البحث

التفاصيل

وقف الرسول صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وآله جزء من العقيدة وبشرى بفتح فلسطين

وقف الرسول صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وآله جزء من العقيدة وبشرى بفتح فلسطين

الشيخ الدكتور تيسير التميمي (عضو الاتحاد)

     بداية أوجه التحية والتقدير إلى القضاء الفلسطيني الذي انحاز إلى الحق والعدل ، بقراره التاريخي الذي صدر عن محكمة العدل العليا بتاريخ 8/6/2020م بإلغاء جميع القرارات الإدارية الصادرة عن الحكومة الفلسطينية باستملاك أرض سبتة في خلة المغاربة لصالح الخزينة العامة ثم تخصيصها لمنفعة البعثة الروحية الروسية ، وبإلغاء قرار تسجيلها في دائرة الأراضي وهبتها للكنيسة الروسية واعتبار هذه القرارات منعدمة كأن لم تكن .

     لقد جاء هذا القرار تتويجاً لمعركة قضائية وإعلامية وجماهيرية استمرت أحد عشر عاماً ، المعركة التي خاض غمارها بكل بسالة وإصرار وثبات على الحق علماء ووجهاء وشباب مدينة خليل الرحمن نصرة لعقيدتهم ودينهم وأرضهم المباركة ، مستلهمين بذلك مواقف قادة أمتهم وأخيارها وأحرارها من لدن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم والذين ضحوا بأرواحهم وجبلوا تراب هذه الأرض بدمائهم الزكية دفاعاً عنها وعن هويتها الإسلامية ،

     وهنا أشير إلى أبرز المواقف التاريخية والمبادئ الفقهية والقانونية في الدفاع عن هذا الوقف والتي تضمنتها مذكرة الاعتراض على تسجيل قطعة الأرض رقم 197 من الحوض رقم 34405 من أراضي الخليل موقع خلة المغاربة (سبتة) للبعثة الروحية الروسية المقدمة من قبلي إلى اللجنة البدائية لتسجيل الأموال غير المنقولة (التي لم يسبق تسجيلها) بصفتي ناظر وقف الصحابي تميم الداري أطالب فيها اللجنة بعدم تسجيل قطعة الأرض المذكورة للبعثة الروحية الروسية:

أولاً : إن هذا الوقف هو أول إقطاع من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الإسلام أقطعه للصحابي الجليل تميم بن أوس الداري وإخوته رضي الله عنهم ولأعقابهم من بعدهم ، ثبت بالأحاديث النبوية الشريفة التي بلغت درجة التواتر المعنوي كما قرر علماء الحديث ، ونصه {بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وإخوته ، حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بتٍّ بينهم ، ونَفَّذْتُ وسَلَّمْتُ ذلك لهم ولأعقابهم ، فمن آذاهم آذاه الله ، فمن آذاهم لعنه الله . شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ، وكتب علي بن أبي طالب وشهد } ومعنى نطية بَتٍّ أي عطية قطعية لا رجوع فيها ، فلا يحلّ لمسلم ولا لغيره أن يسلبه منهم ، وهو من الخصائص والمعجزات النبوية .

ثانياً : صان الخلفاء والحكام والسلاطون المسلمون وسائر الحكومات المتعاقبة على مدار التاريخ الإسلامي هذا الوقف منذ الخلافة الراشدة حتى اليوم ، بل حتى في زمن احتلال مدينة الخليل من الغزاة الصليبيين والتتار والانتداب البريطاني ؛ إلى أن جاءت حكومة الاحتلال الإسرائيلي فاستولت على أجزاء منه وأقامت على أرضه المغتصبات الكثيرة .

ثالثاً : لقد سبق أن اعترض أحد الولاة على آل تميم وأراد انتزاع قراهم منهم ، فاحتجَّ الداريُّون بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال القاضي أبو حامد الهروي الحنفي : هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميماً ما لا يملك ، فاستفتى الوالي الفقهاء ، وكان حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله صاحب كتاب إحياء علوم الدين الشهير حينئذ في بيت المقدس فقال [ هذا القاضي كافر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لى منها ... " وكان يُقْطِعُ في الجنة فيقول قصر كذا لفلان ، فَوَعْدُهُ صدقٌ وعطاؤُهُ حقٌّ ] ، فَخَزَي القاضي والوالي ، وبقي آل تميم على ما في أيديهم .

رابعاً : إن هذا الوقف صحيح وليس وقف تخصيصات ، والدليل على ذلك صدور قرارات عديدة عن المحكمة العليا التي اعترفت بموجبها حكومة الانتداب البريطاني بصحة وقف تميم الداري ، منها مثلاً القرار الموافق عليه ويحمل توقيع القاضي خليل الخالدي رئيس المحكمة في القضية الواردة إلى المحكمة المخصوصة المشكَّلة وفقاً للمادة 55 من دستور فلسطين لسنة 1922 وقانون صلاحية المحاكم النظامية والدينية لسنة 1925 والذي نص على صحة الوقف .

     والدليل على ذلك أيضاً الكتاب الذي كتبه السكرتير العام لحكومة فلسطين رداً على كتاب تلقاه من سماحة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 8/5/1935م بشان قيد الوقف في جداول ضريبة الأملاك والذي جاء فيه [ بشأن أراضي وقف تميم الداري فقد كلفت أن أفيدكم أننا قد أعلمنا مندوب ضريبة الأملاك في القرى بأن هذا الوقف قد اعتبر وقفاً صحيحاً بمقتضى القرارات الصادرة من المحكمة العليا في سنتي 1925 و1927 ] .

     وبناء على ذلك فالمحاكم الشرعية في فلسطين والتي كانت تتبع المجلس الإسلامي الأعلى في ذلك الوقت اعتبرت هذا الوقف وقفاً صحيحاً تسري عليه جميع الأحكام الشرعية والقوانين السارية على الوقف بموجب قوانين أصول المحاكمات الشرعية النافذة من تعيين المتولين والنّظّار ومحاسبتهم وإصدار أذونات تحكير أراضي الوقف ، وعليه فقد تم تحكير كثير من قطع الأراضي العديدة التي تعود لوقف تميم الداري لأفراد من غير المستحقين في الوقف ولمؤسسات عامة لخدمة أبناء المحافظة ، منها مثلاً تحكير قطعة أرض في موقع رأس أبو اكتيله (فرش الهوى) لجمعية أصدقاء المريض لبناء مستشفى لمعالجة المرضى في المحافظة (المستشفى الأهلي حالياً) بموجب حجة الإذن بالتحكير رقم 173/189/12 الصادرة عن محكمة الخليل الشرعية بتاريخ 28/1/1988 م .

     وهنا أنوه بأن دائرة أوقاف الخليل مسؤولة عن إدارة الأوقاف العامة ومنها أوقاف خليل الرحمن ، وليست مسؤولة عن إدارة وقف تميم الداري ، فهذا الوقف يتولى إدارته المتولُّون والنظار التي تقوم محكمة الخليل الشرعية بتعيينهم ومحاسبتهم ، وبإصدار القرارات المتعلقة بهذا الوقف من أحكار وغيرها .

خامساً : إن حكر هذه الأرض للبعثة الروحية الروسية ـ إن وُجِدَ فعلاً ـ قد سقط بحكم القانون لأن البعثة توقفت عن دفع بدل الحكر منذ أوائل ستينات القرن الماضي ، وسقط أيضاً لمخالفته النصوص الشرعية التي تحرم تحكيره لغير المسلمين.

سادساً : سبق أن أصدر رئيس المحكمة العليا رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي عيسى أبو شرار تعميماً بتاريخ 11/8/2009م برقم وارد 20/3180 موجهاً إلى المحاكم النظامية جاء فيه [ حيث إن الأراضي الوقفية لا يجوز بيعها أو التصرف فيها بأي وجه من وجوه التصرف وإنما يتم نقل المنفعة فيها بموجب الإذن بالتحكير الصادر عن المحاكم الشرعية حسب الأصول ، وعليه يرجى التأكيد على كُتَّاب العدل لديكم بعدم تنظيم أية وكالات دورية لنقل الملكية في الأراضي الوقفية ] ، وقد جاء هذا التعميم بناء على مذكرة التفاهم التي وقعت مني ومنه بصفتي  قاضياً لقضاة فلسطين في ذلك الوقت  .

     لكل ذلك فقد أكدتُ في مذكرة الاعتراض المشار إليها بأن تسجيل قطعة الأرض للبعثة الروحية الروسية مخالفٌ للأحكام الشرعية والنصوص القانونية وقرارات محكمة العدل العليا المذكورة ، وبأنه إخراجٌ للوقف عن كونه وقفاً صحيحاً ، وبأنه إيذاءٌ للموقوف عليهم وهم آل التميمي الذين ثبت نسبهم للصحابي الجليل تميم بن أوس الداري ، وبأن فيه تمليك هذه الأرض الإسلامية لغير المسلمين دون مسوّغٍ شرعي أو قانوني .

     وقد حذرتُ في نهاية مذكرة الاعتراض من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في الإنطاء النبوي ، فهذا الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان رحمه الله كان إذا مرَّ بقريتَيْ تميم يُعَرِّجُ عنهما ويقول [ أخاف أن تصيبني دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم].

     وختاماً فإنني أقرر وأكرر وأقول مجدداً: إن هذا القرار القضائي يعتبر سابقة قضائية يُعْتَمَدُ عليها في عدم جواز تدخل أية جهة في المساس بهذا الوقف النبوي الذي يعتبر جزءاً من عقيدة الأمة ، سواء في ذلك الجهات الإدارية والتنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها.

ــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

 


: الأوسمة



التالي
من فقه القرآن
السابق
المشاركون في ندوة الأسرة والقيّم يؤكدن أهمية الحفاظ على منظومة الأسرة ومحاربة الأفكار الهدّامة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع