تنطلي عليه، المذاهب البراقة التي تتنكر لمرجعيتنا، وانتمائنا، والاقتداء بعلمائنا المتأصلين داخل عمقنا الثقافي، والمذهبي والوطني.

لقد شهد لعلمائنا الماهدين، كل المنصفين في العالم، شهدوا لهم بالتضلع العلمي، والتعمق الديني، والتشبع الوطني، والتخلق الاجتماعي، مما يؤهلهم –دون غيرهم- لأن يكونوا الملهمين الحقيقيين لأجيالنا، وأبناء وبنات شعبنا.

ذلك أنّ من جوانب العبقرية والتنوع لدى علمائنا، تمسكهم، بخصوصيات هذا الوطن، ومميزات المعتقد، مما يؤهلهم عن جدارة، واستحقاق –دون غيرهم- لقيادة الجزائر العربية المسلمة.

وكما يقول عالم الجزائر الإمام محمد البشير الإبراهيمي طيب الله ثراه:

لا نرتضي إمامنا في الصف

ما لم يكن أمامنا في الصف

إنّ المنهج الباديسي، الذي استمد مبادئه وأصوله، من أصالة الشعب الجزائري، سوف يبقى هو الملهم لنا، في كل اتجاهاتنا، وأسلوب تديننا، وطريقة مواطنتنا، وما عدى ذلك، فسيكون حاله كمن يكتب على الماء..فالبقاء للأصلح، والبقاء للمصلح،﴿… إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[سورة هود، الآية 88].


: الأوسمة



التالي
الاتحاد ينعي فضيلة العلامة الشيخ محمد سالم القاسمي رحمه الله.
السابق
فتوى القرض بضمان نهاية الخدمة للموظفين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع