البحث

التفاصيل

إسلام أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه ودخول دفعات جديدة في الإسلام

الرابط المختصر :

حلقات من كتاب السِّيرة النَّبويّة (عرض وقائع وتحليل أحداث) للدكتور علي محمد محمد الصّلابيّ الحلقة الثانية عشر (12) : إسلام أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه ودخول دفعات جديدة في الإسلام إنَّ التَّأمُّل في نقطة البدء بهذه الدَّعوة من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، والَّتي توجَّهت إلى امرأةٍ كخديجة رضي الله عنها، ومولىً كزيد بن حارثة، وصبيٍّ كعليِّ بن أبي طالبٍ، وبقيَّة أسرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ليدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ الدَّعوة الإسلاميَّة موجهةٌ لكلِّ النَّاس - صغيرهم، وكبيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، وسيِّدهم، ومولاهم - فلكلِّ هذه الشَّرائح الاجتماعيَّة من الرِّجال والنِّساء، والأطفال، والموالي دوره المنتظر في البناء الاجتماعيِّ، وإقامة الدَّولة، وانتشار الحضارة. وقد بدأت الدفعات تدخل في دين الله، وكانت أول البشارة إسلام صديق رسول الله الصديق أبي بكر رضي الله عنه، ومع إسلامه تحرك الرجال واستجابوا لنداءه ودخلوا الإسلام. 1. إسلام الصِّدِّيق أبي بكرٍ رضي الله عنه: كان أبو بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه أوَّل مَنْ آمن بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من الرِّجال الأحرار، والأشراف، فهو من أخصِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وفيه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوةٌ، وتردُّدٌ، ونَظرٌ، إلا أبا بكر، ما عَكَم حين دعوته، ولا تردَّد فيه» [البيهقي في الدلائل (2/164)]، فأبو بكرٍ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حسنةٌ من حسناته صلى الله عليه وسلم ؛ فلم يكن إسلامه إسلام رجلٍ، بل كان إسلامه إسلام أمَّةٍ، فهو في قريشٍ - كما ذكر ابن إسحاق - في موقع العين منها: - كان رجلاً مَأْلَفاً لقومه، محبباً، سهلاً. - وكان أنسب قريش لقريشٍ، وأعلم قريشٍ بها، وبما كان فيها من خيرٍ وشرٍّ. - وكان رجلاً تاجراً، ذا خلقٍ، ومعروفٍ. - وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر؛ لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته. لقد كان أبو بكر كنزاً من الكنوز ادَّخره الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وكان من أحبِّ قريشٍ لقريشٍ، فذلك الخُلُق السَّمح الَّذي وهبه الله تعالى إيَّاه جعله من الموطَّئين أكنافاً، من الذين يألفون، ويؤلفون، والخُلُق السَّمح وحدَه عنصرٌ كاف لألفة القوم، وهو الَّذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «أَرْحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بكرٍ» [أحمد (3/184 - 281) والترمذي (3790 و3791) وابن ماجه (154)] وعِلْمُ الأنساب عند العرب وعلم التَّاريخ هما أهمُّ العلوم عندهم، ولدى أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه النَّصيب الأوفر منهما، وقريشٌ تعترف للصِّدِّيق بأنَّه أعلمها بأنسابها، وأعلمها بتاريخها، وما فيه من خيرٍ وشرٍّ، فالطبقة المثقَّفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علماً لا تجده عند غيره غزارةً، ووفرةً، وسعةً، ومن أجل هذا كان الشَّباب النَّابهون، والفتيان الأذكياء يرتادون مجلسه دائماً، إنَّهم الصَّفوة الفكريَّة المثقَّفة الَّتي تودُّ أن تلقى عنده هذه العلوم، وهذا جانبٌ آخر من جوانب عظمته. وطبقة رجال الأعمال، ورجال المال في مكَّة، هي كذلك من روَّاد مجلس الصِّدِّيق، فهو إن لم يكن التَّاجر الأوَّل في مكَّة، فهو من أشهر تجَّارها، فأرباب المصالح هم كذلك قُصَّاده. ولطيبته، وحسن خلقه تلقى عوامَّ النَّاس يرتادون بيته، فهو المضياف الدَّمث الخُلُق؛ الَّذي يفرح بضيوفه، ويأنس بهم، فكلُّ طبقات المجتمع المكيِّ تجد حظَّها عند الصِّدِّيق، رضوان الله عليه كان رصيده الأدبيُّ، والعلميُّ، والاجتماعيُّ في المجتمع المكيِّ عظيماً، ولذلك عندما تحرَّك في دعوته للإسلام استجاب له صفوةٌ من خيرة الخلق، وهم: • عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، في الرَّابعة والثلاثين من عمره. • عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه، في الثَّلاثين من عمره. • سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، وكان في السَّابعة عشرة من عمره. • الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه، وكان في الثانية عشرة من عمره. • طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وكان في الثالثة عشرة من عمره . كان هؤلاء الأبطال الخمسة أوَّل ثمرةٍ من ثمار الصِّدِّيق أبي بكرٍ رضي الله عنه، دعاهم إلى الإسلام، فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادى، فأسلموا بين يديه، فكانوا الدِّعامات الأولى؛ الَّتي قام عليها صرح الدَّعوة، وكانوا العدَّة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهم أعزَّه الله وأيَّده، وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، رجالاً، ونساءً، وكان كلٌّ من هؤلاء الطلائع داعيةً إلى الإسلام، وأقبل معهم رعيل السَّابقين، الواحد، والاثنان، والجماعة القليلة، فكانوا على قلَّة عددهم كتيبة الدَّعوة، وحصن الرِّسالة، لم يسبقهم سابقٌ، ولا يلحق بهم لاحقٌ في تاريخ الإسلام . إنَّ تحرُّك أبي بكر رضي الله عنه في الدَّعوة إلى الله تعالى يوضِّح صورةً من صور الإيمان بهذا الدِّين، والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ صورة المؤمن الَّذي لا يقرُّ له قرارٌ، ولا يهدأ له بالٌ، حتَّى يحقِّق في دنيا النَّاس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعةً عاطفيَّةً مؤقَّتةً سرعان ما تخمد، وتذبل، وتزول، وقد بقي نشاط أبي بكرٍ، وحماسه إلى أن توفَّاه الله - جلَّ وعلا - لم يفتر، أو يضعف، أو يملَّ، أو يعجز. ونلاحظ: أنَّ أصحاب الجاه لهم أثرٌ كبيرٌ في كسب أنصارٍ للدَّعوة؛ ولهذا كان أثر أبي بكرٍ رضي الله عنه في الإسلام أكثرَ من غيره .بعد أن كانت صحبة الصِّدِّيق لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيةً على مجرَّد الاستئناس النفسيِّ؛ والخلقيِّ؛ صارت الأنسة بالإيمان بالله وحدَه، وبالمؤازرة في الشَّدائد، واتَّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانة أبي بكر، وأُنْسِ النَّاس به، ومكانته عندهم قوةً لدعوة الحقِّ فوق ما كان له صلى الله عليه وسلم من قوَّة نفسٍ، ومكانةٍ عند الله، وعند النَّاس . ومضت الدَّعوة سرِّيَّةً، وفرديَّةً على الاصطفاء، والاختيار للعناصر؛ الَّتي تصلح أن تتكوَّن منها الجماعة المؤمنة، الَّتي ستسعى لإقامة دولة الإسلام، ودعوة الخلق إلى دين ربِّ العباد، والَّتي ستقيم حضارةً ربّانيَّةً ليس لها مثيلٌ. 2. إسلام الدُّفْعة الثَّانية: جاء دور الدُّفعة الثَّانية بعد إسلام الدُّفعة الأولى، فأوَّل من أسلم من هذه الدُّفعة: أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن مخزوم بن مرَّة ابن عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم (برَّة بنت عبد المطلب)، وأخوه من الرَّضاع، والأرقم بن أبي الأرقم المخزوميُّ، وعثمان بن مظعون الجمحيُّ، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيلٍ، وقُدامة وعبد الله ابنا مظعونٍ، وفاطمة بنت الخطَّاب بن نفيل، أخت عمر بن الخطَّاب وزوجة سعيد بن زيد، وأسماء بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وعائشة بنت أبي بكرٍ الصدِّيق، وخباب بن الأرتِّ حليف بني زُهرة . 3. إسلام الدُّفعة الثالثة: أسلم عمير بن أبي وقَّاص أخو سعد بن أبي وقَّاصٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، ومسعود بن القاري، وهو مسعود بن ربيعة بن عمرٍو، وسليط بن عمرٍو، وأخوه حاطب بن عمرٍو، وعيَّاش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة، وخُنَيس بن حُذافة السَّهميُّ، وعامر بن ربيعة حليف ال الخطَّاب، وعبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عُمَيس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فاطمة بنت المجلَّل، وأخوه حطَّاب بن الحارث، وامرأته فُكَيهة بنت يسار، وأخوهما معمَر بن الحارث، والسَّائب بن عثمان بن مظعون، والمطَّلب بن أزهر، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنَّحَّام بن عبد الله بن أُسَيْد، وعامر بن فُهَيرة مولى أبي بكرٍ، وفهيرة: أمُّه، وكان عبداً للطُّفيل بن الحارث بن سَخْبَرة، فاشتراه الصِّدِّيق، وأعتقه، وخالد بن سعيد بن العاص بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيِّ، وامرأته أمينة بنت خلف، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمسٍ، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف، وخالدٌ، وعامرٌ، وعاقلٌ، وإياسٌ بنو البُكَيْر بن عبد يا ليل، وعمَّار بن ياسرٍ حليف بني مخزوم بن يقظة، وقال ابن هشام: عَنْسيٌّ من مَذْحج.وصُهيب بن سنان، هو (سابق الرُّوم). ومن السَّابقين إلى الإسلام: أبو ذرٍّ الغفاريِّ، وأخوه أُنَيْس، وأمُّه . ومن أوائل السَّابقين: بلال بن رباح الحبشيُّ. وهؤلاء السَّابقون: من جميع بطون قريش، عدَّهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً . وقال ابن إسحاق: ثمَّ دخل النَّاس في الإسلام أرسالاً من الرِّجال، والنِّساء، حتى فشا ذكر الإسلام في مكَّة، وتُحدِّث به . ويتَّضح من عرض الأسماء السَّابقة: أنَّ السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلام كانوا خيرة أقوامهم، ولم يكونوا - كما يحبُّ أعداء الإسلام أن يصوِّروا للنَّاس - من حثالة النَّاس، أو من الأرقَّاء؛ الَّذين أرادوا استعادة حرِّيَّتهم، أو ما شابه ذلك. وجانب الصَّوابَ بعضُ كُتَّاب السِّيرة لدى حديثهم عن السَّابقين الأوَّلين إلى الإسلام، فكان من كتابة بعضهم: «وتُحَدِّثنا السِّيرة: أنَّ الَّذين دخلوا في الإسلام في هذه المرحلة كان معظمُهم خليطاً من الفقراء، والضُّعفاء، والأرقَّاء، فما الحكمة في ذلك؟» ، وكذلك قولهم: «كان رصيد هذه الدَّعوة بعد سنواتٍ ثلاثٍ من بدايتها أربعين رجلاً وامرأةً، عامَّتهم من الفقراء، والمستضعفين، والموالي، والأرقَّاء، وفي مقدِّمتهم أخلاطٌ من مختلف الأعاجم: صهيبٌ الرُّوميُّ، وبلالٌ الحبشيُّ» . وقولهم: «فامن به ناسٌ من ضعفاء الرِّجال، والنِّساء، والموالي» . إنَّ البحث الدَّقيق يثبت: أنَّ مجموع من أشير إليهم بالفقراء، والمستضعفين، والموالي والأرقَّاء والأخلاط من مختلف الأعاجم هو ثلاثة عشر، ونسبة هذا العدد من العدد الكلِّيِّ من الدَّاخلين في الإسلام لا يقال عليه: «أكثرهم»، ولا «معظمهم»، ولا «عامَّتهم». إنَّ الَّذين أسلموا يومئذٍ لم يكن يدفعهم دافعٌ دنيويٌّ؛ وإنَّما هو إيمانهم بالحقِّ الَّذي شرح الله صدورهم له، ونصرة نبيِّـه صلى الله عليه وسلم ، يشترك في ذلـك الشَّريف، والرَّقيق، والغنيُّ، والفقيـر، ويتساوى في هـذا أبو بكـرٍ، وبلالٌ، وعثمـان، وصهيبٌ رضي الله عنهم . يقول الأستاذ صالح الشَّامي: نحن لا نريد أن ننفي وجود الضُّعفاء، والأرقَّاء؛ ولكن نريد أن ننفي أن يكونوا هم الغالبيَّة؛ لأنَّ هذا مخالفٌ للحقائق الثَّابتة، ولو كانوا كذلك؛ لكانت دعوةً طبقيَّةً يقوم فيها الضُّعفاء، والأرقَّاء ضدَّ الأقوياء وأصحاب السُّلطة، والنُّفوذ، ككلِّ الحركات الَّتي تقاد من خلال البُطون. إنَّ هذا لم يَدُرْ بِخَلَدِ أيٍّ من المسلمين وهو يعلن إسلامه، إنَّهم يدخلون في هذا الدِّين على اعتبارهم إخوةً في ظلِّ هذه العقيدة، عباداً لله، وإنَّه لمن القوَّة لهذه الدَّعوة أن يكون غالبية أتباعها في المرحلة الأولى بالذَّات من كرام أقوامهم، وقد آثروا في سبيل العقيدة أن يتحمَّلوا أصنافاً من الهوان، ما سبق لهم أن عانوها، أو فكَّروا فيها . لقد كان الإسلام ينساب إلى النُّفوس الطَّيبة، والعقول النَّيِّرة، والقلوب الطَّاهرة الَّتي هيَّأها الله لهذا الأمر، ولقد كان في الأوائل: خديجة، وأبو بكر، وعليٌّ، وعثمان، والزُّبير، وعبد الرَّحمن، وطلحة، وأبو عبيدة، وأبو سلمة، والأرقم، وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن جحش، وجعفر، وسعد بن أبي وقَّاص، وفاطمة بنت الخطَّاب، وخالد بن سعيد، وأبو حذيفة بن عتبة، وغيرهم رضي الله عنهم، وهم من سادة القوم، وأشرافهم . هؤلاء هم السَّابقون الأوَّلون، الَّذين سارعوا إلى الإيمان والتَّصديق بدعوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم .


: الأوسمة



التالي
الإفراج عن السيدة الفاضلة علا القرضاوي
السابق
حوار مع فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الريسوني حول علم المقاصد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع