البحث

التفاصيل

حق الحضانة ومنهجية الاجتهاد الفقهي

حق الحضانة ومنهجية الاجتهاد الفقهي

د. معتز الخطيب

"يعني ربّنا ما قالش كده، إنتوا اللي قلتوا!

إحنا مين؟

إنتوا الشيوخ! ما هو في كل الكلام اللي قلته ده، إنتَ ما جِبتش سيرة ربّنا.

أيوا، ما هوّ ده الفقه.

أنا بسأل عن كلام ربّنا، مش عن الفقه.

وإنتِ هتفهمي كلام ربّنا لوحدِك؟

على أساس إن أنا ناقصة عقل.

أنا قلت لِك الكلام اللي اعرفه، أو إن جيتي للحقّ الكلام اللي حافظه وينفع أقوله.

وأنا أتحدّاك إن ربّنا ما قالش كده!

هوّ أنتِ ذاكرتي ودرستي علشان تتحدّيني؟!

الحاجات دي مش محتاجة دراسة. ربّنا عادل ورحيم. والرحيم مش هيحرِم أُم من عيالها".

أثار هذا الحوار من مسلسل "فاتن أمل حربي" حول حق الحضانة جدلاً واسعًا؛ لكونه يتضمن الكثير من الأفكار المغلوطة والمشوهة التي يجري إشاعتها بسلطان الدراما التلفزيونية التي تدخل كل بيت. وثمة مسلكان لمناقشة الحوار السابق:

المسلك الأول يركز على كاتب النص وتوجهاته ودوافعه، خصوصًا أنه دأب على إشاعة مثل هذا الأسلوب في معالجة القضايا المهمة في برامجه التلفزيونية التي لا يفتأ يفتي فيها في كل شيء صغُر أم كبُر. ومن صور هذا المسلك الكشف عن تناقض ما يدعو إليه كاتب الحوار مع سلوكه وممارساته، وقد طُرحت هنا صورتان جرى التركيز عليهما في وسائل التواصل الاجتماعي، ركزت الصورة الأولى منهما على رواية إحدى الصحفيات ممن عملن مع الكاتب لسنوات، حيث قالت إنه ساومها على إجازة من دون مرتب حين حملت بطفلها؛ وذلك لعدم قدرتها على المتابعة بنفس الكفاءة السابقة على الحمل، وقالت: إنه تم فصلها فيما بعد حتى لا تتحمل الصحيفة -التي كان كاتب الحوار السابق يرأس تحريرها- العبء الناجم عن حضانتها لطفلها. وركزت الصورة الثانية على المفارقة بين دأبه على تحطيم المقدس الديني من جهة، ودفاعه عن حق هؤلاء الذين يقدسون البقر من جهة أخرى.

المسلك الثاني يتغافل عن كل ما سبق، وينصرف لمناقشة الفكرة المطروحة في الحوار السابق، والتي يمكن أن نجدها لدى بعض الفسابكة الذين تحركهم نوازع وتوجهات مختلفة، بعضها يسعى لإنكار كون علوم الدين أحد التخصصات العلمية، وبعضها الآخر ربما تأثر ببعض التوجهات النسويّة التي تجعل من العلاقة الزوجية وما يتصل بها ساحة صراع قانوني على الحقوق من منظور نسويّ حصرًا.

من المؤسف هذا التسطيح الشديد للفقه الإسلامي الذي هو شديد التعقيد، وينطوي على تفاصيل ومصادر شديدة الثراء والتنوع، كما أنه يتوزع على مذاهب مختلفة ذات أصول وفروع وتاريخ غني بالممارسة في حضارة الإسلام بدولها المتعاقبة

وبعيدًا عن الصورة التي يرسمها الكاتب لشخصية الشيخ الأزهري الذي يحاور المرأة في الحوار السابق، وأنه "حافظ مش فاهم"، يتضمن كلام المرأة في الحوار السابق والذي يَصدُق عليه بدقة "الكلام اللي حافظه وينفع أقوله"، عدة أمور:

حصر مصدر التشريع في نص القرآن الصريح فقط، وما يفهمه كل قارئ ولو كان عامِّيًّا في مسائل الدين كحال بطلة الحوار السابق بل وكاتب الحوار نفسه.

استبعاد السنة النبوية وبقية المصادر من مصادر التشريع التي خُصص لها علم قائم برأسه وهو علم أصول الفقه والتي تشكل اليوم مصادر التقويم الأخلاقي أيضًا وبناء الحجج والتعليلات لتسويغ الأحكام والتقويمات.

الفصل التام بين الفقه والقرآن، وكأن الفقه لا يقوم على أي مرجعية قرآنية؛ رغم أن القرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع لدى الفقهاء والأصوليين.

وأن الدين ليس علمًا؛ إذ يكفي فيه التصورات السطحية والساذجة التي تجعل من كاتب المسلسل نفسه مفتيًا في الشأن الديني من دون الحاجة إلى أي مؤهلات.

وأن المفاهيم العامة والكلية (كالعدل الإلهي والرحمة الإلهية) صالحة -وحدها- لاجتراح أحكام

اعتبار تلك الأحكام مسائل بدهية معروفة للجميع، واختزال تعقيدات الحضانة المرتبطة بحقوق 3 أطراف هي المحضون والأم والأب، في حق الأم فقط وفق منظور نسوي ضيق

واعتبار أن الشكل الوحيد للرحمة الإلهية هو عدم "حرمان الأم" من ولدها؛ بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى أو تعقيدات ينطوي عليها واقع الحياة والعلاقات الاجتماعية، وبغض النظر عن أن الحضانة نفسها -بغض النظر عمن له الحق فيها- لا تعني حرمان الأب والأم من المحضون؛ لأن ذلك نفسه ضد مصلحة المحضونوبذلك تختل العلاقة الثلاثية التي نتحدث عنها والتي يراد اختزالها في منظور أحادي فقط. ثم إن الحضانة مسألة أسرية لها جانب قانوني تنفيذي في حالة الخصام بين الزوجين، ولا تعالج بمثل هذه التصورات العاميّة، وتُحسم في ساحة القضاء لا على شاشات التلفاز.

تتعلق هذه النقاط السبع التي يثيرها الحوار الدرامي السابق بمسألتين رئيستين:

الأولى: حق الحضانة الذي يريد كاتب الحوار أن يجعله للأم مطلقًا؛ بغض النظر عن أي اعتبار، وهو الوجه الظاهر من الحوار.

الثانية: الاجتهاد الفقهي الذي يريد كاتب الحوار أن يجعله سائلاً وشخصيًّا، في حين  أنه منهج علميّ دقيق لا صلة له بتوجهات الجنس أو النوع؛ خصوصًا أن التراث الذي احتوى على مناقشات تخص "ناقصات عقل ودين" (الذي وقعت الإشارة إليه في الحوار السابق)، هو نفسه الذي حكى لنا النشاط العلمي الذي مارسته نساء كثيرات، خصوصًا في مجال رواية الحديث والمشيخة، فالإمام المحدث ابن حجر الذي لم ير بأسًا في الحديث تلقى الرواية عن بعض النساء من دون الشعور بأدنى وجه من التناقض أو عدم الاتساق.

ومن المؤسف هذا التسطيح الشديد للفقه الإسلامي الذي هو شديد التعقيد، وينطوي على تفاصيل ومصادر شديدة الثراء والتنوع، كما أنه يتوزع على مذاهب مختلفة ذات أصول وفروع وتاريخ غني بالممارسة في حضارة الإسلام بدولها المتعاقبة.

والمفارقة أن مثل هذه الرؤية التبسيطية يتم طرحها في سياق شديد التعقيد حيث بات الاجتهاد الفقهي اليوم أكثر تعقيدًا مع وجود "قانون الدولة"، ومع تغير الأعراف والمفاهيم التي تشغل دورًا مهمًّا في تفاصيل العلاقات الاجتماعية التي كان فلاسفة اليونان والفلاسفة الإسلاميون يُدرجونها ضمن ميدان "الحكمة العملية"، وتحديدًا في "الحكمة المنزلية" أو تدبير المنزل الذي يختص بمنظومة الحقوق المتعلقة بالتشارك بين أطراف الجماعة المصغرة (المنزل).

وقد تنبه فلاسفة الإسلام الكبار إلى أهمية ومكانة الفقه الإسلامي ضمن الصناعة المدنية (العلم المدني المرتبط بالمدينة التي كانت أكبر تجمع)، فهذا أبو نصر الفارابي (توفي 339هـ) يوضح أن "صناعة الفقه هي التي بها يقتدر الإنسان على أن يستنبط تقدير شيء -مما لم يصرح واضع الشريعة بتحديده- على الأشياء التي صرح فيها بالتحديد والتقدير، وأن يتحرى تصحيح ذلك حسب غرض واضع الشريعة؛ بالعلة التي شرعها في الأمة التي لها شرع".

أعادني الحوار التلفزيوني السابق إلى ما حكاه أبو حيان التوحيدي (توفي 414هـ) من أنه حضر مجلسًا لبعض الرؤساء فتدافع الحديثُ بأهله على جده وهزله، فتحدى بعضهم الحاضرين وقال: "والله ما أدري ما الذي سوّغ للفقهاء أن يقول بعضهم في فرج واحد هو حرام، ويقول الآخر فيه بعينه هو حلال، والفرج فرج، وكذلك المال مال … ويختلفون هذا الاختلاف الموحش ويتحكمون التحكم القبيح ويتبعون الهوى والشهوة ويتسعون في طريق التأويل. هذا وهم يزعمون أن الله تعالى قد بين الأحكام ونصب الأعلام وأفرد الخاص من العام ولم يترك رطبا ولا يابسا إلا أودع كتابه وضمّن خطابه"، ومن اللافت أن أبا حيان يعد المسألة التي يثيرها هذا النقاش (وهي الاجتهاد الفقهي) من أصول الشريعة.

وقد تولى الفيلسوف الأخلاقي أبو عليّ مسكويه (توفي 421هـ) تصحيح هذه التصورات المغلوطة التي اختلط فيها الجد بالهزل والدعوى بالعلم، فقال معلّقًا على أبي حيان: "أما قول الفقهاء: إن الله تعالى بين الأحكام ونصب الأعلام ولم يترك رطبا ولا يابسا إلا في كتاب مبين، فكلام في غاية الصدق ونهاية الصحة. وكيف لا يكون كذلك وأنت لا تقدر أن تأتي بحكم لا أصل له من القرآن من تأويل يرجع إليه أو نص ظاهر يقطع عليه؟!".

ثم أوضح أن القرآن "لا يخلو مع ذلك من إنباء بغيب وإخبار عما سلف من القرون، ومَثَل لما نوعد به، وإشارةٍ إلى ما ننقلب إليه، وتنبيه على ما نعمل به من سياسة دنيا ومصلحة آخرة"، وأن الذي سوّغ اختلاف الفقهاء في أن يقولوا في شيء واحد إنه حلال وحرام هو الاجتهاد، وذلك أن مسائل كثيرة تُركت لاجتهاد أهل العلم بحسب ما تتعين فيه مصالح الناس، وتختلف فيه الأنظار والمناهج فلا يؤدي بالضرورة إلى أمر واحد في المسائل الاجتهادية.

وإذا ما عدنا إلى الحوار التلفزيوني السابق، نجد أن الاجتهاد الشخصي الذي يقدمه كاتب المسلسل على لسان الممثلة يقوم على حجة مفادها أن "ربّنا عادل ورحيم، والرحيم مش هيحرِم أُم من عيالها"، أي أن المفهوم العام للرحمة والعدالة الإلهيين يقتضي بقاء الحضانة للأم مطلقًا؛ ولا عبرة بأي عوامل أو تعقيدات أخرى، وأن الرحمة الإلهية تتحدد برعاية عاطفة الأم فقط، أي يغيب في الحوار حق المحضون نفسه، وحق الأب كذلك

تعالوا نتأمل الاجتهاد الفقهي، بنيته وحججه وتعليلاته لندرك حجم التسطيح الذي يدعونا إليه كاتب المسلسل. يقوم التصور الفقهي على أن الحضانة من الولايات، والولايات مبحث واسع في الفقه الإسلامي يقوم على قاعدة المصلحة، أي أن تصرف الولي منوط بالمصلحة التي هي معيار صحة تصرفاته من عدمها. وبما أن المقصود من الحضانة "حفظُ مَن لا يستقل بأموره، وتربيته بما يصلحه"، فإن المصلحة المعتبرة هنا هي مصلحة المحضون لا مصلحة الحاضن أو صاحب الولاية، مما يعني أن المقصود بالاهتمام هنا هو الطفل المحضون نفسه، والبحث عما هو أصلح له، لا الرغبة الأنانية لأحد الوالدين.

والمعيار الأخلاقي الحاكم هنا هو أن المحضون لا يستقل بنفسه؛ فهو بحاجة إلى غيره للقيام بما يُصلحه، وهو ما يسمى (vulnerability)، وهي معيارٌ متبع في حقل الأخلاقيات التطبيقية، وخاصة الأخلاق الطبية. ومن هنا كانت الحضانة واجبًا شرعيًّا؛ لأن المحضون قد يهلك أو يتضرر بإهمال حفظه ورعايته، وحفظه ودفع أي ضرر عنه واجب شرعي، فإذا لم يوجد غير الحاضن المعيّن (أمًّا كان أو غيرها) صارت حضانته واجبًا عينيًّا عليه، وإن وُجد أكثر من حاضن ولكن المحضون لم يقبل غير واحد منهم صارت الحضانة واجبًا عينيًّا على ذلك الذي اختاره المحضون، فإن تَعَدد الحاضن فالحضانة واجب كفائي يسقط بقيام أحدهم بها، ويأثمون جميعًا في حال إهمالهم جميعًا للمحضون.

والحضانة كذلك حقٌّ بالنظر إلى الحاضن والمحضون كليهما على الشكل الآتي:

فالحاضن إن امتنع عن الحضانة لا يُجبر عليها (إذا ما وجد أكثر من حاضن)؛ لأنها غير واجبة عليه بعينه، ولو أسقط حقه فيها سقط ويتولاها من بعده من المستحقين للحضانة. ولو لم يقبل المحضون غير أمه أو لم يوجد غيرها، أو لم يكن للأب ولا للصغير مال تعينت الأم للحضانة وتُجبر عليها.

ولا تختص الحضانة بالنساء من المستحقين لها، ولكن النساء يُقَدمن على الرجال؛ لأنهن أشفق وأرفق بالمحضون، وهن بها أليق وأهدى إلى تربية الصغار، ثم بعد ذلك تُصرف إلى الرجال؛ لأنهم أقدر على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار. وتحديد سنّ الحضانة هنا مسألة اجتهادية منوطة بمصلحة المحضون وتحديد من هو أنهض بها من غيره، وباختيار المحضون كذلك.

إن تزوجت الأم بأجنبي عن المحضون، فإن زواجها يُسقط حقها في الحضانة، وقد قال الإمام ابن المنذر: "أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم"، وقضى بهذا القاضي شُريحٌ، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد على الرواية الصحيحة عنه، وقول أصحاب الرأي. وهذا هو المفهوم من الحديث النبوي السابق الذي قال: "أنت أحق به ما لم تَنكحي"

وبناء على معيار النظر إلى مصلحة المحضون أولاً، فلا شك أن حضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائما بينهما، فإن افترقا فالحضانة لأم الطفل باتفاق، لحديث أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي.

ولكن الحوار الذي افتتحنا به هذا المقال يناقش صورة واحدة فقط من صور الحضانة، وهي حالة ما إذا انفصل الزوجان وتزوجت الأم من رجل آخر، فهل يُسقط ذلك حقها في الحضانة مطلقًا؟ هنا ميز الفقهاء بين حالتين:

زواجها بذي رحم محرم من المحضون وزواجها بغير ذي رحم محرم من المحضون.

 

فإذا تزوجت الأم بذي رحم محرم من المحضون فلا تسقط حضانتها عند جمهور الفقهاء، كما لو تزوجت الجدة بجد الصبي، أو تزوجت بقريب ولو غير محرم من المحضون، كابن عمه.

أما إن تزوجت الأم بأجنبي عن المحضون، فإن زواجها يُسقط حقها في الحضانة، وقد قال الإمام ابن المنذر: "أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم"، وقضى بهذا القاضي شُريحٌ، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد على الرواية الصحيحة عنه، وقول أصحاب الرأي. وهذا هو المفهوم من الحديث النبوي السابق الذي قال: "أنت أحق به ما لم تَنكحي"، وذلك أنها إذا تزوجت اشتغلت بحقوق الزوج عن الحضانة أولاً، ولم يتوفر في الزوج الجديد صلة رحم تدفعه إلى الحنوّ عليه والشفقة به؛ لأنه أجنبي عنه.

ونُقل عن أحمد بن حنبل رواية أخرى أنه فرَّق بين كون المحضون صبيًّا أو بنتًا، فإذا تزوجت الأم ومعها بنتٌ تبقى معها إلى 7 سنين، واستدل لهذا بحادثة أن عليًّا وجعفر ابني أبي طالب وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة ابنة حمزة بن عبد المطلب. فقال علي: ابنة عمي وأنا آخذها، وقال زيد: بنت أخي؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخى بين زيد وحمزة، وقال جعفر: بنت عمي وتحتي خالتها. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "الخالة أم"، وسلمها إلى جعفر. فجعل النبي لها الحضانة وهي مزوجة.

وقد أوضح الإمام أبو جعفر الطحاوي تأويل هذا الحديث، وأنه يتفق مع الحديث الأول؛ إذ إنه كان لابنة حمزة بن عبد المطلب يومئذ خالة ذات زوج غير ذي رحم مَحرم، فعادت حضانتها إلى عَصَبتها وهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وجعفر ابنا أبي طالب، وكان جعفر قد تزوج خالتها الأخرى أسماء بنت عُميس، ولهذا استحق حضانتها من جهتين: كونها عصبة لها، وكون زوجته خالتها، وبما أن خالتها كانت متزوجة من ذي رحم محرم لم تنقطع حضانتها أيضًا.

وبناء على هذه الأحاديث والتعليلات، جعل الفقهاء من شروط الحواضن من النساء ألا تكون الحاضنة متزوجة من أجنبي من المحضون؛ نظرًا لواجباتها كزوجة تجاه الزوج الجديد والتي يمكن أن تحمل على التقصير في حق المحضون أو تتصادم الحقوق: حق الزوج وحق المحضون. وبناء على تغليب مصلحة المحضون استثنى فقهاء المالكية حالات لا يسقط فيها حق الحاضنة رغم زواجها من أجنبي من المحضون، منها:

إذا علم من له حق الحضانة بزواجها وسكت سنة بلا عذر، فحينئذ لا تسقط حضانتها. فههنا اعتُبر عدم مطالبة من له حق الحضانة بها إسقاطًا لحقه، والأصلح للمحضون استمراره تحت رعاية أمه؛ فصمت من له حق الحضانة سنة كاملة دليلٌ على عدم اهتمامه بالمحضون ومَظِنَّة لوقوع التقصير في حقه. أن يرفض المحضون حضانة غير الأم فلا تسقط حضانتها في هذه الحالة؛ رعاية لحقه الذي يغلب أي حق آخر.

وألا يكون للولد حاضنٌ آخر غير الأم، أو أن يوجد غيرها ولكنه غير مأمون، أو عاجز عن القيام بمصالح المحضون، ففي هذه الحالة يكون الأصلح للمحضون بقاؤه مع أمه.

ولو تأملت الفروع الفقهية المتعلقة بالحضانة وتحديد شروط الحاضن، وترتيب المستحقين للحضانة، لوجدت أنها تدور على معيار الأصلح للمحضون أولاً؛ للعلة التي ذكرناها من قبل، وهي كونه في موقع الضعف والحاجة ومن ثم كان حقه مقدّمًا على كل حق.

فمن شروط الحاضنة من النساء مثلاً ألا تقيم بالمحضون في بيت من يبغض المحضون ويكرهه. ولو تأملت ترتيب الفقهاء للمستحقين للحضانة وجدت جمهورهم يقدمون -بعد الأم- أم الأم على غيرها في استحقاق الحضانة؛ نظرًا لكونها أشفق عليه فهي بمثابة أمه فتأخذ حكمها وتقدم على أم الأب، وقدم الشافعية البنت لشفقتها بالقرابة وهدايتها إلى التربية بالأنوثة.

وعند تساوي المستحقين للحضانة رجح الحنفية الأورع ثم الأسنّ، ورجح المالكية الأكثر صيانة وشفقة، ثم الأكبر سنا ثم أجروا القرعة بينهم عند التساوي في كل شيء، ورجح الشافعية والحنابلة الأنوثة عند التساوي بين الرجال والنساء؛ لأن الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان، وكلها معايير قائمة على ما هو الأصلح للمحضون، والله تعالى أعلم.





التالي
استعمال السواك ومعجون الأسنان للصائم
السابق
منظمات غير حكومية ماليزية تطلق حملة تضامن مع الفلسطينيين تندد بالهجوم الإسرائيلي على المسجد الأقصى

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع