البحث

التفاصيل

التصرفات الشرعية والقانونية في الوقف

التصرفات الشرعية والقانونية في الوقف

الشيخ الدكتور.  تيسير رجب التميمي

     أبرز التصرفات الشرعية والقانونية التي سأتناولها تحت هذا العنوان هي استبدال الوقف وتأجيره وتحكيره ، وبعد ذلك إن شاء الله سأتناول مسألة بيع الوقف وهبته ، وأبدأ اليوم بمسألة استبدال الوقف

     استبدال عقار الوقف بعقار آخر أو بنقود لشراء عقار بها لوقفه أو تعميره جائز على وجه الاستحسان إذا توفرت شروط صحة الاستبدال لأنه لا ينافي حكم الوقف وهو اللزوم ، وسواء في ذلك استعمال الواقف لفظ الاستبدال أو  البيع ، فلو قال " وقفتُ أرضي هذه على أن لي أن أستبدلها  بأرض أخرى أو أبيعها وأشتري بثمنها أرضاً تكون وقفاً مكانها " أو اقتصر على قوله " وقفتُ أرضي هذه على أن لي أن أبيعها وأشتري بثمنها أرضاً أخرى " ففي الحالتين يجوز الاستبدال . ووجه الاستحسان أنه لما جمع بين البيع والشراء دل على أنه يريد الاستبدال .

أنواع الاستبدال

1- أن يشترطه الواقف لنفسه أو لغيره أو لنفسه وغيره ، فالاستبدال فيه جائز بالاتفاق بين العلماء .

2- أن لا يشترطه الواقف سواء شرط عدمه أو سكت لكن صار الوقف بحيث لا ينتفع به أبداً بألاَّ يمكن استغلاله في شيء ، أو لا يفي بمئونته ؛ فهو أيضاً جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي الشرعي ورأيه لمصلحة الوقف .

3- ألاَّ يشترطه أيضاً ولكن فيه نفع للوقف وبدله خير منه ريعاً ونفعاً ، وهذا لا يجوز استبداله على الرأي الراجح .

     الخلاف في هذا النوع مفاده أنه يصح في الأرض إذا ضَعُفَتْ عن الاستغلال ، بخلاف الدار إذا ضعفت بخراب بعضها ولم تذهب أصلاً فلا يجوز الاستبدال فيها على كل الأقوال لعدم إمكان قياس الدار على الأرض ، فالأرض إذا ضعفت لا يُرْغَبُ غالباً باستئجارها أو شرائها ، أما الدار فيمكن استئجارها مدة طويلة لأجل تعميرها وترميمها .

     وإذا شرط الواقف ألاَّ يكون للقاضي كلام في الوقف فالشرط باطل وللقاضي الشرعي الكلام ؛ لأنه صاحب الولاية العامة على جميع الأوقاف الذرية والخيرية فهي من الولايات العامة ، ولأن نظره أعلى ، وهذا شرطٌ فيه تفويتٌ لمصلحة الموقوف عليهم وتعطيلٌ للوقف فلا يقبل .

شروط صحة الاستبدال

     يشترط لصحة الاستبدال سواء كان المستبدِل الواقفُ أو القاضي أو غيرُهما ما يلي :

1- ألاَّ يكون البيع بغبن فاحش ؛ وهو ما لا يدخل تحت تقويم الخبراء .

2- أن يخرج الوقف عن الانتفاع به نهائياً ، وألاَّ يوجد ريعٌ للوقف ليعمر به .

3- أن يكون المستبدِل قاضياً مشهوراً بالورع والتقوى وهو المعروف بالعلم والعمل .

4- ألاَّ يبيعه المتولي أو القاضي ممن لا تقبل شهادته ، ولا ممن له عليه دين .

5- ألا يباع بالعروض التجارية ، وهذا عند أبي يوسف ؛ لأنه لا يجيز البيع بالعروض للوكيل ، وهذا هو المفتى به والمعمول به في المحاكم الشرعية . أما عند أبي حنيفة فيصح البيع بالعروض ثم يبيعها بأحد النقدين ويشتري به بدل العقار المستبدل ، أو يشتري بالعروض بدلاً  .

6- ألاَّ يكون استبدال العقار الموقوف بالدراهم والدنانير حتى لا يتطرق الإبطال إلى الأوقاف إلا إذا بقيت موقوفة حتى شراء عقار آخر للوقف بها ، ولا يجوز توزيع الثمن على المستحقين ؛ لأن في هذا إبطالاً للوقف . ولا يشترط اتحاد الجنس ، فيجوز استبدال الدار بالأرض والأرض بالدار إن كان في ذلك منفعة .

     وقد اختلف في جواز الاستبدال بالدراهم والدنانير ، فمنعه ابن نجيم حيث زاد في كتابه البحر الرائق لصحة الاستبدال أن يكون البدل عقاراً لا دراهم ولا دنانير ؛ لأن النظار يأكلونها وقلَّ أن يشتروا بها بدلاً .

     ولكن صريح كلام قاضي خان يقتضي جواز الاستبدال بهما على أن يُشْتَرَى بالثمن عقاراً يكون وقفاً مكان الأول . وهذا هو المنقول في المذهب  .

شروط استبدال الوقف العامر

والوقف العامر هو غير الموات

1- أن يشترط الواقف الاستبدال لنفسه أو لغيره . ففي هذه الحالة يجوز له ولغيره الاستبدال ولو كان ذا ريعٍ ومنتفعاً به انتفاعاً كاملاً .

2- ألاَّ يشترط الواقف ذلك ولكن يمكن أن يستبدل الموقوف بما هو أنفع منه للوقف ؛ فيجوز للقاضي في هذه الحالة دون غيره الاستبدال على رأي أبي يوسف المفتى به والذي جرى عليه العمل في المحاكم الشرعية .

3- أن يغصِبَ الوقفَ غاصبٌ ويعجز المتولي عن استرداده ولا بَيِّنَةَ له على الغصب وأراد الغاصب أن يدفع قيمته أو يصالح عنه بشيء فيجوز ولو كان الموقوف ذا ريع ؛ ويشترَى بالقيمة عقاراً يكون وقفاً بدل الأول . وجواز الاستبدال في هذه الحالة بالقيمة أو بما دونها للضرورة .

     ويلحق بهذه الحالة نزع ملكية الأعيان الموقوفة للمنافع العامة .

4- أن يجري غاصب الأرض الماء عليها حتى تصير بحراً لا يمكن زرعها ، فإنه يجب على المتولي أن يضمنه قيمة الأرض ، ثم يشتري بها عقاراً يكون وقفاً بدلها .

أحكام عامة في الاستبدال

1- بمجرد شراء البدل يكون وقفاً بدل الأول ولا يحتاج إلى التصريح بذلك .

2- إذا تم الاستبدال فليس للواقف أن يكرره إلاَّ إذا شرط لنفسه ذلك في أصل الوقف مرة بعد أخرى .

3- إذا تم الاستبدال بالنقد فالثمن وقف كأصله : فلا تجوز قسمته بين الموقوف عليهم ، وتسري عليه أحكام وضع اليد على الوقف فلا يمتنع سماع الدعوى بالنسبة له إلاَّ بعد مضي ثلاث وثلاثين سنة بخلاف ريع الوقف ، وهو أمانة في يد البائع فلا يضمن إلاَّ بالتعدي أو الإهمال في حفظه ، وإذا مات البائع قبل أن يبين حاله كان ديناً في تركته .

4- لا يصح أن يصرف بدل الوقف في وجه من الوجوه إلاَّ في عمارة ضرورية لموقوفٍ آخر ؛ لكن بشرط إذن القاضي الشرعي واتحاد الواقف والجهة ، وبعد صرفه في العمارة يستغل ذلك الوقف العامر ويؤخذ من غلته بقدر الثمن المصروف ليشتري به ما يكون وقفاً مكان الأول .

إجراءات الاستبدال في المحاكم الشرعية

1- يرفع المتولي الأمر إلى القاضي الشرعي ؛ وذلك استناداً إلى المادة رقم (2) من قانون أصول المحاكمات الشرعية رقم 31 لسنة 1959 المعمول به في المحاكم الشرعية الفلسطينية والتي جاء في فقرتها الأولى [ تنظر المحاكم الشرعية وتفصل في ... الوقف وإنشاؤه من قبل المسلمين وشروطه والتولية عليه واستبداله وما له علاقة بإدارته الداخلية وتحويل المسقفات والمستغلات الوقفية للإجارتين وربطها بالمقاطعة ] .

2- يستعين القاضي بالخبراء للتحقق من أسباب الاستبدال وتوفر المصلحة للوقف ، وأن المستبدل به يحقق المصلحة للمستحقين وأن قيمته لا تقل عن قيمة المستبدل .

3- بعد توفر المسوغات الشرعية يرفع الأمر إلى المحكمة العليا الشرعية وذلك استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة رقم (9) من نظام المحكمة المؤقت والتي تنص على [ ترفع طلبات الحجج التالية إلى المحكمة لتدقيقها حتى تصبح قابلة للتنفيذ : أ- الطلبات المتعلقة باستبدال الوقف ] .

4- إذا تحققت المحكمة العليا الشرعية من ذلك فتصدر قرارها بتأييد تنسيب القاضي الشرعي بالاستبدال .

5- في المحكمة الشرعية الابتدائية المختصة يتم إلحاق حجة الاستبدال بالكتاب الذي أنشأ الوقف وتقرآن معاً على أنهما حجة واحدة .

6- تودع قيمة المستبدل في صندوق المحكمة الشرعية ؛ وتكون وقفاً حتى يتم شراء المستبدل به . وتسري على المستبدل به جميع الأحكام الشرعية والقانونية المتعلقة بالوقف





السابق
وزيرة سابقة تتهم حكومة جونسون بإقالتها "لعدم ارتياح زملائها" لكونها مسلمة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع