البحث

التفاصيل

الحريةُ... ودعوى التحرر

الحريةُ... ودعوى التحرر

بقلم: د. أحمد سميرات – عضو الاتحاد

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.

 وبعد:

فما من إنسانٍ إلا وينشدُ الحريةَ، ويريدُ أن يستنشق عبيرها، ويحيا بعيداً عن كل القيود، الحريةُ مطلبٌ فطري وغريزي لكل مخلوق،

جُبل الإنسان على الحرية فهو دائما في ارتقاء،

الحرية فيها السعادة والاطمئنان،

اعطني حريتي اعطك كل الحياة

اعطني حريتي اعطك الأمل كله

اعطني حريتي اعطك ما تشاء.

ولكن يا ترى هل الحرية مطلقه لا قيود لها؟

أم أن الحرية لها حدود؟

وكيف تكون الحياة إذا أطلقنا للحرية العنان؟

خلق الله جل وعلا الخلق لا سيما البشر منهم وجعل لهم دستوراً وقانوناً ينظمُ حيتهم.

وأوجد لهم فيه سعادتهم وحياتهم خالية من ضنك العيش وسوء السير فيها.

كَفِلَ فيه لكل واحدٍ حريته بما لا تتضارب وتتعارض مع حرية غيره.

وكأني بلسان حال الإنسان يتحدث عن حقه في الحرية فيقول: أليس من حقي ان اعيش؟

أوليس من حقي أن أعبد مَن أريد؟ أوَلَيس من حقي أن أمتلك ما أريد؟ أوِلَيس من حقي أن استعمل غريزتي وقت ما أريد؟

 أوِلَيس من حقي أن أقول ما أريد؟

أوِلَيس من حقي أن أتناول من الطعام والشراب ما أريد؟

اقول: نعم كَفِلَ لك الدستور الرباني الذي خلق جل وعلا البشرية عليه كل ذلك، ولكن نظم حاجاتك وقيدها واجعل لها حدوداً كي يعيش ويحيا كلٌ منّا بأمنٍ وأمانٍ وسكينةٍ واطمئنان.

نعم كَفِلَ لك حرية العيش ولكن ليس على حساب حياة الآخرين تقتل وتفتك وتسفك الدماء لتحيا انت ويموت غيرك فقد قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ..)، وقال أيضا: (..فإن قاتلوكم فاقتلوهم..) وقال: (..فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ..)

فقد منع قتل النفس إلا بالحق، كما منع الاعتداء على الآخرين، فغيرك من حقه أن يعيش كما هو من حقك انت كذلك.

فالحياة حق وملك للجميع بغض النظر عن النوع والجنس والدين.. لا يجوز أن يحتكرها بعض الناس ويحرموا غيرهم منها.

نعم لك أن تختار إلهً تعبده فقال جل وعلا: (فاعبدوا ما شئتم من دونه) وقال: (لا اكراه في الدين)،

ولكن ليس لك أن تخضع غيرك بالقوة أن يعبد ما تعبد ، إلا أن الدستور الإلهي جاء فيه (إن الدين عند الله الإسلام..)، وكذلك (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

 إذا اخترت الدين الذي أراده الله لك فقد فزت ونجوت وعشت حياة السعداء والكرماء، وما ذلك إلا لاختيارك ما اختار الله لك.

وإذا اخترت غير ما أراد الله لك، فلن تُكره على تغيير اختيارك، ولكن اعلم أنك ستعيش حياة الشقاء والضلال في الدنيا لأنك خالفت فطرتك التي فطرك الله عليها، وفي الآخرة عذاب جهنم خالداً فيها ابدا.

 إذن أعطيت حرية العبادة ولكن ليس على اطلاقها لأن القيد فيه صلاح حالك وحال غيرك، وبغيره سيكون شقاؤك وشقاء غيرك.

نعم كَفِل لك الدستور الرباني حق التملك فلك ان تمتلك المال والألة والمركبةَ والأرض والعقار وغيره، ولكن نظم لك هذا الحق فجعل كل ذلك حق لك بطريقٍ حلالٍ مشروعٍ لا تجاوزَ فيه على حق غيرك،

فحرم السرقة وهي ان تأخذ مال غيرك بغير حق قال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا..) وقد رتب عقوبة على مَن تعدى فقال جل وعلا: (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما)، ومثله الاختلاس  والسلب وحرم الرِشوة فقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما)، وحرم الغش فقال ايضاً (من غش فليس منّا) وحرم قطع الطريق ونهب واكل امول الناس بالباطل فقال جل وعلا: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتّلوا او يُصلّبوا او تّقطّع ايديهم وارجلهم من خلاف او يُنفَوا من الأرض) وقال أيضا: ( ولا تأكلوا امولكم بينكم بالباطل) وحرم الربا والذي هو كسب غير مشروع يأخذ اموال الناس بغير وجه حق فقال جل وعلا: (واحل الله البيع وحرم الربا) واجاز القرض او الدَين وأمر بكتابته حفظاً للحقوق فقال (إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه)

وأمر بالزكاة والصدقة والنفقة في سبيل الله وأحل البيع والتجارة بشتى انواعها وفق قانون الحلال والحرام، ونظم التملك عن طريق الميراث فلكلٍ نصيبه وفرضه كما حدده الدستور الرباني، إذ لا يجوز لأحدٍ من الورثة أن يأخذ حق غيره.

 

نعم خلق الله تعالى في كل إنسانٍ غريزة جنسية فطرية وجعل لك حرية فيها، إلا إنّها حرية منضبطة بضوابط الشرع  والدستور الذي خُلق وجُبل عليه البشر، فضبط هذه الفطرة بالزواج فقال تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها)

وقال: (هو الذي خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها)

وقال تعالى: (وخلق منها زوجها) فالله تعالى أجاز لك ان تتزوج من النساء مثنى وثلاث ورباع او واحدة او ما ملكت يمينك، وحرم الزنا ودواعيه فقال جل وعلا: ( ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)

وقال جل شأنه: (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهم مئة جلدة) ورجم النبيُ صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك والمرأة الغامدية اللذَين زنيا حتى الموت.

وما حرم الله الزنا ودواعيه الا حفاظاً على اعراض الناس وحتى لا تتداخل وتختلط الأنساب بعضها ببعض ولما فيه من أمراض اجتماعية وصحية على الرجل والمرأة على حدٍ سواء.

إذن حرية غير مطلقة قوامها افعل ما شئت ولكن في إطار ما شُرِع لك.

 

نعم لك حرية الكلام والحديث والتعبير قل ما تشاء ولكن ليس لك أن تتخطى الخطوط الحمراء فتقع في الضلال والزلل  فتهلك.

فهناك مقدسات لا يجوز مسها والتطاول عليها كمقام الذات العلية ومقام الرسل والأنبياء فقال جل شأنه: (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهم عذابا مهينا) وحرم الوقوع في أعراض الناس والمسلمين منهم وحرم قذف المحصنات  (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما عظيما) وقال (ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم)

قال تعالى (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)

وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً او ليصمت).

ولو اُطلق عنان اللسان في الناس يتخوّضُ في أعرضم لهلك وهلك معه صاحبه

نعم اباح لك حرية الطعام والشراب فالاصل في المطعومات الاباحة الا ما ورد نص بتحريمها، على العكس من الأعراض والدماء فالاصل فيها التحريم الا ما ورد نص خلاف ذلك

اذا تأملت فيما اباح الله لك من المطعومات والمشروبات لوجدتها كثيرة لا حصر لها، إلا ان من الطعام والشراب ما حرمه الله عليك فليس لك ان تقربه ابدا كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ) كما حرم سبحانه الخمر الذي يذهب

العقل فقال تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) وقال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)

ويقاس على الخمر كل ما يؤثر على العقل سلباً كالمخدرات والحشيش وكل أشكال وأنواع الافيون والمنشطات حتى يصبح متعاطيها كالمجنون او كالبهائم او اضل.

 

اقول هذه المخدرات أخطر شيء على البشرية جمعاء؛ فتكت بكثير من الشباب والفتيات واضاعتهم ايّما ضياع حتى ادمنوا عليها فلا يستطيعون العيش بدونها. والمسؤولية كل المسؤولية على الدولة التي من واجباتها الحفاظ على المواطن، صحته، وعقله، ودينه، وتربيته،... الدولة من واجباتها رعاية مواطنيها وحمايتهم من مخاطر الحياة وحمايتهم من كل ما يؤذيهم.

ومن واجبات الدولة تربية مواطنيها وتثقيفهم وتعليمهم وارشادهم إلى الخير وتحذيرهم من كل ضلال وغَيّ وزلل وذلك من خلال وزاراتها؛ كالتربية والتعليم والأوقاف من خلال منابر الجمعة ودروس الوعظ والارشاد ووزارة الثقافة والشباب وهكذا.

وذلك لان المواطن صحيح العقل سوي البدن  سليم العقيدة والدين  صافٍ السريرة سيكون اول من يفدي الوطن بنفسه وأهله وماله، وسيظل الوطن منيع الجناب عصيٌ على من اراده بسوء.

 

واخيراً لك حرية اللباس وما فيه ستر العورة للرجل والمرأة، إذ ليس لأيٍ كان ان يلبس لباسا يخدش الحياء عند المرأة او يخرم المروءة عند الرجال قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فالضابط في اللباس الشرعي للمرأة باختصار هو ما جاز لها أن تقف به بين يديّ ربها في الصلاة، جاز لها أن تخرج به من بيتها، اما ما نراه اليوم في الأسواق والطرقات والجامعات وغيرها ما هو  إلا فتنة من الشيطان وأعوانه من الأنس يزينون لأبنائنا وبناتنا الحرام حلالاً حتى يخرجن من بيوتهن ينطبق عليهن قول القائل (نَسِيِنَ أن يلبَسنَ ثيابهن) وهذا ما اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كاسيات عاريات على رؤسهنّ كأسنمة البخت)

علينا أن نعلم نحن المسلمون أن دعوى التحرر وعدم الالتزام بالقيود والحدود والضرب بشرع الله عرض الحائط والهرولة وراء ما يسمى ب (الموضة) و (المديل) ومتابعة سَنَنَ الغرب والغربان ما هو إلا ليبتعد شبابنا وفتياتنا الذين هم عصب الأمة وحياتها وعمودها الفقري ليبتعدوا عن دينهم وشرعهم وعقيدتهم وسنة نبيهم ليضْعُُف الوازع الديني في قلوبهم ويُهزم جيل الإيمان ويأتي جيل الطغيان فينقض أعداء الأمة ودعاة التحرر والديمقراطية والفساد ينقضوا على الأمة فتكون لقمة سائغة لهم.

نعم هم يحاولوا ويخططوا  وينفقوا أموالهم في سبيل ذلك ويحشدوا جيوشهم لتحقيق مآربهم ولكن أنّى لهم ذلك فإن الله لهم بالمرصاد 

وباختصار شديد فإن الله تعالى ما حرم شيئا الا لأن فيه فساد وأذى وضرر على الناس، وما اباح شيئا الا لأن فيه مصلحة للبشرة.

نصيحة للشباب والفتيات، لن ينفعكم لباس مَن لا دين عنده، لن تنفعكم موديلات وموضة الغرب والشرق، لا تكونوا اضحُوكة أو العُوبة بأيديهم، فإنهم يبحثون عن خلع ملابسكم وكشف عوراتكم وترك دينكم؟ إنهم لا يريدون أن يحققوا لكم السعادة كما تظنون، فعليكم بكتاب الله وسنة رسوله ففيهما النجاة في الدنيا والآخرة.

اسأل الله تعالى أن تعود الأمة وترجع إلى رشدها وصوابها وأن يهدي الله شباب الأمة ليتمسكوا بكتاب الله تعالى وسنة نبيه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم





السابق
العفة وضبط النفس من سمات الشخصية السوية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع