البحث

التفاصيل

الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل

الرابط المختصر :

من كتاب خلق_المسلم
الشيخ #محمد_الغزالي : 
الإكراه على الفضيلة لا يصنع الإنسان الفاضل كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن؟ فالحرية النفسية والعقلية أساس المسئولية.. والإسلام يقدر هذه الحقيقة ويحترمها وهو يبنى صرح الأخلاق. 
ولماذا يلجأ إلى القسر فى تعريف الإنسان معنى الخير أو توجيه سلوكه إليه وهو يحسن الظن بالفطرة الإنسانية ويرى أن إزاحة العوائق من أمامها كافية لإيجاد جيل فاضل؟ 
إن فطرة الإنسان خيرة وليس معنى هذا أنه ملاك لا يحسن إلا الخير بل معنى هذا أن الخير يتواءم مع طبيعته الأصيلة وأنه يُؤثر اعتناقه والعمل به كما يُؤثر الطير التحليق إذا تخلص من قيوده وأثقاله.
فالعمل الصحيح في نظر الإسلام هو تحطيم القيود وإزالة الأثقال أولا فإذا جثم الإنسان على الأرض بعدئذ ولم يستطع سموا نُظر إليه على أنه مريض ثم يُسرت له أسباب الشفاء. ولن يصدر الإسلام حكما يعزل هذا الإنسان عن المجتمع إلا يوم يكون بقاؤه فيه مثار شر على الآخرين. 
فى حدود هذه الدائرة يحارب الإسلام الجرائم الخلقية فهو يفترض ابتداء أن الإنسان يحب أن يعيش من طريق شريف وأن يحيا على ثمرات كفاحه وجهده الخاص أى أنه لا يبنى كيانه على السرقة. 
ما الذى يحمله على السرقة؟ احتياجه إلى ما يقيم أوده؟ فليوفر له من الضرورات والمرفهات ما يغنيه عن ذلك. وتلك فريضة على المجتمع إن قصر فيها فألجأ فردا إلى السرقة فالجريمة هنا يقع وزرها على المجتمع المفرط لا على الفرد المضيع. 
فإن كفلت للفرد ضروراته ثم مد بعد ذلك يده محصت حالته جيدا قبل إيقاع العقوبة عليه فلعل هناك شبهة تثبت أن فيه عرقا ينبض بالخير والإبطاء فى العقاب مطلوب دينا إلى حد أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الإمام لأن يخطىء فى العفو خير من أن يخطىء فى العقاب"."
فإذا تبين من تتبيع أحوال الشخص أن فطرته الْتَاثَتْ وأنه أصبح مصدر عدوان على البيئة التى كلفته وآوته وأنه قبال عطفها وعنايتها بتعكير صفوها وإقلاق أمنها فلا ملام على هذه البيئة إذا حدت من عدوان أحد أفرادها فكسرت السلاح الذى يؤذى به غيره. 
وقد وصف القرآن اللصوصية التى تستحق قطع اليد بأنها لصوصية الظلم والإفساد وقال فى هذا السارق المعاقب: "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم". 
فالحد الذى شرعه الإسلام هو وقاية للجماعة العادلة المصلحة من ضراوة عضو فيها يقابل عدالتها بالظلم ويقابل إصلاحها بالفساد.
ذلك مثل نسوقه لنبين به أن الحدود على الجرائم الخلقية لم تشرع إكراها على الفضيلة وإلجاء للناس بطريق القسوة إلى اتخاذ المسلك الحسنة. 
فالطريقة المثلى لدى الإسلام هى خطاب القلب الإنسانى واستثارة أشواقه الكامنة إلى السمو والكمال ورجعه إلى الله بارئه الأعلى بأسلوب من الإقناع والمحبة وتعليقه بالفضائل الجليلة على أنها الثمرة الطبيعية لهذا كله.. 
ويجب التحكم فى ظروف البيئة التى تكتنف الإنسان حتى يُعين على إنضاج المواهب والسجايا الحسنة. ولا حرج من خلع الطفيليات التى لا فائدة منها فنحن فى حقول الزراعات المختلفة نوفر النماء للمحاصيل الرئيسية باقتلاع كثير من الحشائش والأعشاب وليست المحافظة على مصلحة الإنسانية العامة بأقل من ذلك خطرا فلا وجه لاستنكار الحدود التى أقرها الإسلام وسبقت بها التوراة واعتبرت شريعة الأديان السماوية عامة.
والإسلام يُحمل البيئة قسطا كبيرا من تبعة التوجيه إلى الخير أو الشر وإشاعة الرذائل أو الفضائل. واتجاهه إلى تولى مقاليد الحكم يعود فيما يعود إليه من أسباب إلى الرغبة فى تشكيل المجتمع على نحو يعين على العفاف والاستقامة. 
وقد روى النبى عليه الصلاة والسلام قصة القاتل الذى يبتغى التوبة من جرائمه وأنه "سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال له: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم من يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء". 
وفى رواية أنه أتى راهبا فسأله : "أهل تجد لى من توبة؟ فقال له : قد أسرفت وما أدرى ولكن ها هنا قريتان قرية يقال لها نصرة والأخرى يقال لها كفرة فأما أهل نصرة فيعملون عمل أهل الجنة لا يثبت فيها غيرها وأما أهل كفرة فيعملون عمل أهل النار لا يثبت فيها غيرهم فانطلق إلى أهل نصرة فإن ثَبَتَّ فيها وعملت عمل أهلها فلا شك فى توبتك!!.. " . 
من هنا يرى الإسلام أن ملاحظة البيئة وتقدير آثارها فى تكوين الخُلُق عاملٌ ينضم إلى ما سبق تقريره من حراسة الفطرة السليمة وتهذيب الأهواء الطائشة. وتظن أن فى العناية بهذه النواحى جميعا ضمانا لإيجاد مجتمع نقى يزخر بأزكى الصفات وأعف السير.


: الأوسمة



التالي
تفكيك منظومات الاستبداد الحلقة العاشرة
السابق
فرع تونس يُسدل الستار عن دورة فقه المعاملات المالية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع