البحث

التفاصيل

محمد البهي

الرابط المختصر :

محمد البهي
(1323 – 1402هـ = 1905 – 1982م)
الأستاذ الكبير الدكتور محمد البهي، أستاذ الفلسفة والعقيدة في كلية أصول الدين، وفي كلية اللغة العربية، والمدير العام لإدارة الثقافة الغسلامية بالأزهر، وأحد كبار علماء الأزهر، ووزير الأوقاف المصري الأسبق، وأحد مفكري الإسلام في العصر الحديث.
دعا إلى الإصلاح الديني بالعودة للأصول، وتتبع نشأة الفكر الإسلامي منذ بدايته حتى الوقت المعاصر، موازنًا بينه وبين غيره من المذاهب الفكرية، متصديا للأفكار الهدامة، وفاضحًا الاستعمار ودوره الثقافي في المجتمعات الإسلامية.
عملي معه رحمه الله:
وقد عملت مع الدكتور محمد البهي رحمه الله، نحو ثلاث سنوات، لا في التدريس ولا في الوعظ، ولكن في الإدارة العامة للثقافة الإسلامية، في المكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد، مع مدير الوعظ في ذلك الوقت العالم الجليل الشيخ عبد الله المشد رحمه الله. وذلك في عهد شيخنا الأكبر الفقيه العلامة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله.
وكان الدكتور البهي مشهورًا بالشدة- وربما العنف- في إدارته. ولكن - ولا أقول إلا الحق- كان معي في غاية الدماثة واللطف، ما دخلت عليه إلا أجلسني بجواره، وإذا كان عنده ضيوف كبار، قدمني إليهم تقديمًا أشعر بالخجل منه، فهو يضفي عليّ من الأوصاف أكثر مما أستحق، ولم يفعل ذلك مع أي موظف يعمل معه، حتى رؤساء الأقسام عنده كانوا يقفون أمامه وَجِلِين، وأنا جالس بجواره. وهذا لا تفسير له عندي، إلا أنه فضل من الله على عبده.
إخراج كتب الشيخ شلتوت:
فكر الدكتور البهي فيما يسند إليّ أنا وزميلي العسال من عمل، بعد أن نقلنا من وزارة الأوقاف إلى الأزهر، وأصبحنا نعمل تحت إداراته، ثم قال: لدينا عمل كبير لا ينجزه غيركما، تعرفان أن الشيخ شلتوت رغم شهرته في العالم، لا تعرف له كتب كبيرة، يقرؤها الناس ويرجعون إليها، وهذا ما نريده منكما، أن ننشر تراث الشيخ شلتوت على الناس في كتب كبيرة، ولا بد أن نجمع هذا التراث من مظانه المختلفة في الصحف والمجلات، وفيما لدى الشيخ الأكبر من مقالات أو مسودات. وأنتما أهل لتجميع ذلك، وتنسيقه وطباعته، وتصحيحه، ومطبعة الأزهر رهن إشارتكما.
ولقد نوّه الأستاذ الدكتور محمد البهي بما قمنا به- أنا والعسال- من جهد في تجميع هذه الكتب وتنسيقها، حتى خرجت للناس بصورتها المشرقة مبوبة مفهرسة، في صورة كتب أصبحت معروفة الآن، كتاب: (الإسلام عقيدة وشريعة)، وكتاب (الفتاوى)، وكتاب (من توجيهات الإسلام). وقد كتب الأستاذ الدكتور البهي مقدمة لكل كتاب منها، شهد فيها لي أنا والعسال بجهدنا في تجميع مادة الكتب من مظانها، وفهرستها، وتقسيمها، ووضع العناوين الجانبية لها، وهذه المقدمات في طبعة الأزهر الأولى للكتب، فلما اختلف الشيخ الأكبر مع الدكتور البهي، حذفت هذه المقدمات، ونسي عملنا الأساسي، الذي به أصبحت هذه الكتب كتبنا.
آثاره
كان رحمه الله عفيف اللسان والقلم، ذا أدب رفيع، وفقه في الدين، وأوتي نصيبا موفورا من الحكمة التي أثرت إنتاجه، وأذاعت فضله، وباعدت بينه وبين شطط الأقوال، وزلل الآراء وخطل الأفكار، وقد بارك الله الله تعالى في عمره وفي وقته، رغم انشغاله بالتدريس معظم حياته، فقد ترك مؤلفات كثيرة منها: (الجانب الإلهي في التفكير الإسلامي)، و(الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي)، و(المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام) و(منهج القرآن في تطوير المجتمع)، (رأي الدين بين السائل والمجيب) و(سلسلة التفسير الموضوعي للقرآن الكريم) بدأ فيها تفسير السور المكية، وفسَّر ثلاثا وعشرين سورة مكية، بالإضافة إلى جزء عمّ، وجعل عبارة: (القرآن في مواجهة المادية)، عنوانا في تفسيره للسور المكيَّة، وحالت المنية دون تفسيره لبقية سور القرآن.
إعارته إلى قطر:
ولقد ظلت علاقتي بأستاذنا الدكتور البهي موصولة الحبال، لم تنقطع خيوطها يومًا، رغم أنه رحمه الله ساءت علاقته بالشيخ الغزالي والشيخ سيد سابق، بعد أن عُيِّن وزيرًا للأوقاف. واصطدم بهما بغير مبرر، مع أنهما كانا حفيَّيْن به، وطالما دعواه وقدماه وكرماه، من خلال منصبيهما في الوزارة، ولكن (عنف) الدكتور البهي غلب عليه، فعاملهما بجفوة مستغربة، مما اضطرهما أن يطلبا نقلهما إلى الأزهر، وبقيا فيه حتى خرج د. البهي من الوزارة.
وقد طلبته بعد ذلك بمدة أستاذًا زائرًا لكلية الشريعة بجامعة قطر، عندما كنت عميدًا لها، فجاءنا مع أهله، ورحبنا به، ووفرنا له ما يستحق من تكريم، وذلك حين عرفت ضائقته المادية، فهو لم يستفد من الوزارة شيئًا غير راتبه، وغير العداوات التي جلبها على نفسه.
وقد كان من دأب الدكتور البهي- الذي عرفناه من سيرته- أنه لا يأخذ أجرًا على مقالة يكتبها، أو محاضرة يلقيها، أو حديث يذيعه، طريقة اتخذها لنفسه، وأصرَّ عليها إلى أن لقي ربه، رحمة الله عليه ورضوانه.
وحينما رأى نشاطي المتنوع في قطر، سُرَّ به سرورًا بالغًا، وقال لي يومًا: كان ظني بك في محله، وأنك العالم المرجو لغد هذه الأمة. قلت: إنما أنا تلميذ لكم، مستفيد من فكركم.
وكان يقول للأزهريين الذين يزورونه: إن القرضاوي لم يأخذ حقه. إن مكانه الصحيح هو مشيخة الأزهر! إن الأزهر في حاجة إلى قيادة تجمع بين الفكر والدعوة، وبين الأصالة والتجديد، وإن علينا- نحن علماء الأزهر- أن نرشح القرضاوي ليقود سفينة الأزهر التي تميل بها الرياح. وكان هذا من حسن ظنه بي غفر الله لي وله. وكان الزملاء ينقلون إليَّ قوله. وقد صارحني بذلك في إحدى زياراتي له في الفندق، وقلت له: يا فضيلة الأستاذ شكر الله حسن ظنك بي. ولكن هل ترى مثلي يصلح لهذا المنصب في هذه الظروف التي تعرفها؟ وهل يقبلون مثلي لهذا الأمر؟! قال: هم لا يقبلون، ولكن علينا نحن أن نقنعهم! وهبهم اقتنعوا، هل يطلقون يدي لأنفذ ما أريد؟
وفاته: 
عندما بلغ الستين من عمره ترك التدريس، ورفض قرار مجلس الوزراء بمد خدمته خمس سنوات أخرى، وآثر التفرغ للكتابة والتأليف، إلى أن وافته المنية في من ذي القعدة 1402 ه. 10 سبتمبر 1982م عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما.
رحمه الله رحمة واسعة، وأجزل له العطاء على ما قدم لأمته من خير.


: الأوسمة



التالي
علماء العالم الإسلامي يناقشون واقع البحث في التاريخ الإسلامي
السابق
اغتنام ايام رمضان في الذكر والطاعة والجود

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع