البحث

التفاصيل

القول الرشيد فيمن غير منار الشهيد!

القول الرشيد فيمن غير منار الشهيد!

بقلم: د. محمد الصغير

 

عزفتُ عن المشاركة في الجدل المثار في حينه حول وصف الصحفية الفدائية والنبيلة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة بالشهيدة، لأن في ذلك انحرافًا بالبوصلة وتغييرًا للوجهة عن كشف دموية الاحتلال، وأنه لا يفرّق بين الدماء المعصومة، فهم قتلة النساء والأطفال، ولا يرون حرمة للصحفيين أو المُسنين، ولعل في عودة صورة استشهاد الطفل محمد الدرّة والربط بين المشهدين ما أكد ذلك.

ثم إن الموقف موقف فَقد، وجلال الموت يقتضي العزاء‏ والمواساة، لكن أفلح جماعة من مدخولي الطوية في صرف وجهة الدهماء وبعض حَسَني النية عن طبيعة المعركة، واستغلال كل تفاصيل اغتيال شيرين أبو عاقلة والاعتداء على جنازتها إلى نقاشات فرعية.

ودخل على الخط جماعة من غلاة العلمانية، اغتنموا الفرصة لجعلها جولة من التشكيك في الأحكام وزعزعة الثوابت، لكن الرزية كانت في ما صدر من آراء وفتاوى لدعاة وعلماء أفرغوا معنى الشهادة من أصلها الشرعي، كمنزلة في الجنة ودرجة إيمانية تأتي بعد النبوة والصدّيقية {فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا}، وأرادوا الوقوف بالمصطلح الشرعي المحدد عند معناه اللغوي الواسع، وفتح هذا الباب يجعل الصلاة مجرد دعاء حسب أصلها اللغوي، والحج من جملة السياحة، وهذه جناية لا تبقي ولا تذر!

وليس معنى هذا أننا نُحَرّج على الجماعة الصحفية إطلاق وصف “شهيد الصحافة” على شهدائهم، أو إطلاق أهل أي ديانة الوصف ذاته حسب معتقداتهم، ولكن لماذا ضاقت قواميس الديانات الأخرى عن أوصاف التمجيد ودرجات التكريم حتى أصبح لزامًا علينا أن نغيّر حكمًا شرعيًّا، ونجعله مشاعًا مسايرة لتطييب المشاعر؟

أمّا عالم الشريعة الذي هو من أعلام المُوقّعين، فعليه إدراك أن كلامه لا ينبغي أن يخرج عن إطار الاصطلاح الشرعي ومراعاة البعد العقدي، لأن الناس يتلقون عنه من هذا السبيل، وإلا كان معولًا في يد من يهدمون الثوابت، ومن يريدون إزالة الفوارق، من دعاة الإنسانية قبل الإسلامية، أو سدنة الديانة الإبراهيمية، الذين قدّمت لهم هذا الآراء خدمة جليلة، وقدّمتهم خطوة في طريق تمييع العقائد وتجاوز النصوص والثوابت، حتى لا يبقى لأصحاب كل دين ما يميّزهم، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقال جلَّ ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}.

وأصبحنا مع هذه الآيات المحكمات والبيّنات القاطعات -نظرًا لما أثير من شُبَهٍ ومغالطات- في حاجة لتأكيد بعض المُسلَّمات، ومنها أن أحكام الإسلام تجري على الظاهر، وليس علينا البحث عن السرائر، ومن هنا يأتي الوصف بالكفر أو الإيمان وما يتعلق بهما من أحكام، وأن الجنة لمن آمن بالله وحده، واتبع ما جاء به نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم، والنار لمن كفر بذلك وصد عنه، ولا دخل في هذا للبشر، والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. محمد الصغير، الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
القدس.. قوات الاحتلال تقتحم المقبرة وتقمع المشيعين وتعتدي على جنازة الشهيد وليد الشريف

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع