البحث

التفاصيل

(منزلة الصلاة وأهميتها...)

(منزلة الصلاة وأهميتها...)

اقتباسات من كتاب "فقه الصلاة" " لمؤلفه الشيخ العلاّمة يوسف القرضاوي – رحمه الله

 

الحلقة: الثانية

 

للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة، فهي عمود الإسلام، وعبادته الأولى، وفريضته الكبرى، التي لا يقوم إلا بها، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد".

ولأهمية الصلاة يجعلها القرآن الكريم صفة جوهرية من صفات المتَّقين تتلو الإيمان بالغيب: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:2-3].

ويبدأ بها أوصاف المؤمنين المفلحين، ويختمها بها: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1-11].

وينذر بالويل والهلاك من يسهو عنها حتى يضيع وقتها: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5].

ويدمغ بالذم واستحقاق الغي خَلَف سوء الذين {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59].

بل بترك الصلاة وتضيعها يُسلك الإنسان مع المجرمين في سقر، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:38-47].

ويجعلها الرسول صلى الله عليه وسلم الدليل الأول على التزام عقْد الإيمان، والشعار الفاصل بين المسلم والكافر، ففي الحديث الصحيح: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة". "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".

وعن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.

وذكر الصلاة يومًا فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة من النار يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا نجاة ولا برهانًا، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيِّ بن خلف".

قال العلماء في توجيه هذا الحديث: من شغله عن الصلاة ماله، فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه، فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته، فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته، فهو مع أبيِّ بن خلف.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من فاتته صلاة، فكأنما وُتِرَ أهله وماله". أي أصيب في أهله وماله، وأصبح بعدهم وَتْرًا فردًا، فإذا كانت هذه كارثة من فاتته صلاة، فكيف بمن فاتته الصلوات كلها؟!

وهي أول ما يُحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، فصلاحُ عمله وفساده بصلاح صلاته وفسادها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أولُ ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلَحت صلَح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله".

وهي آخر ما يُفقد من الدين، فإذا ذهب الدين لم يبقَ شيء منه، فعن أبي أمامة مرفوعًا: "لتنقضن عُرى الإسلام عروة عروة، كلما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضًا الحُكم، وآخرهن الصلاة".

وهي آخر وصية أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، فعن أم سلمة، قالت: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةَ الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم". حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يُلجلجُها في صدره، وما يُفيص بها لسانه. أي: ما يَبِين بها كلامه.

ولأهميتها أُمِر النائم والناسي بقضائها، فعن قتادة، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك". قال قتادة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].

وهي فرض على كل مسلم، رجل أو امرأة، شابٍّ أو شيخٍ، صحيحٍ أو مريض، مقيم أو مسافر، خفيف أو ثقيل، لا تسقط عن المسلم ما دام في رأسه عقل يعي، حتى الكسير والجريح، والمُقعد والمريض، يصلي كل منهم كيف استطاع، ولا يترك الصلاة. وكذلك المقاتل في الميدان يصلي كما تيسَّر له، راجلًا أو راكبًا، في دبابته أو مصفحته أو طائرته، ولو بغير ركوع وسجود، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:238، 239].

ولهذه المكانة كانت أول الصلاة عبادة فرضت على المسلمين، فقد فُرضت في مكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وكانت طريقة فرضيتُها دليلًا آخر على عناية الله بها، إذ فُرضت العبادات كلها في الأرض، وفرضت الصلاة وحدها في السماء، ليلة الإسراء والمعراج، بخطاب مباشر من الله رب العالمين إلى خاتم المرسلين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذه الحلقة مقتبسة منكتاب "فقه الصلاة" " لمؤلفه الشيخ العلاّمة يوسف القرضاوي – رحمه الله





التالي
بمناسبة مولد نبينا الكريمﷺ عضوات الاتحاد ينظمن لقاءا تواصليا عبر الزووم بعنوان "ربيع النور"
السابق
"القضاء المصري مخجل".. السلطات المصرية تدرج العلّامة الراحل يوسف القرضاوي وآخرين على قوائم الإرهاب

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع