البحث

التفاصيل

خطبة يوم الجمعة 24 / 8 / 2018م، من معاني {الله أكبر، ولا إله إلا الله}

الرابط المختصر :

 

أيها الإخوة المؤمنون

إذا تدبرنا ما أنزل الله تعالى من التشريع والأحكام والشعائر والعقائد على نبيه صلى الله عليه وسلم لوجدناها تركز على صناعة الإنسان وتربيته للخروج به من حالة الذل والانكسار والخنوع والخضوع والركوع والسجود لغير الله تعالى إلى حالة السجود لله تعالى وحده، والخضوع لله تعالى، وحينئذ تتكامل إنسانيته وتتحقق كرامته وعزته.

وإن الشعير التي نرددها هذه الأيام" الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد" لتحقيق هذه العزة والكرامة، ولربط الإنسان وأقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته بالله تعالى، فحينما نقول:" الله أكبر" فهذا يعني أن هذا الإله العظيم الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي بيده المبتدأ والمنتهى، والذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن هو أكبر من كل شيء، أكبر من كل هذه الأصنام والطواغيت التي تعبد في الأرض من دون الله تعالى.

وليس المقصود بالعبودية هو السجود، وإنما هو الخضوع والخنوع والانكسار والاستماع إلى قو هؤلاء الطواغيت، وتنفيذ إرادتهم فيما يعارض حكم الله تعالى، ويخالف الفطرة السليمة.

يجب أن تتركز هذه المعاني في القلوب، فنؤمن حق الإيمان أن الله تعالى أكبر من كل شيء مع الأخذ بالأسباب وجميع السنن، والأخذ بها من أمر الله تعالى، وليس من أمر الله تعالى الخضوع والخنوع لغيره سبحانه، بأن نجعل شخصاً أو دولة أو نظاماً أكبر من الله تعالى فنهابه، ونخافه ونخشاه، ونهجر شرع الله تعالى إرضاءً له، فهذه هي العبودية التي نهى الله تعالى عنها، وهي ذاتها التي جاهد الأنبياء والمرسلون من أجل تحرير الإنسان منها.

بعد ان يتقرر " الله أكبر" في النفس والعقل والذهب والقلب، تأتي أهمية التوحيد" لا إله إلا الله" الكلمة التي أجمعت جميع الديانات على ترسيخها في النفوس والقلوب، والتي دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلون، وهي العقيدة الخالصة، والسبيل الوحيد للنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وإذا استقر التوحيد وجب على المرء أن يحمد الله تعالى" ولله الحمد" على هذين الشعارين؛" الله أكبر، ولا إله إلا الله" أن هاده للعزة والكرامة، وأن هداه إلى التوحيد الذي في ظلاله تتحقق له العزة والكرامة.

إن الإسلام استطاع أن يوازن بين عزة المؤن وبين كرامته، وبين اعتزازه وشموخه دون استعلاء ولا تكب ر ولا تجبر، فالمؤمن عزيز بالله تعالى لكنه غير متكبر ولا متجبر، كما أنه وازن بين تواضع المؤمن لإخوانه المؤمنين، حيث قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، وذليل بين إخوته، قال تعالى:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وبين الخنوع والانكسار والخضوع لغير الله تعالى.

فالتواضع مع الإنسان من حيث إنه إنسان بغض النظر عن العقيدة هو تواضع من أجل الله تعالى، وليس لجاه فلان، أو سلطانه أو ماله.

نحن لا نتكبر على أحد، بل لا نتكبر حتى على الحيوان، وإن سيدنا سليمان عليه السلام تبسم ضاحكاً، ودخل السرور إلى قلبه، حين سمع نملة تخاطب قرية النمل، وتأمر النمل بأن يدخلوا مساكنهم؛ خشية أن يحطمها سليمان وجنوده، وهم لا يعلمون.

إن التوازن سمة هذا الدين العظيم، ولا يتحقق هذا التوازن لأحد إلا بمجموعة من المبادئ الأساسية، ومن أهمها:

إخلاص العبودية لله تعالى، وحصرها في القول والعمل والعقيدة والشعائر والمشاعر والتصرفات جميعاً، فلا نعبد غير الله تعالى، ولا نشرك به شيئاً، وهي الغاية التي من أجلها خُلق الإنسان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

توحيد الله تعالى وإخلاص كل شيء له، قال تعالى: {حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وتحقيق شعر " لا إله إلا الله " على حقيقته.

إسناد جميع الأعمال التي تتحقق لنا من حياتنا وموتنا، ومن قضايا القضاء والقدر إلى الله تعالى، وهذا ركن أساس من أركان الإيمان، والمسلم حريص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتطبيق أمر الله تعالى، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

فكل شعائره وكل ما يمس حياته ومماته بيد الله تعالى، ولذلك يفوض كل أمره إلى الله تعالى، ويسنده إليه سبحانه، مع مباشرته الأسباب والعمل والأخذ بسنن الله تعالى، وقلبه وعقيدته وتصوراته مع الله سبحانه وتعالى، وجوارحه تعمل بأمر الله تعالى.

كل المشاكل والمصائب ربما تأتي بسبب الخوف من الموت والخوف على الرزق، ولذلك جاءت العقيدة الإسلامية القاضية بوجوب الإيمان بأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وهو واهب الأرزاق، وهو المحيي والمميت، وأن هلا يمكن أن يتأخر أو يتقدم أجل الإنسان لحظة ولا أقل منها إذا جاء، قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، والمقصود بــ" ساعة" أي لحظة.

فأجلك بيد الله تعالى، ورزقك بيد الله تعالى، والله قد منحك هذه الروح، فلماذا تخضعها لغير الله تعالى؟

ولكي يطمئن الإنسان من ناحية الرزق، وأنه بيد الله تعالى وحده، شدد الله تعالى في بيان ذلك فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}.

الرزق مقدر في السماء، وليس في الأرض، وأهل الأرض لا قدرة لهم في التحكم في السماء حتى يغيروا قدر الله تعالى، وقد أضاف القرآن الكريم كلمة" الرزق" إلى " كاف الخطاب" الدال على الخصوصية، أي رزقك الخاص بك والمحدد لك والمعرف بك مقدر بدقة متناهية في السماء، وهو بيد الله تعالى، وحتى يُطمئن الإنسان أكثر، بيّن الله تعالى أن رب السماء والأرض واحد، فلا يتصرف فيها إلا ذات واحدة، وهو الله تعالى، { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وقد سمع هذه الآية أعرابي فغضب وقال: من الذي أغضب ربي حتى يقسم هذا القسم.

فثق بما في يد الله تعالى، وتأكد كما أن لك بصمتك الصوتية الخاصة بك، كذلك لك رزق الخاص بك.

يتحقق كرامة الإنسان وعزته وعلوه وارتقاؤه عندما يكون مع الله تعالى، قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ*لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ*ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}، فكل من لا يؤمن بالله تعالى حق الإيمان هو في أسفل سافلين، وعنده انحطاط إيماني وخلقي مهما حاول أن يبرز الجانب المشرق من حياته.

واليوم انكشف لنا الكثير ممن كنا نراه في أبهى صور الديمقراطية، وانفضحت الأمور وظهرت الحقائق عقيدة وسلوكاً وحتى تعاملاً بالعنصرية، التي باتت واضحة في مواقفهم وخطاباتهم.

ولا يزول الهلع من قلب الإنسان إلا بالالتزام بشرع الله تعالى وأداء شعائر الدين، وعلى رأسها الإيمان الحق بالله تعالى، وتطبيق شعار" الله أكبر، ولا إله إلا الله " عقيدة وسلوكاً، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ} عشر صفات تزيل الهلع من قلب الإنسان، ذكرها الله تعالى تفصيلاً في سورة المعارج.

الخطبة الثانية:

ينبغي أن لا ننسى ولا نغفل عن ذكر الله تعالى، ولتكن ألسنتنا رطبة بذكر الله تعالى والتكبير، وبالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشر.

ولم يذكر الله تعالى الذكر إلا مع الكثرة، قال تعالى:{ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، فأكثروا من ذكر الله تعالى، حتى في حال انشغال ألسنتكم، تبقى قلوبكم عامرة بذكر الله تعالى.

وقد ورد عن بعض السلف أنه كان دائم الانشغال بذكر الله تعالى، وكان إذا أردا الخلاء لقضاء الحاجة، وضع على لسانه قماشاً حتى لا يتحرك لسانه بالكلام المقدس في مكان يحرم فيه ذلك.

لنطبق شعار التكبير والتوحيد في حياتنا، فأكبر مشاكل أمتنا اليوم أنها احتوتها الشياطين من كل حدب وصوب، فأشغلتها عن مقاصدها، وعن الغاية التي من أجلها أخرجها الله تعالى للعالمين، قال صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن الله تعالى:" " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فْاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ".

اللهم أصلح أحوالنا

24 / 8 / 2018م


: الأوسمة



التالي
كتاب : الحق المر فضيلة : الشيخ محمد الغزالي الحلقة [ 1 ] : مقدمة الكتاب
السابق
الحج المبرور ويوم عرفة...أسرار وفضائل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع