البحث

التفاصيل

ميدل إيست آي: سياسات المحافظين ساعدت في تفكيك ثقافة التسامح في بريطانيا واستهدفت المسلمين

الرابط المختصر :

ميدل إيست آي: سياسات المحافظين ساعدت في تفكيك ثقافة التسامح في بريطانيا واستهدفت المسلمين

 

نشر موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني مقتطفات من كتاب صدر مؤخرا من تأليف الصحفي البريطاني بيتر أوبورن عرض فيه دور مركز أبحاث للمحافظين الجدد في تفكيك قيم التسامح ومبادئ التعددية الثقافية في المملكة المتحدة، يستهدف بالدرجة الأولى المسلمين هناك.

وفي مقال استعرض فيه الكتاب الصادر عن دار "سايمون آند شوستر" للنشر (Simon & Schuster)، أفاد الموقع بأن البعض ربما اعتقد عقب كارثة غزو العراق عام 2003 أن الأيديولوجيا التي قادت الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق أنتوني بلير لخوض تلك "المغامرة الدموية" قد فقدت مصداقيتها، إلا أن ذلك لم يحدث.

وقال إن المحافظين الجدد ما انفكوا يضعون معايير تحدد إلى درجة كبيرة معالم الخطاب السياسي، بينما ظل أنصار هذه السياسة يحتلون العديد من المواقع البارزة في الحياة العامة البريطانية والأميركية.

 

لماذا يخطئ الغرب بشأن الإسلام؟

ويقول بيتر أوبورن في كتابه الذي يحمل عنوان "مصير إبراهيم: لماذا يخطئ الغرب بشأن الإسلام؟" (The Fate of Abraham: Why the West is Wrong about Islam)، إن ثمة أسبابا عديدة وراء هذا التأثير. ففي بريطانيا هناك مركز أبحاث مقره في لندن اسمه "بوليسي إكستشينغ" (Policy Exchange)، وهو مؤسسة فكرية حافظت على جذوة المحافظين الجدد متقدة.

ومع أن اهتمام العامة بهذا المركز ضئيل، فإنه ظل يمارس تأثيرا مذهلا في الدوائر السياسية. وكان قد ارتبط في البداية بشكل خاص بالتسويق، وهي كلمة قبيحة حسب تعبير مقال "ميدل إيست آي" إذ إنها تصف كيف أن ضوابط ومعايير القطاع الخاص وجدت طريقها إلى النظام التعليمي والخدمة المدنية.

ويرى أوبورن -وهو صحفي مخضرم عمل في السابق في صحيفة ديلي تلغراف وحاز على عدة جوائز إعلامية وألف العديد من الكتب- أن الإنجاز الأهم للمركز ربما تمثل في إعادة صياغة السياسة الحكومية تجاه المسلمين البريطانيين.

ويستطرد بأن الحكومة والشرطة وأجهزة المخابرات اعتبروا في بادئ الأمر أن واجبهم يقتصر على إنفاذ القانون أكثر منه مراقبة الناس في عقائدهم أو معتقداتهم الشخصية.

 

أبو حمزة المصري مثالا

ولعل ما حدث للداعية الإسلامي أبو حمزة المصري -الذي لم يكن يخفي تعاطفه مع تنظيم القاعدة- يُعد في نظر أوبورن مثالا رائعا لهذا النهج من تعامل تلك الأجهزة مع المسلمين في بريطانيا.

فأبو حمزة، الذي كان إماما لمسجد فينسبري بارك في شمال لندن، استغل -برأي كاتب المقال- موقعه ذاك في الدعوة للجهاد "العنيف"، وكان بارعا في أن تبقى خطبه في إطار القانون.

ولقد أثار طرده المفاجئ من المسجد على يد المصلين -وليس الدولة البريطانية- الدهشة والاستغراب. واعتبر مؤلف الكتاب الذي نحن بصدده، أن هذا الطرد -الذي يصفه بالعملية الحساسة- نموذج قديم للعمل الاستخباري والمراقبة المجتمعية.

ويوضح أن جماعة المسلمين الذين أطاحوا بأبي حمزة المصري يعتنقون أفكارا تراها شرائح عديدة في المجتمع البريطاني عدائية. ومن بين أفراد تلك الجماعة متعاطفون مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس". وجميعهم دون استثناء تقريبا -بحسب أوبورن- مناوئون لغزو أفغانستان والعراق، ومستاؤون من احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة.

ويشير المؤلف في كتابه إلى أن لدى العديد من المصلين في مسجد فينسبري بارك آراء محافظة اجتماعية بشأن قضايا مثل الشذوذ الجنسي والمرأة "التي لم تعد تيارا سائدا في بريطانيا".

ولم تكن أيٌّ من تلك الآراء تزعج شرطة لندن، التي كانت سعيدة بالتعاون مع الجالية المسلمة في طرد شخصية اعتبروها تشكل تهديدا، في إشارة إلى أبي حمزة المصري.

 

القضاء على نهج التسامح البريطاني

وقد كان هذا النهج من "التعددية الثقافية" يُعد آنذاك من صميم نمط التعامل البريطاني، فطالما أن المهاجرين يتقيدون بالقانون فإنه مسموح لهم باستصحاب عادات وتقاليد البلدان التي أتوا منها.

على أن مركز "بوليسي إكستشينغ" قضى على نهج التسامح البريطاني، إذ وافق المحللون التابعون له على ضرورة أن تواجه الشرطة العنف، لكنهم اختلفوا بشدة في ما بينهم بشأن أي تسامح مع الأفكار التي يرون أنها قد تصبح مداخل لهذا العنف.

وقد تأسس المركز في 2002 على يد مجموعة من المحافظين الذين كانوا يخشون من أن حزبهم يتجه نحو المعارضة الدائمة وذلك في أعقاب الهزائم الثقيلة التي تعرض لها الحزب في الانتخابات العامة عامي 1997 و2001.

وأطلق هؤلاء على أنفسهم لقب "الحداثيين"، وقد كانوا معجبين أيما إعجاب بتوني بلير الذي كان حينها زعيما لحزب العمال، كما أيدوا الحرب على العراق.

وكان أولئك الحداثيون يعتقدون أن من واجبهم استنساخ إنجازات بلير التي أسهمت في نجاح حزبه.

وكان مايكل غوف، العضو البارز في حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أول رئيس لمركز "بوليسي إكستشينغ".

 

تأثير المركز على سياسات كاميرون

وعندما قرر ديفيد كاميرون الترشح لزعامة حزب المحافظين عقب هزيمة الحزب في انتخابات 2005، تطلع إلى المركز ليستقي منه أفكارا شكلت نمط تفكيره.

واستطاع المركز أكثر من أي منظمة مماثلة أخرى صياغة ما عُرف بعدها بفلسفة الطبقة البريطانية الحاكمة في القرن الــ21. واشتمل المركز عند إنشائه على وحدة للسياسة الخارجية والأمنية، لكن منشوراته وأدبياته لم تُبد اهتماما بالتطرف المحلي.

غير أن هذا الوضع تغير بعد تولي دين غودسون منصب مدير أبحاث الشؤون الدولية في 2005. وفسر غودسون على ما يبدو المهام التي أسندت إليه على أنها تفويض لاستحداث سياسة محلية تجاه المسلمين البريطانيين.

 

موضوع المسلمين كقضية سياسة خارجية

ويقول أوبورن في كتابه إن اليمين السياسي البريطاني درج على مناقشة موضوع المسلمين في البلاد كما لو أنه قضية سياسة خارجية، مضيفا أن مثل هذا التصرف لا ينبغي أن يشكل مفاجأة.

ومنذ عام 2005، بدا غودسون وكأنه يحمل على عاتقه مهمة "تمزيق" إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تبنتها الحكومات البريطانية المتعاقبة، فعمل على الترويج لنهج جديد في التعامل مع المسلمين عبر التقارير والندوات، ولا سيما الوسائط الإعلامية الأخرى.

وذهب غودسون إلى أن الوسائل التي استخدمتها الدولة البريطانية ضد الإرهاب -خاصة ضد الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)- لم تعد مجدية.

وكان رد فعل الدولة البريطانية الطبيعي -في مواجهة خطر "الإرهاب" عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك- أن استنسخت التجربة الأيرلندية.

 

كيفية تحديد المستهدفين

وتعرفت الشرطة على القادة ممن لهم صلات بالجاليات المحلية والذين رأت أنه من الممكن أن تثق بهم، فسعت إلى جذبهم للدخول في معترك السياسة البريطانية، ودعتهم للمشاركة في المحافل العامة وتوفير التمويل اللازم لهم.

وكانت الشرطة تهدف من وراء ذلك إلى تحديد الأفراد الذين يجنحون إلى العنف وعزلهم وجمع معلومات استخبارية حول أنشطتهم.

بيد أن مركز "بوليسي إكستشينغ" رأى أن تلك الإستراتيجية خاطئة "لأن الحكومة البريطانية لم تكن في مواجهة مع إرهابيين فقط". وكان ثمة شيء أكبر من ذلك بكثير يخطط له ويمضي على قدم وساق ألا وهو مواجهة الأيديولوجيات.

وبرأي المركز، فقد كانت بريطانيا ضمن زمرة من الدول، بقيادة الولايات المتحدة، منخرطة في حرب ضروس ضد مجموعة من الأعداء "القتلة" المتفرغين لمشروع يهدف إلى تدمير الحضارة الغربية. وهؤلاء "القتلة" -وفق تعريف المركز- هم "الإسلاميون الذين يعتنقون أيديولوجيا مميتة تُدعى الإسلاموية (الإسلام السياسي)".

مصطلح "الإسلاموية"

والإسلاموية -طبقا لموسوعة ويكيبيديا- مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره "نظاما سياسيا للحكم"، ويستخدم هذا المصطلح من قبل المجموعات السياسية المناوئة للإسلاميين.

ويقر المركز بأن ليس كل إسلامي عنيفا، إلا أنه رغم ذلك يرى أن "الإسلاموية" فكرة كان تتحتم محاربتها، وكان لا بد من هزيمتها في نهاية المطاف.

ووفقا لمركز "بوليسي إكستشينغ" أن الإسلاموية نظرة عالمية تلقن أتباعها أن الإسلام عقيدة سياسية شاملة، ومن ثم "يجب التعامل معها على هذا الأساس".

ويزعم المركز نفسه أن المنظور الإسلامي يقسم العالم أساسا إلى فلكين مختلفين هما "الإسلامي" و"البقية".

 

لا تفاوض مع الإسلاميين

وعلى ذلك ليس هناك مجال للتفاوض، فالإسلاميون -بنظر المركز- قد لا يقبلون قط بالديمقراطية، أو بسيادة القانون، أو بالمؤسسات السياسية أو بالدولة القومية. ولذلك لم تكن هناك جدوى من جذب المسلمين نحو معترك السياسة ما لم ينبذوا النعرة "الإسلاموية"، وفي هذه الحالة يمكن الترحيب بهم.

واستنادا إلى تحليل "بوليسي إكستشينغ"، فإن الهدف الجوهري من سياسة مكافحة الإرهاب لم يعد حماية المواطنين من العنف فحسب، بل التأكيد على أن الأمر يتعلق بالقيم الغربية في مواجهة "التطرف" الإسلامي المزعوم، حسب تعبير أوبورن.

ويمضي الكاتب إلى القول إن أول منشور أصدره المركز تطرق إلى تعاون الحكومة البريطانية مع ما اصطلح عليه فيما بعد باسم "الإسلام الراديكالي"، وكان من إعداد مارتن برايت الصحفي ذي الميول اليسارية، عندما كان المحرر السياسي لصحيفة "نيو ستيتسمان".

واستند برايت في منشوره على معلومات سربها مصدر من وزارة الخارجية البريطانية أقضت مضجعه علاقة الحكومة مع التنظيمات الإسلامية في الداخل والخارج.

 

"عقيدة خطرة تتعارض مع الغرب"

استهدف برايت في ورقته جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الإسلامي البريطاني حيث اتهمهما بـ"الترويج لعقيدة خطرة تتعارض مع الغرب".

وخلص مقال "ميدل إيست آي" إلى أن أفكار مركز "بوليسي إكستشينغ" أحدثت تغييرا في بريطانيا وجعلت مفهوم المواطنة على غرار النمط الأميركي حيث يتوقع من الواصلين الجدد إلى أراضيها التخلي عن هوياتهم السابقة والانخراط في بوتقة واحدة ينصهر فيها الجميع.

ولم يكن مشروع المركز المذكور سوى محاولة لتدمير الهوية البريطانية من حيث أراد إنقاذها، ولم يكن من الممكن أن تكتب لحججه تلك النجاح دون دعم من حلفاء أقوياء على رأسهم حزب المحافظين، على حد تعبير أوبورن.

 

المصدر: الجزيرة + ميدل إيست آي





التالي
القدس.. قوات الاحتلال تهدم مبنى عائلة الرجبي وتشرد العشرات من سكان المدينة ومطالبات بمعاقبة إسرائيل والفصائل تحذر
السابق
عضو الاتحاد فرج كندي يكتب .. أصل الإنسان ونظرية الصدفة في فكر علي عزت بيجوفيتش

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع