البحث

التفاصيل

كتاب : فقه الجهاد ... الحلقة [ 65 ] : الباب السادس : جيش الجهاد الإسلامي "واجباته وآدابه ودستوره"

الرابط المختصر :

الفصل الرابع : الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد (2 من 2)

• الحرب الأمريكية البريطانية على العراق : هل يجوز مساندة المسلمين لها؟

• الوقوف ضد غزو العراق للكويت:

منذ بضع عشرة سنة (أغسطس 1990م) غزا (صدام حسين) بجيوشه جارته: دولة الكويت، بُغية ضمِّها إلى العراق، بزعمها جزءا منه في التاريخ، كما يدَّعون.

وقامت الدنيا وقعدت، وهاج الناس في الشرق والغرب، ووُجهت نداءات، وذهبت وساطات، لإقناع صدام حسين بسحب جيوشه من الكويت، والتفاهم فيما يدعيه من دعاوي بالوسائل السِّلمية.

ولكن صدام حسين سَفِه نفسه، وركب رأسه، ولم يستجب للوساطات، ولم يستمع للنداءات، لا من جهة العرب، ولا من الجهات الدولية، ولم يكترث بالإنذارات التي وُجهت إليه من الولايات المتحدة وغيرها، بل ازداد عتوًّا، وأصبح يهدِّد المملكة العربية السعودية.

وكنتُ من أوائل الذين ندَّدوا بهذا العدوان من جامع عمر بن الخطاب في الدوحة، التي تذاع خطبته على العالم عن طريق الفضائية القطرية[1[

كما حضرتُ مؤتمرا عالميا في مكة المكرمة برابطة العالم الإسلامي، للتنديد بهذا الغزو ومقاومته، وتوجيه النداء إلى الغزاة بالانسحاب من الكويت، وكان كلُّ العلماء والدعاة الحاضرين من أنحاء العالم متَّفقين على ضرورة تحرير الكويت من الغزو العراقي المعتدي.

• الخلاف حول الاستعانة بالكفار في التحرير:

ولكن الشيء الذي حدث فيه خلاف بين بعض العلماء وبعض، هو: مدى مشروعية الاستعانة بالأجانب (الكفار) في عملية التحرير هذه.

فكان بعض العلماء يرى أن قوتنا العربية والإسلامية عاجزة عن التصدِّي لصدّام، وقوَّاته العسكرية الهائلة، التي أعدَّها ودرَّبها في سنوات حربه على إيران، وشجَّعته أمريكا نفسها - بل ساعدته بصور شتَّى - على تكوين هذه القوة، لا حبًّا في العراق، ولكن كراهية في إيران، فإذا بها تفاجأ بهذه القوة التي لم تكن تتوقَّع أن تصل إلى هذا الحدِّ.

وإذا كان العرب والمسلمون عاجزين عن مواجهة قوَّات صدام، وإجبارها على التخلِّي عن الكويت، فليس أمامنا إلا الاستعانة بقوة أكبر من صدام، وهي قوة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

والاستعانة بهذه القوة الأجنبية (الكافرة) أمر فرضته الضرورة، وللضرورة أحكامها، وما يباح للضرورة يقدَّر بقدرها.

هذا ما قرَّره مؤتمر مكة، وقد حضره عدد كبير من العلماء، وكنت ممَّن وافق عليها بشرط أن تأتي هذه القوَّات لمهمة محدَّدة هي إخراج صدام من الكويت، ثم تعود من حيث جاءت، حتى قلتُ: إنني سأكون أول مَن يقاتل هذه القوَّات إذا بقيت في المنطقة بعد التحرير يوما واحدا!

وكان هناك جماعة من العلماء في المملكة العربية وفي غيرها يعارضون فكرة الاستعانة بالقوَّات الأجنبية[2] ، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، لأن لها أهدافا في الاستيلاء على المنطقة، كشفت عنها تقارير وكتابات سابقة[3] ، ولأننا إذا استعنَّا بها ستكون لها القيادة والرئاسة، ونكون نحن مجرَّد أتباع وجنود لها، وشرط الاستعانة بالكفار: أن يكونوا مؤتمرين بأمر المسلمين.

• ذكر المضار السلبية لعدم الاستعانة:

وهذا الموقف فتح الباب لإعادة الجدل الفقهي حول جواز استعانة المسلمين في حروبهم بالكفار، وهل يجوز أو لا يجوز؟ وإذا جاز فبأي شروط وأي قيود يتمُّ ذلك؟ والخلاف في هذا الأمر معروف في كتب الفقه، وفي كتب الحديث، وخصوصا كتب أحاديث الأحكام: مثل سنن البيهقي، وسُبُل السلام، ونيل الأوطار، وغيرها.

والذي حدث: أن القوَّات الأمريكية دخلت المنطقة، وساعدتها قوَّات عربية وإسلامية - إلى جوار قوَّات أخرى غربية وشرقية - ولكن كانت القيادة والسيادة كلُّها في يد القوَّات الأمريكية، وكلُّ القوَّات الأخرى تابعة لها، تأتمر بأمرها، وتنفِّذ خططها، ولا تقدر أن تقول: لِمَ؟ ناهيك بأن تقول: لا.

ولقد استطاعت أمريكا وقوَّات التحالف أن تهزم صدام حسين، وتخرجه من الكويت مخذولا مدحورا، وأن تدمِّر الكثير من قوَّاته، وتقتل الكثير من جنوده، وتدمِّر الكثير من منشأت الشعب العراقي العسكرية والمدنية، وتمَّ هذا في وقت قريب، ومع هذا لم ترحل القوَّات الأمريكية عن المنطقة بمجرَّد انتهاء مهمتها، التي حسبنا أنها قدمت لها، كما نادينا بذلك في بياناتنا التي أصدرناها في ذلك الحين.

بل زرعت أمريكا قواعدها في المنطقة، بعد أن كانت تحرَّرت منها ومن غيرها. أصبح لها قاعدة في الكويت، وقاعدة في البحرين للأسطول السادس، وقاعدة في قطر بعد ذلك، بالإضافة إلى قواعدها العتيدة في المملكة السعودية.

ويبدو أن أمريكا قد خطَّطت لهذه المرحلة تخطيطا جيدا، ودبَّرت الأمر بليل، ونحن في غمرة ساهون: أغرت صداما بغزو الكويت عن طريق سفيرتها بالعراق، ثم قادت تحالفا دوليا لضرب العراق وتدمير قوَّاته العسكرية والاقتصادية، وأحدثت فتنة داخل الصف العربي بحيث لم يلتئم شمله إلى اليوم، وجرَّبت أسلحتها الحديثة المتطوِّرة، وتخلَّصت من أسلحتها القديمة، ودمَّرت المنطقة بإذن أهلها وطلبهم، بل وعلى حسابهم، ومن خزائنهم، وبعد تدميرها ستبنيها على نفقتهم أيضا، تقوم بذلك شركاتها وبنوكها ومؤسساتها. وترتَّب على ذلك: أن باتت بلاد الخليج التي اشتهرت بما عندها من فوائض، نتيجة البترول: مدينة بعشرات المليارات!

• خلاف جديد حول شرعية الحرب على العراق:

وبعد أن مضى الغزو العراقي للكويت، وما أعقبه من حرب التحرير، واتهام العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل، وإرسال مفتشين دوليين إليه، وتقرير عقوبات مستمرَّة على هذا الوطن العربي المسلم، مما جعل الحصار على هذا الشعب يترك فيه آثارا سيئة، على أطفاله وشبابه وشيوخه، حتى مات عشرات الألوف، بل مئات الألوف من العراقيين ولا سيما الأطفال، بسبب قِلَّة الغذاء أو قِلَّة الدواء.

وأخيرا قررت أمريكا - ومعها حليفتها بريطانيا - إعلان الحرب على العراق، برغم قيام مسيرات المحتجِّين بالملايين في أنحاء العالم، وخصوصا في أوربا (في أسبانيا وإيطاليا وبريطانبا نفسها، بل في أمريكا ذاتها)، وبرغم عدم موافقة مجلس الأمن على هذه الحرب.

• دعوى التخلص من أسلحة الدمار الشامل :

كان الهدف المعلن أولا هو: التخلُّص من أسلحة الدمار الشامل، التي يمكلها العراق، ويهدِّد بها جيرانه، (ومن جيرانه: إسرائيل)، وقد ذهب المفتشون الدوليون مرات ومرات للتفتيش على المنشآت العراقية ومقابلة علماء العراق، فلم يعثروا على أي دليل يدين العراق بامتلاك أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو نووية.

وكان هذا دليلا كافيا على براءة العراق من امتلاك هذه الأسلحة، ولكن أمريكا قالت: إن على العراق أن يثبت أنه لا يملك هذه الأسلحة! وعندنا نحن المسلمين، وفي شرائع السماء والأرض كلِّها: أن البيِّنة على المدَّعِي، ولكن أمريكا تقول: البينة على المدَّعَى عليه.

وقد كشفت الحرب العراقية الأخيرة، ودخول الأمريكان والبريطانيين في العراق، واحتلالهم لأراضيه كلِّها، وسقوط كلِّ شيء في أيديهم: أن العراق لا يملك أي شيء من أسلحة الدمار، ولو كان يملكها لقاتل بها في آخر لحظة من لحظات اليأس.

• دعوى التخلص من النظام الديكتاتوري :

ثم أضافت أمريكا وحلفاؤها: هدفا علنيا آخر، هو: التخلص من دكتاتورية صدام حسين، ونظامه القمعي، الذي سفك دم الشعب العراقي، وقهر أحراره، ونهب ثرواته، وترك الشعب في حالة من الفقر والهوان، وهو يبني لنفسه القصور، ويقيم التماثيل.

هذا مع أن أمريكا هي التي أمدَّت النظام الصدَّامي البعثي الطغياني بأسلحة الدمار الشامل - حين كانت راضية عنه - ليضرب بها إيران، ويضرب بها الأكراد في حلبشا، فلما خرج عن خطِّها، وأصبح قوة تخيف إسرائيل، انقلبت عليه، وحرَّمت عليه ما كان حلالا من قبل، {يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً} [التوبة:37[

• مساندة أمريكا للديكتاتوريات الحاكمة في العالم العربي والإسلامي :

وما الذي جعل أمريكا فجأة تحمل قلب الأم الرؤوم على الشعب العراقي، وتريد إنقاذه من حاكمه الطاغية، ومن حكم حزب البعث الظالم؟ في حين تسند أمريكا كلَّ الدكتاتوريات الحاكمة في العالم العربي والعالم الإسلامي، وهي تعلم أنها مكروهة من شعوبها، مفروضة عليها، وأن الديمقراطيات التي تقيمها: ديمقراطيات مزيَّفة، وإن كان رؤساؤها يحصلون في الاستفتاءات على 99.9% (التسعات الثلاث المعروفة)، تسند أمريكا هذه الديكتاتوريات - ملكية كانت أم جمهورية - لعلمها بأن البديل المرتقب لها هو (الإسلاميون)، وكلُّ شيء يمكن أن يُحتمَل أو يُقبَل، إلا الإسلام ودعاة الإسلام!

وقد قال أحد هؤلاء الزعماء للأمريكان صراحة: تريدوننا أن نطلق الحرية ونحقِّق الديمقراطية؟ أتعرفون ما معنى هذا؟ معناه: الإخوان المسلمون! هل تريدون الإخوان المسلمين؟!! وبالطبع هم لا يريدون الإسلام ولا الإخوان المسلمين!

• الهدف الحقيقي للحرب الأمريكية البريطانية :

الحقُّ: أن الأهداف الحقيقية للحرب الأمريكية البريطانية، تتجلَّى فيما سمَّاه بوش في أول الأمر (حربا صليبية) وقالوا: إنها زلَّة لسان، ولكن زلات اللسان - كما يقول علماء النفس - تدلُّ على ما تكنُّه الصدور، كما قال سيدنا علي رضي الله عنه: غشُّ القلوب يظهر على صفحات الوجوه، وفلتات الألسن[4] . كما قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30[

إنها حرب استعمارية جديدة تريدها أمريكا حتى تظهر تفرُّدها بالقوة، وتحكُّمها في العالم، وأن أحدا لا يستطيع أن يقف في وجهها، أو يقول لها: لِمَ؟ فضلا عن أن يقول لها: لا. إنه (التألُّه الأمريكي) في الأرض، فإذا كان الله جلَّ جلاله {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:23]، فأمريكا تريد ألا تسأل عما تفعل! تريد أمريكا بهذه الحرب التي قرَّرتها منفردة عما يُسمَّى (الشرعية الدولية): أن تفرض هيمنتها على العالم. منطق أمريكا هنا منطق (عاد الأولى)، الذين استكبروا في الأرض بغير الحق، وقالوا: من أشد منا قوة؟! وهي تريد أن تتحمَّل مسؤوليتها وحدها، ولو رفض مجلس الأمن أن يمنحها موافقته، فستمضي وحدها، ومعها حليفتها الاستعمارية العجوز بريطانيا، تريد أن تحقق عدة أهداف:

منها: نفط العراق، وما أدراك ما نفط العراق؟

ومنها: تدمير القوة العسكرية العراقية، التي كان بقاؤها يهدِّد إسرائيل وخصوصا مع احتمال سقوط نظام صدام، وخشية أن يرثه إسلاميون أو قوميون مخلصون، لا يؤمَنون على سلامة إسرائيل ومشروعها التوسُّعي المتوحِّش.

ومنها: التحكُّم في المنطقة كلِّها بعد احتلال العراق، وتسيير أمورها على ما تبغي أمريكا، والعمل على تغيير المنطقة كلِّها من داخلها: سياسيا وفكريا وتربويا، وخصوصا تغيير مناهج الدين وتعليمه فيها، ورسم خريطة المنطقة من جديد. وهذا ما أعلنه كولن باول وزير خارجية أمريكا السابق بصراحة، وسمعه العالم كلُّه وقرأه. وأكَّدته مستشارة الأمن القومي (وزيرة الخارجية الحالية): أن أمريكا تريد تغيير منظومة القِيَم في المنطقة كلِّها، حتى لا توجد قِيَم ما تعارض القِيَم السائدة في أمريكا!!

• لا للحرب العدوانية على العراق :

هذا كلُّه ما جعلنا وجمهور علماء المسلمين ودعاتهم نقاوم الغزو الأمريكي للعراق، ونقول ما قال الملايين في العالم: لا للحرب العدوانية على العراق.

ومنطقنا في هذا منطق إسلامي صميم لا شكَّ فيه ولا غبار عليه، تؤيِّده كلُّ الأدلة الإسلامية التي لا يختلف فيها اثنان:

أولا: أنها - كما أجمع العالم - حرب عدوانية، ولذا لم يقرَّها مجلس الأمن، برغم تأثير أمريكا الهائل عليه، ولم توافق عليها دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين.

والإسلام ضدَّ أي حرب عدوانية تُشَن ظلما على أي بلد، وأي شعب في العالم، مسلما كان أو غير مسلم؛ لأن الإسلام يحرِّم الظلم، ويقاوم الظالمين، ولو كانوا يزعمون أنهم مسلمون! وينهي عن مجرَّد الركون إليهم: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113[

وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

ثانيا: أنها حرب من دولة كافرة على شعب مسلم هو جزء من الأمة الإسلامية، وعلى بلد مسلم، هو جزء من دار الإسلام.

وكل حرب يشنُّها الكفار على جزء من أرض الإسلام، يجب على أهلها أن يقاوموهم بكلِّ ما يقدرون عليه. وهذا النوع من الجهاد - جهاد الدفع والمقاومة للغازي - يعتبره فقهاء المسلمين (فرض عين) على أهل البلد لمقاومته، وعلى الآخرين لمعونتهم، فإن قدروا على مقاومته فبها، وإلا انتقل الوجوب والفرضية إلى مَن يليهم، ليجاهدوا معهم، فإذا عجزوا، أو تقاعسوا، انتقلت الفرضية إلى مَن يليهم، ثم إلى مَن يليهم، حتى تشمل الأمة كلَّها.

ذلك أن الإسلام يعتبر المسلمين جميعا - حيثما كانوا - أمة واحدة، "يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على مَن سواهم"[5[

وهم كما وصفهم الرسول: "كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحُمَّى والسهر"[6] ، وهم (إخوة) كما وصفهم القرآن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].

ومقتضى (الأخوة الإسلامية) يوجب أن ينصر المسلمون بعضهم بعضا، ويدفع بعضهم عن بعض، كما في الحديث المتفق عليه: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه"[7] ، ومعنى: لا يسلمه: أي لا يتركه ويتخلَّى عنه. كما أن من مقتضى هذه الأخوة: أن يُعتبَر الاعتداء على بعض المسلمين اعتداء على الأمة كلِّها، مما يحتِّم تناصرها وتضامنها، في الدفاع عن كِيانها، وإلا سقطت جزءا جزءا.

وقد كانت جيوش المسلمين تجيَّش وتجنَّد وتخوض المعارك من أجل إنقاذ مسلم أو مسلمة استغاث بإخوانه المسلمين، كما في معركة (عَمُّورِية الشهيرة) التي انتصر فيها الخليفة (المعتصم) لامرأة استغاثت به في أرض الروم وقالت: (وامعتصماه)[8] !!

ولهذا كان الواجب على المسلمين - وخصوصا القريبين من العراق مثل العرب، وعلى الأخص: الملاصقين منهم - أن يشدُّوا أزر العراق، ويقفوا إلى جانبه، مجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ولا يُسلموه لأعدائه ويتخلَّوْا عنه في ساعة الشدَّة والكربة، فهذا ما يفرضه عليهم الإسلام بإجماع المسلمين.

أما أن يساندوا الغزاة، ويفتحوا لهم: أراضيهم البرية، وموانئهم البحرية، ومطاراتهم الجوية، لينطلقوا منها لضرب العراق، وقتل شعبه، وتدمير منشآته وبُناه التحتيه، فهذا ما لا يجوز بحال من الأحوال: أن يساعد المسلم على قتل أخيه، حتى وإن كان هذا الأخ ظالما، فهو على كل حال أخوك، وهو منك وأنت منه، وقد قال العرب: أنفك منك وإن كان أجدع! ولا يجوز للمسلم أن يقف مع الكافر ضدَّ أخيه المسلم الظالم. وخصوصا إذا كان الكافر ظالما أيضا، ومستكبرا في الأرض، وله أهداف تناقض أهداف المسلمين في المنطقة، ولا يقبل شرع ولا عقل ولا عُرف ولا خُلق: أن تساعد الغازي لأرضك على تحقيق أغراضه التي تريد أن تجعله للعالم سيدا، وتجعلك له عبدا.

• تبرير مرفوض لمن ساندوا الغزاة:

ربما يبرِّر البعض مساندة الأمريكان في حربهم ضدَّ العراق: أن نظام صدام كان (نظاما مرتدًّا عن الإسلام)، باعتبار حزب البعث حزبا علمانيا صِرفا، يقوم على (أيديولوجيه) لا تعتمد على العقيدة الإسلامية، ولا الشريعة الإسلامية، ولا القِيَم الإسلامية، بل يحارب بلا هوادة كلَّ مَن يدعو إلى الإسلام، وفكرة الإسلام، وشريعة الإسلام، وكم حكم بالإعدام على رجال من العلماء والدعاة إلى الإسلام، وكم شرَّد وعذَّب ونكَّل بغيرهم.

ومثل هذا النظام يُعَد (نظاما كافرا) بلا شك، ومثله لا يجوز للأمة أن تدافع عنه، بل يجب أن تُسلمه وتتخلَّى عنه، وتَدَع أمره للغزاة، فكلُّهم كفار يحارب بعضهم بعضا، وقد كان من دعاء سلفنا: اللهم اشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.

ونقول في الجواب: إن الحرب لن تكون على صدام وحزب البعث وحدهم، وإنما هي حرب على الشعب العراقي كلِّه، والوطن العراقي كلِّه، كما شاهدنا بالفعل، والذي يُقتَل هو الشعب العراقي، وقلَّ من يقتل من حزب البعث، والذي يدمَّر هو مصالح الشعب العراقي كلِّه ومنشآته، وليست قصور صدام.

كما نقول: إن (النظام) إذا كان كافرا، فإن الشعب العراقي في جملته مسلم، كما أن (صداما) في سنواته الأخيرة، كما ذكر الإخوة العراقيون، لم يَعُد متعصبا مصرًّا على بعثيته القديمة، وترك الحرية للناس ليتدينوا ويذهبوا إلى المساجد، حتى هو نفسه بنى مسجدا من أكبر المساجد في العالم، وقد ظهرت في السنوات الأخيرة صحوة إسلامية، ويقظه دينية، في العراق، عمَّرت المساجد بالمصلين، وردَّت الشاردين إلى الدين، وشعر بذلك كل المراقبين.

• العراق جزء من دار الإسلام :

على أن العراق - بوصفه بلدا - يبقى جزءا من دار الإسلام، ووجود بعض أحكام الكفر فيه لا يُخرجه عن انتمائه إلى دار الإسلام، ولا سيما أنه متَّصل بدار الإسلام، فلا يجوز اعتباره خارج دار الإسلام، كما هو مذهب أبي حنيفة[9] ، بل نرى مذهب الشافعي أشد تمسكا بإسلاميته. ولهذا لا يمكن التسليم بأن الشعب العراقي قد خرج من (الأمة الإسلامية)، ولا أن الوطن العراقي قد خرج من (دار الإسلام) أو من (الوطن الإسلامي). ولو كان كذلك ما عادته إسرائيل، ولا حسبت له حسابا.

ولو جاز لنا اعتبار العراق خارجا عن الأمة، ولم يَعُد من دار الإسلام، لجاز لنا أن نترك إسرائيل تجتاحه ولا ندافع عنه، فقد أصبح جزءا من دار الكفر!

• إعمال فقه الموازانات :

ثم إذا كان حكام الشعب العراقي كفارا، فإن أمريكا بحكامها وشعبها كفار صُرحاء بدين الإسلام، وهم - مع كفرهم - ظالمون مستكبرون متحيِّزون للباطل، مؤيِّدون تأييدا مطلقا لدولة إسرائيل الصهيونية المغتصبة الظالمة، ومعادون للمسلمين بوضوح، في قضية فلسطين وغيرها، كما تحكم أمريكا الآن المسيحيةُ الأصوليةُ اليمينية المتصهينة، والموالية كلَّ الولاء لعدونا الأول: إسرائيل، ومن والي عدوك فهو عدوك. والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، فإذا خيِّرنا بين شعب مسلم حكامه كافرون، وبين شعب كافر حكامه كافرون، بل كافرون ظالمون معادون، فمع مَن نكون؟

ولا نعني بكفر الأمريكان: أنهم ملحدون لا دين لهم، بل نعني: كفرهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكلُّ من كفر برسالته فهو في نظر المسلمين كافر بيقين[10] . فهؤلاء هم الذين كفروا من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105[


: الأوسمة



التالي
لو سُئل الشيطان عمّا سُئلتم عنه لما أحسن الجواب كما أحسنتم
السابق
الأمين العام يطالب باكستان والهند بإنهاء حالة الحرب والبدء فورا بالحوار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع