البحث

التفاصيل

تاريخ ندوة العلماء، بلكنو، الهند (1)

تصدير

ندوة العلماء كوكب الهند المُشع المتلألئ في سماء الدين والعلم، ودُرَّة لكنؤ الساطعة المتألقة في أفق الثقافة والأدب، ومعقد آمال المسلمين في أنحاء المعمورة، والقنطرة التي تربط بلاد العرب بسائر العالم الإسلامي، والجسر الذي يصل الحاضر بالغابر.

وهي الرسالة التي تُؤدِّي الأمانة الإلهية إلى عصرها مراعاة لطبيعته ومناخه، وتُبلِّغ العهد الرباني إلى البشر كافة من دون تمييز عنصري أو عرقي أو جغرافي أو ثقافي، وتُعنى بدراسة الإسلام كدين سماوي شامل لجميع نواحي الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية في توازن واعتدال، وتؤمن بخلود حيوية المصدرين القرآن والسنة، وتسعى لتطهير هذا الدين من الشوائب، وتنزيهه من العادات والأعراف والتقاليد، وحماية لوائه مرفوعا شامخا.

وهي الحركة الفكرية التي تقوم على مبدأ الجمع بين العلوم الدينية والعلوم الإنسانية، وبين القديم الصالح والجديد النافع، وبين تجارب الشرق وممارسات الغرب، فلا تقر بالتقسيم بين دين ودنيا، ولا بين قديم وحديث، ولا بين شرق وغرب.

وهي الحركة الإصلاحية التي أنكرت استنفاد العلماء جهودهم في مسائل جزئية وفرعية، وتشاغلهم بالجدال الشائن البغيض، والخصام المستنكر القبيح، والشقاق المستهجن الشنيع، والتفسيق والتبديع والتكفير، وتواردهم على محاكم الكفار والمشركين لفصل مخاصماتهم، وتسوية مشاكساتهم، أذلاء صاغرين، والحركة الإصلاحية التي دعت إلى توحيد الكلمة، ولم الشعث، ورأب الصدع، والتصلب في أصول الدين وكلياته، والتوسع في فروع الدين وجزئياته، وتبادل التسامح والاحترام.

ودار العلوم التابعة لها هي الحركة التعليمية النابعة من تخطيط دقيق للمناهج والمقررات الدراسية، وتطوير لها تطويرًا لم تسبق إليه في الهند بل وفي العالم الإسلامي بأسره، نقلتها من تدريس اللغة العربية كلغة ميتة إلى تدريسها كلغة حيَّة يجري التفاهم بها بين المسلمين على تباعُد ديارهم وتَنائي أوطانهم نطقا وكتابة سليمة من التكلف وزلات اللسان، ونقية من العجمة والألحان، ومن تدريس القرآن الكريم بمنظار كتب التفسير إلى تدريسه بصفة مباشرة ككتاب يخاطب أهله في كل زمان ومكان غير عاهد لوساطة بينه وبينهم، ومن تدريس الحديث النبوي الشريف كدفاع عن المذاهب الفقهية والآراء البشرية إلى اعتباره ينبوعا أصيلا للهدى ومَعينا صافيا لأسوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن تدريس للفقه كتراث مكدَّس للمسائل والأحكام إلى تدريس له كجهد بشري قام به الأئمة والعلماء المتقون لتقديم الحلول والمعالجات لقضايا مجتمعاتهم ومشاكلها.

فلا عجب أن ينظر العالم العربي والإسلامي إلى ندوة العلماء بعين الإكبار والإجلال، ولا غرو أن يتطلَّع إلى استكشاف تاريخها ورسالتها وفكرتها وحركتها الإصلاحية والتعليمية.

وهذا الكتاب استجابة لذلك التطلع، وبيان المكانة التي تبوأها ذلك المنهل العذب الزلال في نفوس المسلمين وغيرهم من المثقفين المنصفين والباحثين المحققين، ودراسة علمية صادقة أمينة لتاريخ ندوة العلماء من شتى جوانبها: فكرتها وأهدافها، وتأسيسها واجتماعاتها، وإنشاء دار العلوم التابعة لها ومناهجها التعليمية و أقسامها، وتراجم أعلامها وأجل إنتاجاتهم العلمية والفكرية والأدبية، وتطورها عبر مراحلها المختلفة، ودورها في نهضة الهند المعاصرة، وإسهامها في بعث العالم العربي والإسلامي.

 


: الأوسمة



التالي
(15) من عبر سورة يوسف
السابق
لا ينتهك حرمة رمضان إلا فاجر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع