البحث

التفاصيل

كتاب : فقه الجهاد ... الحلقة [ 69 ] : الباب السابع : بماذا ينتهي القتال؟ الفصل الأول : انتهاء اللقاء بغير قتال (الانسحاب)

الرابط المختصر :

 

• تمهيد:

القتال أشبه بعميلة جراحية يُضطَّرُّ الإنسان إلى إجرائها، إذا لم تُجْدِ الأدوية الأخرى، وفي هذا قال العرب: آخر الدواء الكيُّ. وقال الله تعالى في كتابه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216[

ولكن القتال لا يستمر أبد الدهر، فلا بد للقتال من أمد ينتهي إليه، وتتوقَّف هذه الرحى الدائرة، وهذا الوطيس الحامي، وينتهي القتال بين الطرفين المتحاربين.

والسؤال المهم هنا: بماذا ينتهي القتال؟ أو بماذا تنتهي المعركة أو الخصومة بين الطرفين المتقاتلين؟

وهنا نجد أمامنا عدَّة احتمالات، سنتحدَّث عنها في الفصول التالية.

• الفصل الأول : انتهاء اللقاء بغير قتال (الانسحاب(

• انسحاب المشركين في غزوة الأحزاب

الاحتمال الأول: أن ينتهي اللقاء بين الطرفين المتحاربين بغير قتال، وينسحب العدو بقوَّاته المسلَّحة، ولا يبقى مجال للحرب.

وهذا ما حدث في (غزوة الخندق) أو (غزوة الأحزاب) الشهيرة بعد أن هاجم المشركون من قريش وغَطَفَان وأحابيشهما ومَن والاهما من قبائل العرب: الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عقر دارهم بالمدينة، وأرادوا بهذا الهجوم المكثَّف: أن يُصَفُّوا المسلمين ويقضوا عليهم قضاء مبرما، وقد أعدُّوا لذلك العدد والعدَّة.

وزاد في حرج الموقف: أن يهود بني قريظة - وهم من أهل المدينة - انضمُّوا إلى المغيرين، ونقضوا العهد الذي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين معه، الذي يوجب عليهم في هذه الحالة: نصرة المسلمين بالنفس والمال والسلاح والكُراع.

ولم يجد المسلمون بدًّا من أن يحصِّنوا المدينة ما استطاعوا، فحفروا الخندق حولها ليعوِّقوا حركة الغزاة المتربصين، وانكشف النفاق وبان على حقيقته، وقال المنافقون ما قالوا، كما حكى عنهم القرآن: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب:13،12[

• حالة المسلمين المادية والنفسية في غزوة الأحزاب:

ووصف القرآن الحالة المادية والنفسية للمسلمين فقال: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10،11[

بعد ذلك هيَّأ الله للمسلمين أسبابا سماوية وأرضية، وأرسل على المشركين الغزاة ريحا وجنودا من عنده لم يرها المسلمون، وقام بعض المسلمين الجدد - مثل نُعيم بن مسعود الأشجعي بدور في تخذيلهم، والتفريق بين بعضهم وبعض، فقرَّروا الرحيل، والرجوع من حيث أتوا، دون أن يحقِّقوا أيَّ هدف مما كانوا خطَّطوا له.

• وكفي الله المؤمنين القتال:

وفي هذا يقول القرآن: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:25].

وانظر إلى هذا التعليق القرآني ما أروعه وما أبلغه وما أصدقه: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}! يمنُّ الله تعالى على المؤمنين بأنه كفاهم عبء القتال، وتكاليف القتال. وهذا دليل على أن القتال ليس هدفا في ذاته يطلبه المسلمون. بل هم يُدفعون إليه، وهو كُرْه لهم، كما قال الله تعالى. فإذا انتهت المعركة بغير قتال - كما في غزوة الأحزاب - كان ذلك فضلا من الله تعالى، يذكره تعالى في معرض الامتنان عليهم.

• انسحاب المسلمين من مواجهة العدو:

وكما ينسحب أعداء المسلمين من المعركة بغير قتال، وبغير أن يحقِّقوا هدفهم في غزوتهم، قد يحدث هذا الانسحاب من المسلمين أنفسهم، يقتضيهم الموقف أن ينسحبوا من مواجهة العدو، لسبب من الأسباب، يجعل قيادتهم تُؤثر الانسحاب من المعركة، إبقاء على المسلمين أن يخوضوا معركة فناء مع عدو أكبر منهم.

وقد أجاز الفقهاء للمسلمين أن يفرُّوا من أعدائهم إذا كان العدد أكثر من ضعفي المسلمين، أو كانوا يقصدون بالفرار التحرُّف لقتال، أو التحيُّز إلى فئة منهم.

• معركة مؤتة:

وقد حدث هذا للصحابة في عهد النبوة، في معركة مؤتة الشهيرة، التي التقى فيها المسلمون، وهم نحو ثلاثة آلاف، بالروم، وهم نحو مائة وخمسين ألفا، فيما تقول الروايات، واستشهد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم رسول الله: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة، ثم تولى القيادة خالد بن الوليد، فكانت خطَّته أن ينسحب بالمسلمين من مواجهة هذا العدد الهائل من الروم: لينجو بالمسلمين.

وقد اعتبر بعض شباب المسلمين والمتحمِّسين منهم خالدا ومن معه (فُرَّارا) من المعركة، وحصبهم بعضهم بالحصى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرَّ خالدا على ما فعله، وأثنى عليه [1[

وبهذا يتصوَّر أن يكون الانسحاب من المسلمين، كما يكون من أعدائهم.


: الأوسمة



السابق
الاتحاد يتقدم بواجب العزاء إلى إثيوبيا شعباً ورئيساً وحكومة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع