البحث

التفاصيل

ارفعوا الظلم عن العلماء

إلى الإخوة والأخوات في جميع المؤسسات العلمائية والشرعية؛ السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:

فإنكم تعلمون أن عددا من العلماء قد اعتقلوا في المملكة السعودية منذ أكثر من عام ونصف دون أي مسوغ من شرع أو قانون، وإنني بهذه المناسبة أضع بين أيديكم تذكيراً بأهم الدواعي التي ينبغي أن ننطلق منها في نصرة المظلومين.

أولاً: حقوق الأخوة الإسلامية: فالأخوة في الدين هي أصل الأخُوّات، وقد قال تعالى} إنّما المؤمنون إخوة }، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كُربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة )؛فالمسلمون تربطهم مع إخوانهم أواصر الأخوة والإيمان، فهم يرتبطون برباط واحد ووشيجة واحدة مع كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً.

فما من مسلم تصيبه شوكة فضلاً عن أن يُعتدى عليه ظلماً وعدواناً إلاّ ويتألم المسلمون ألم الجسد الواحد كما قال - صلى الله عليه وسلم - ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (

ومن لم يتألم لألم أخيه فهو مريض كالعضو الذي لا يشعر بألم الأعضاء الأخرى، أو كالجسد الميت الذي لا يشعر بألم الأعضاء فيه.

ثانياً: الذمة الواحدة للمسلمين: وهو تعبير يؤكد المعنى السابق على أن أهل الإسلام أينما كانوا فهم كالجسد الواحد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ( وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخاف مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه عدلا ولا صرفا )، وفي رواية: ( المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يدُ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم (

والتعبير بأن ذمة المسلمين واحدة يؤكد على معنى الجسد الواحد الذي مرّ معنا، بل ويزيد عليه حيث أكد أن تصرفات المسلم في حال الحرب والقتال أياً كان هذا المسلم رجلاً أم امرأة، حُراً أم عبداً، إذا أعطى الأمان لأحد فليس لأحد الحق في نقض هذا الأمان، فأنزل الحديث تصرف المسلم وإعطاءه الأمان للغير منزلة تصرف المسلمين جميعاً.

وقد قال المباركفوري - رحمه الله - عند شرحه لهذا المعنى: ( وذمة المسلمين أي عهدهم وأمانهم (واحدة) أي: أنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها (يسعى بها) أي: يتولاها ويلي أمرها (أدناهم) أي: أدنى المسلمين مرتبة.

والمعنى أن ذمة المسلمين سواء؛ لأن المسلمين كنفس واحدة )، وزيادة في هذا المعنى جاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك بين أصابعه (

قال النووي - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه(

والوصف بالبنيان وصف عظيم إذ كيف تقوم للبنيان قائمة وبعضه معرض للتصدع و الانهيار.

ثالثاً: المسؤولية الشرعية في القيام بالقسط والشهادة لله.

فالمسلمون جميعاً يجب عليهم حماية بيضتهم، والذب عن مستضعفهم، بل وعن كل مستضعف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وذلك لأن من واجبات أهل الإيمان أن يقوموا لله بالقسط، وأن يكونوا من الشهداء لله كما قال تعالى: { يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله }.قال ابن كثير رحمه الله: ( يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ،ولا يصرفهم عنه صارف وأن يكونوا متساعدين متعاضدين متناصرين فيه(

فالمسؤولية الشرعية تقتضي من المسلمين دعوة الناس كافة إلى القسط وهو العدل كما قال تعالى: { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم {

رابعاً: الخُلق الإسلامي ومُقتضى عدم الخذلان للمظلوم.

فالخلق الإسلامي وهو الخلق الذي اختاره الله لعباده المؤمنين يقتضي من المسلم ألا يخذل مظلوماً أياً كان ذلك المظلوم فكيف لو كان هذا المظلوم من أهل القرآن والعلم والدعوة إلى الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ). وفي رواية (ولا يسلمه)، فلا يحل للمسلم أن يخذل أخاه المسلم، ولا أن يسلمه لخصومه، ويجب عليه أن يقوم بدفع الظلم عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وقد قالت العرب قديماً:

إن أخاك الحقّ من يسعى معك ومن يضرُّ نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك

والخلق الإسلامي كذلك يمنع من السكوت عن ظلم الآخرين ويميل إلى كل ما يرفع الظلم عن المضطهدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول - وهي حادثة من أيام العرب اجتمعت فيها كلمة بعضهم على نصرة المظلوم -: ( حضرت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما يسُرني به النعم، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت )؛ لِما احتوت عليه من معنى نصرة المظلوم والقيام بالعدل.

وعموماً فإن المروءة تقتضي من المؤمن الذي يعلم أن الأمانة أخت الدين، وأنه لا إيمان لمن لا أمانة له، أن يناصر المظلومين ويدافع عن حقوق المضطهدين، وأن يقول كلمة الحق والعدل في كل وقت وحين.

وكذلك الشدائد تقتضي من المسلم أن تثور حميته لإخوانه، ولا خير في الإنسان إذا كان في وقت الحمية لا وجود له؛ فإن الشخص الذي لا وجود له عند الحاجة لا قيمة له ومن لا قيمة له فإنه محسوب على أمة دون أن يقوم بواجبه تجاهها، ودون أن يؤدي ما عليه من الحقوق حيال أبنائها وأهلها.

خامساً: دفع الظلم عن النفس بدفع الظلم عن الغير.

فالمؤمن يعلم أن الله تعالى قد يبتليه ببعض ما ابتلى به إخوانه من المظلومين والمضطهدين ويعلم أنه إذا لم يقم لله بالحق؛ فسيسلط الله عليه نظير ما سلط على غيره، فهو يحتاج للدفع عن نفسه وعن أهله أن يدفع عن غيره وينصرهم.

وسنة الله جارية بأن خذلان المظلومين مؤذن بوقوع الظلم على الصامتين { سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا {


: الأوسمة



التالي
الخطاب الإعلامي التوعوي بين الشريعة والقانون
السابق
من كتاب "ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده" لفضيلة العلامة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع