البحث

التفاصيل

الشيخ مناع القطان

الرابط المختصر :

الشيخ مناع القطان
العالم الباحث الداعية المؤلف
(1345 - 1420 هـ = 1925 - 1999 م)
في يوم الاثنين6 ربيع الآخر 1420هـ الموافق 19 يوليو 1999م،  توفي أخونا وصديقنا وحبيبنا الشيخ مناع خليل القطان، الذي هاجر من مصر إلى السعودية بأوائل الخمسينيات، واستوطن السعودية، وحمل جنسيتها، وربى أجيالاً، وألَّف كتبا، وكان له تلاميذ ومريدون طوال هذه السنين، وترك وراءه آثارًا علمية يشهد بها الكثيرون، وكان رجلاً من رجال الاعتدال والتوازن في أفكاره، ومفاهيمه، وأحكامه، وفتاويه، إلى حد كبير.
أعرف الشيخ مناع معرفة جيدة، منذ كنا طلابًا جامعيين، وقد سكنَّت معه، ومع عدد من القريبين منه، وكان سكننا في شارع راتب باشا بشبرا، في شقة استمرت سكنانا بها ثلاث سنوات، حتى اعتقلنا فيها سنة 1954م.
وقد تغير رفقاء السكن بها، ولا سيما بعد تخرج الشيخ مناع، الذي كان يسبقني في كلية اصول الدين بسنتين، فكان يسكنها معي: الحسيني أبو فرحة، وفهمي شاهين، ومحمد بسيوني قنديل، وكلهم من الغربية، وإبراهيم بهنساوي سعيد من البحيرة وزميلنا في معهد طنطا، ومحمود نعمان الأنصاري من أسيوط.
وقد اجتهدنا- نحن طلاب كلية أصول الدين- وأنا في السنة الثانية: أن ننشئ اتحادًا لطلاب الكلية، اخترنا لرئاسته الأخ الشيخ مناع القطان في سنته الأولى بانتخاب من الطلاب، وكان هو في السنة الرابعة بالكلية، فلما تخرج الشيخ مناع بعد أشهر، اختارني الطلبة لرئاسته.
وكان الشيخ مناع القطان قبل ذلك من طلاب معهد شبين الكوم الديني، الذي كان أحد معاهد الأزهر الثانوية المعدودة في عواصم المديريات الشهيرة (أي: المحافظات)، مثل معهد القاهرة، ومعهد الإسكندرية، ومعهد طنطا، ومعهد الزقازيق، ومعهد أسيوط.
وكنا نحن الطلاب المتزعمين للنشاط الطلابي في المعاهد، نلتقي في أحدها في بعض الأيام، وكان هو أحد الطلبة المتميزين في معهد شبين، مع مجموعة أخرى، منهم: عبد المنعم الدغيدي، ولاشين أبو شنب، وسيد ورد، رحمهم الله جميعًا. 
وبعد ذلك أخذ هو ومجموعة من شباب الإخوان في المديريات المختلفة، وفي القاهرة أساسًا إلى السجن، حيث اتهموهم بأنهم أعضاء في شبكة سرية تعمل على التخريب والتدمير، وإفساد البلاد، وإرهاب العباد، في قضية سموها (قضية الأوكار)، وظل الشيخ مناع محبوسا حتى خرج بريئًا، وليس عليه أدنى شيء.
بدأ الشيخ مناع بعدها يمارس نشاطه في قسم الطلاب، وبين طلاب الأزهر، وفي صحافة الإخوان، بدأ يكتب مقالات حول (الأزهر في معترك الحياة)، وبدأنا نلتقي به في جلساتنا ومؤتمراتنا.
زيارة الأستاذ أبي الحسن الندوي لنا في شقتنا في شبرا:
اتصل بي بعض الإخوة من الطلاب الهنود النشيطين الذين يدرسون في مصر، وقالوا لي: هل تعرف الأستاذ أبا الحسن الندوي ؟ قلت لهم: أليس هو صاحب كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) قالوا: بلى. قلت: وما شأنه؟ قالوا: سيصل إلى القاهرة يوم كذا. قلت: أرجوكم أن توصلوني إليه عند حضوره.
وما هي إلا أيام حتى حضر الشيخ، ومعه اثنان من إخوانه ورفقائه الندويين أحدهما: الشيخ معين الندوي، والثاني نسيت اسمه.
وكان الشيخ ومن معه يسكنون في شقة متواضعة في زقاق من أزقة شارع الموسكي بحي الأزهر؛ فالشيخ لا يقدر على سكنى الفنادق ولا يحبها وإن قدر عليها- وفي اجتماعات مجلس رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية يَدَع الفنادق التي ينزل فيها الضيوف – وهي من فنادق الدرجة الأولى – وينزل عند بعض إخوانه.
كما أنه يرفض النزول ضيفًا على بعض الكبراء من الأغنياء والموسرين؛ لعل ذلك للشبهة في أموالهم، أو لئلًّا يكون أسيرًا لإحسانهم.
ذهبت لزيارة الشيخ في مسكنه المتواضع أنا وأخي وصديقي محمد الدمرداش مراد رحمه الله ـ رفيقي في الدراسة، ورفيقي في الدعوة، ورفيقي في المحنة، ورفيقي في السكن، ودعوناه إلى بيتنا في شبرا؛ ليلتقي ببعض إخواننا من شباب الأزهر الملتزمين بالدعوة في صورة ما يسميه الإخوان (كتيبة)، وهو تعبير عن ليلة جماعية تقضى في العلم والعبادة والرياضة، وقليل من النوم، وكان الشيخ حريصًا على أن يستمع منا، كما نستمع إليه، فكان يسأل عن حسن البنا، وكلامه وطريقته، ومواقفه وتصرفاته في الأمور المختلفة، كبيرة كانت أو صغيرة؛ مما كوَّن معه فكرة عن الشيخ البنا، وأنه كان (إمامًا ربانيًّا) بحق، ولم يكن مجرد زعيم يطالب بحكم إسلامي، بل كان قبل كل شيء (مربيًا) يريد أن ينشئ للإسلام (جيلًا جديدًا) يحسن الفهم له، والإيمان به، والالتزام بتعاليمه، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله.
وتكرر لقاؤنا معه، ولقاؤه معنا، نحن شباب الدعوة الإسلامية (أنا والأخ أحمد العسال والأخ الدمرداش والأخ مناع القطان، والأخ عبد الله العقيل وآخرون).
 وكان الشيخ مناع من الإخوان الذين وصلوا إلى المملكة العربية السعودية مبكرين، وعمل في سلك التدريس، باعتباره خريج كلية أصول الدين، وقد أعير إلى المملكة سنة 1953 - 1954 الدراسية، أي: قبل محنة الإخوان مع عبد الناصر بقليل، فنجاه الله منها، واختير للتدريس بالمعاهد والكليات الشرعية بالقصيم ثم بالرياض، قبل أن تُنشَأ جامعة الإمام محمد بن سعود، وتُضَم هذه الكليات إليها.
وقد حاز الشيخ مناع ثقة المشايخ وطلبة العلم بالرياض، لأصالته العلمية، التي تكونت في رحاب الأزهر، وإيمانه بالعقيدة السلفية وتعوده على سلوك السلفيين، وعدم تحجر شخصيته، وتمتعه بالأناة والحكمة في مواجهة الأمور، وثقة الإخوان به، ممن يعملون في المملكة من أمثال الشيخ فتحي الخولي، والشيخ مصطفى العالم، والشيخ عشماوي مصطفى.. وغيرهم ممن يعملون في مُدن المملكة المختلفة في نجد والحجاز والمنطقة الشرقية.. وغيرها.
كان مما ساعد فضيلة الشيخ مناع على احتلال مكانته: وجود عالم كبير من قريته نفسها (شنشور منوفية) سبق إلى المملكة، ونال الاحترام والتقدير من كبار مشايخها، وأمسى مقدما فيهم، وبخاصة أنه سلفي العقيدة، ومن رجال أنصار السنة في مصر، ولكنه كان رجلًا ضليعًا في العلم، حكيمًا في الرأي، قويًّا في الدين، متينًا في الخُلُق، يتميز بالاعتدال والتوسط في النظر إلى القضايا، ومعالجة المواقف، هذا العالم الجليل هو الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، الذي تتلمذت عليه أجيال من أبناء المملكة، وكان عضوًا في هيئة كبار علمائها، ولجنة الإفتاء، وكانت مرتبته تلي مرتبة الشيخ ابن باز، وكان مهيبًا محترمًا محبوبًا، مسموع الكلمة من الجميع. لذا كانت معرفة الشيخ عبد الرزاق بالشيخ مناع، وقربه منه، وحسن رأيه في الإخوان، مما مهد السبيل له لينال وضعه.
ولا غرو أن أصبح الشيخ مناع هو وجه الإخوان، والممثل لهم أمام الجهات الرسمية السعودية، وأضحت له ثقة عندهم، فإذا أراد الإخوان شيئا من الحكومة السعودية نقلها إليهم الشيخ مناع، عن طريق لقائه بالأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، أو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض، أو الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية. وكذلك إذا أرادت المملكة أمرًا من الإخوان استدعت الشيخ مناعا، وأبلغته بما يريدون، أو فاوضوه فيما يطلب منهم، وقد يرجئ الإجابة حتى يشاور إخوانه، ثم يرجع إليهم.
زيارتي مع طلبة المعهد الديني للشيخ القطان:
في إجازة نصف السنة الدراسية من سنة 1963م قمت برحلة مع طلاب المعهد الديني إلى المملكة العربية السعودية، فقد كانت وزارة المعارف في قطر توسع  على الطلاب في إجازة نصف العام من كل سنة دراسية. وتبعث بالطلاب في رحلات علمية تخدم دراستهم، إلى البلاد المجاورة، وتختار من كل مدرسة عددًا يشاركون في هذه الرحلة، وقد كانت الجهات التي يذهبون إليها تستضيفهم، في حين تعطيهم الوزارة (مصاريف جيب) في يد كل واحد منهم.
وقد كنت مخيرًا بين دول الخليج، فاخترت المملكة العربية السعودية، فهي أليق بالمعهد الديني وطلابه، وطلبت من الوزارة أن يشترك أكبر عدد من طلاب المعهد في هذه الرحلة، باعتبار أن عددهم محدود، وباعتبار هذه الرحلة لونًا من التربية العملية المطلوبة؛ لما تشتمل عليه من أداء العمرة، وزيارة المؤسسات العلمية.
ومن أهم المؤسسات التي زرناها: إدارة الكليات والمعاهد، فلم تكن (جامعة الإمام محمد بن سعود) قد أنشئت بعد، وقد كان مدير هذه الكليات هو فضيلة الشيخ عبد العزيز المسند، الذي تحدث إلينا وتحدثنا إليه حديثًا وديًّا، ثم هيأ لنا زيارة الشيخ مناع القطان المدرس بكلية الشريعة، والذي أضحى له فيها قدم راسخة، وتلاميذ ومريدون، وقد أعير إلى الرياض منذ سنة 1954م ونجّاه الله من محن الإخوان في عهد الثورة، وقد استقر في الرياض، وعرفه كبار المسؤولين فيها، وكان له عندهم شأن ومقام، وحصل على الجنسية السعودية مع عدد من الإخوان، وأصبح هو الناطق الرسمي باسم الإخوان في المملكة، وكثيرًا ما حل الله على يديه مشكلات شتى لإخوان كثيرين من مختلف الأقطار.
وكانت فرصة اللقاء بالشيخ مناع لتجديد الذكريات، فقد كنا نسكن معًا في شقة واحدة أيام الكلية، وهي شقة راتب باشا الشهيرة، وكنا نعمل معًا في قسم الطلاب بالإخوان، وفي اتحاد كلية أصول الدين.
جمعتني أنا وأخي مناع القطان عدة مؤتمرات وندوات عالمية منها: ندوة فقهية علمية في فرنسا عن الوجود الإسلامي في بلاد الغرب، والمؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة، ومؤتمر العلماء بمكة المكرمة، الذي كان موضوعه الغزو العراقي للكويت، وكيف ننقذ الكويت؟ وما الواجب على الأمة؟ وما الواجب على العلماء؟ وكانت جماعة الإخوان المسلمين منقسمة في هذا الأمر، فمنهم من حضر هذا المؤتمر، وإن كان له بعض التحفظ على بعض قراراته، بينهم الشيخ مناع القطان، والشيخ عبد المجيد الزنداني، والدكتور الحبر نور الدايم، والشيخ عبد الله المطوع، والفقير إليه تعالى. كما أذكر من المشاركين الدكتور نجم الدين أربكان.
وأغلب الإخوان كانوا معارضين بشدة للاستعانة بالأمريكان، وأن هذا شر على العرب والمسلمين، وإن كان الجميع يعارض غزو الكويت ويندد به، ويطالب صدام بالجلاء الفوري عن الكويت.
ظل الشيخ مناع بالمملكة هو وأولاده، في قبول ورضا ممن حولهم من الحكام والمحكومين، ولم نرى أحدًا شكا منه، أو قال عنه ما لا يسره، إلا في المدة الأخيرة قبل موته، ذكر الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، وقد صار ولى للعهد بعد ذلك، أن الإخوان هم سبب المشاكل التي حلت بالمملكة في الجانب الفكري والدعوي، وأن الشيخ مناعا الذي رعته المملكة وأعطته جنسيتها ورعايتها لم يقم بما ينبغي أن يوفره لها من التوقير والرعاية ... إلخ ما قال. 
وقد ذكر الأمير نايف هذا الكلام في حضرة جمهور من العلماء، وكنت موجودًا، واضطررت أن أستسمحه لأصحح بعض الأشياء التي ذُكرت أو فهمت غلطًا. وقال الأمير في النهاية من أدبه: أنت أعلم.
والذي أعلمه عن الشيخ مناع أنه كان يحب المملكة بصدق، كما يحب الإخوان. ولا تناقض في ذلك. 
وكلنا ذاك الرجل، وقد استعان الملك المحبوب فيصل بن عبد العزيز رحمه الله بالإخوان، وكانوا له نعم الأعوان.
ولا زال عند بعض الرجال في المملكة غبش في هذه القضية، وهو الذي انتهى بهم إلى دخول الملك عبد الله رحمه الله مع الإمارات في امداد السيسي بكل ما يحتاج إليه، وفوق ذلك، لضرب الإخوان، وإخراجهم من إمكانية السيطرة على المجتمع المصري المسلم.
أصيب الشيخ مناع في أواخر حياته بداء في الكبد، واضطر أن يسافر على حساب المملكة إلى الولايات المتحدة للعلاج، وزرعت له بعض الفصوص الكبدية، ولكن قضاء الله كان أغلب، وكانت وفاة الشيخ رحمه الله.

ذهب الشيخ مناع إلى ربه راضيًا مرضيًّا - إن شاء الله - نحسبه كذلك، والله حسيبه، ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا يحرمنا أجره، وألا يفتننا بعده، وأن يغفر لنا وله، وأن يخلفه في أهله وذريته بخير ما يخلف به عباده الصالحين.


: الأوسمة



التالي
هذا المكرم من الله....فماذا صنعتم به ؟
السابق
نفائس ريسونية: العدل الحقيقي هو الذي يعترف به المستضعفون..

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع