البحث

التفاصيل

تطبيق صيغة الوقف على التكافل (1) التأصيل الشرعي للتأمين التكافلي

الرابط المختصر :

تطبيق صيغة الوقف على التكافل (1) التأصيل الشرعي للتأمين التكافلي

بقـلم: د. أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

مقدمة:

أولا: مهمات شركة التأمين التكافلي.

ثانيا: تطبيق صيغة الوقف على التكافل.

رابعا: تجربة ناجحة.

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد؛

لقد اتفق أغلب العلماء المعاصرين والمجامع الفقهية والندوات والمؤتمرات التخصصية على حرمة التأمين التجاري التقليدي، وعللوا هذا الحكم بما يلي:

1- محفظة التأمين التقليدي ليست مستقلة من أموال الشركة، وجميع ما يدفعه المستأمنون من أقساط التأمين تكون مملوكة للشركة.

2- عقد التأمين التقليدي عقد معاوضة بين المستأمن والشركة، يدفع حامل الوثيقة بموجبه أقساط التأمين إلى الشركة، وتدفع الشركة إليه مبالغ التأمين، عند توافر الشروط، من أموالها المملوكة لها.

3- عند البحث في معاملات التأمين التقليدي نجده يشتمل على الغرر والقمار والربا.

4- الأرباح الحاصلة من استثمار الأقساط مملوكة كلها في التأمين التقليدي للشركة بحكم كون الأقساط مملوكة لها، ولا حق لللمستأمنين في هذه الأرباح. أما ما يستحقونه من مبالغ التأمين أو التعويضات عند الأضرار المؤمن عليها فإنما يستحقونه بحكم عقد التأمين، لا من حيث كونهم مساهمين في الاستثمار.

5- لا يستحق المستأمنون فى التأمين التقليدي أية حصة فى الفائض التأميني، إذ يكون مملوكا بكامله للشركة، وهو الربح المقصود لها من وراء عمليات التأمين.

والبديل المقترح هو التأمين التكافلي، على أن يكون التعامل فيه على أساس التبرع دون المعاوضة، لإن الغرر إنما يحرم فى عقود المعاوضة، لا فى التبرعات[1]. ومن أجل تطبيق هذا المبدأ على نطاق أوسع من نطاق التأمين التعاوني أو التبادلي، اقترحوا أن؛

“يقوم مجموعة من المساهمين بتكوين شركة مساهمة تسمى شركة التكافل أو شركة التأمين الإسلامي”. وعلى هذه الأساس تتلخص عمليات التكافل في أمور ثلاثة.

الأول: التبرع من قبل حامل الوثيقة إلى محفظة التأمين التكافلي.

الثاني: دفع المحفظة مبالغ التأمين إلى حامل الوثيقة عند توافر الشروط.

الثالث: عود الفائض التأميني أو جزء منه إلى حملة الوثائق.

أولا: مهمات شركة التأمين التكافلي.

تقوم شركة التأمين التكافلي بالمهمات الآتية:

1- تنشئ محفظة للتأمين، وتطلب من المستأمنين أن يتبرعوا بأقساط التأمين لهذه المحفظة حسب اللوائح والأنظمة التي يتم إعلانها من قبل الشركة. وهذه المحفظة هي التي تقوم بدفع التعويضات إلى المستأمنين حسب الشروط المعلنة في تلك اللوائح.

2- الشركة لا تملك محفظة التأمين، وإن دورها بالنسبة لإدارة المحفظة ينحصر فى إنشاء حساب مستقل لأموالها وعوائدها، ومصاريفها والتعويضات المدفوعة منها، وفوائدها. ويكون هذا الحساب منفصلا عن حساب الشركة. ولهذه الشركة أن تتقاضى أجرة من المحفظة مقابل هذه الخدمات. ولكن بعض الشركات تؤدي هذه الخدمات بدون عوض.

3- إن الشركة تقوم باستثمار أموال المحفظة على أساس المضاربة الشرعية، تكون هي فيها مضارِبة، وتكون المحفظة رب المال. وتضخ الشركة في وعاء المضاربة جزءا من رأس مالها أيضا، فتستحق ربحها مضافا إلى ما تستحقه بصفة المضارب.

4- إن محفظة التأمين تتزايد مبالغها بتزايد المسئأمنين، وبالعوائد التى تكسئبها من استثمار أموالها على أساس المضاربة مع الشركة، فإن بقى شيء بعد دفع التعويضات إلى المستأمنين حسب الشروط، وهو الذي يسمى الفائض التأميني، فإن جزءا منه توزعه الشركة على المستأمنين حسب اللوائح المنظمة لذلك.

وبالرغم من التوسع الذي نشاهده في أنشطة شركات التكافل واتفاق هيئاتها الشرعية على جواز هذه العمليات، فإنهم لم يتفقوا على تكييفها الفقهي.

وأهم الصيغ التي استقر عليها الرأي عند جمهور الفقهاء للتكييف الفقهي للتأمين التكافلي:

1- تطبيق صيغة الوقف في التكافل،

2- اعتبار محفظة التأمين محفظة تعاونية،

3- التزام التبرع.

وسأناقش هذه الصيغ تباعا، مع بيان طريقة تكييفها الفقهي، والمؤاخذات التي لاحظها العلماء والمتخصصون على كل صيغة.

ثانيا: تطبيق صيغة الوقف على التكافل.

الوقف عقد أصيل في الفقه الإسلامي، وقد أنشئ لمباشرة الأعمال الخيرية والتعاونية، فإعمالها فى إنشاء التكافل الذي هو مبني على أساس التعاون أولى وأحرى عند عدد من الفقهاء. ثم إن الوقف بصفته “شخصية مستقلة” يملك التبرعات التي تخرج من ملك المتبرعين، ويتصرف فيها الوقف حسب شروطه التى فيها مجال واسع للعناية بمصالح الواقفين والموقوف عليهم. ويمكن إنشاء صندوق التأمين على أساس الوقف كما يلي:

1- يشترك الراغبون فى التأمين فى عضوية الصندوق بالتبرع إليه حسب اللوائح.

2- تنشئ شركة التأمين الإسلامي صندوقا للوقف وتعزل جزءا معلوما من رأس مالها يكون وقفا على المتضررين من المشتركين في الصندوق حسب لوائح الصندوق، وعلى الجهات الخيرية فى النهاية. ويكون ذلك من باب وقف النقود. فيبقى هذا الجزء المعلوم من النقود مستثمرا بالمضاربة، وتدخل الأرباح في الصندوق لأغراض الوقف.

3- تنص لائحة الصندوق على شروط اسئتحقاق المشتركين للتعويضات، ومبالغ التبرع التي يتم به الاشتراك فى كل نوع من أنواع التأمين. ويجوز أن يتم تعيين ذلك على الحساب المعمول به فى شركات التأمين التقليدية.

4- ما يتبرع به المشتركون لرج من ملكهم ويدخل فى ملك الصندوق الوقفيّ، وبما أنه ليس وقفا، وإنما هو مملوك للوقف، فلا يجب الاحتفاظ بمبالغ التبرع، وإنما تستثمر لصالح الصندوق، وتصرف مع أرباحها لدفع التعويضات وأغراض الوقف الأخرى.

5- إن صندوق الوقف لا يملكه أحد، وتكون له شخصية معنوية يتمكن بها من أن يتملك الأموال ويستثمرها ويملّـكها حسب اللوائح المنظمة لذلك.

6- ما يحصل عليه المشتركون من التعويضات ليس عوضا عما تبرعوا به، وإنما هو عطاء مستقل من صندوق الوقف لدخولهم في جملة الموقوف عليهم حسب شروط الوقف، ومن تبرّع بشيء على الوقف لا يمنعه ذلك من الانتفاع بالوقف إن كان داخلا فمن ينتفع به حسب شروط الواقف، فإن الواقف يجوز له الانتفاع بوقفه إن كان داخلا فى جملة الموقوف عليهم، فانتفاع المتبرّع على الوقف أولى، وهذا كما يتبرّع شخص لمسجد ثمّ يصلي فيه، أو لمدرسة ثم يتعلم فيها، أو لمستشفى ثم يُـرَّض فيه وهذا الانتفاع ليس عوضا عن التبرع الذي تقـدّم به. لأن التبرعات التي دخلت في ملك الوقف مشابهة لغلة الوقف، وهي تصرف على الموقوف عليهم. وجاء في فتاوى أبى الليث ما نصه: (سئل الفقيه أبو جعفر عمن قال: جعلت حجرتى لدهن سراج المسجد، ولم يزد على هذا؟ صارت الحجرة وقفا على المسجد بما قال، ليس له الرجوع ولا له أن يجعل لغيره، وهذا إذا سلمها إلى المتولى عند محمد، وليس للمولى أن يصرف غلتها إلى غير الدهن)[2].

7- شركة التأمين تقوم بإدارة الصندوق واستثمار أمواله. أما إدارة الصندوق فإن ما تقوم به كمتول للوقف، فتجمع بهذه الصفة التبرعات وتدفع التعويضات وتتصرف في الفائض حسب شروط الوقئف، وتفصل حسابات الصندوق من حساب الشركة فصلا تاما، وتستحق أجرة مقابل هذه الخدمات.

8- بما أن الصندوق الوقفي مالك لجميع أمواله بما فيه أرباح النقود الوقفية والتبرعات التي قدمها المشتركون مع ما كسبت من الأرباح بالاستثمار، فإن للصندوق التصرف المطلق في هذه الأموال حسب الشروط المنصوص عليها في لوائحه، وللصندوق أيضا أن يشترط على نفسه بما شاء بشأن ما يسمى الفائض التأميني، وبذلك يجوز أن يمسكه فى الصندوق كاحتياطي لما قد يحدث من النقفة في السنوات المقبلة، ويجوز أن يشترط على نفسه في اللوائح أن يوزعه كله أو جزء منه على المشتركين.

9- بالنسبة لاستثمار أموال الصندوق، يمكن أن تقوم به كوكيل للاستثمار فتستحق بذلك أجرة، أو تعمل فيها كمضارب، فتستحق بذلك جزءا مشاعا من الأرباح الحاصلة بالاستثمار.

وبالنسبة للفائض نقترح أن يقسم على ثلاثة أقسام:

الأول: يصرف في وجوه الير لإبراز الصفة الوقفية للصندوق كل سنة. وهذا ما اختاره عدد من صناديق التأمين لشركات التكافل.

والثاني: يحتفظ به كاحتياطي،

والثالث: يوزع على المشتركين لتجلية الفرق الملموس بينه وبين التأمين التقليدي بشكل واضح لدى عامة الناس.

رابعا: تجربة ناجحة.

طبقت هذه الصيغة شركة “تكافل جنوب إفريقيا” بنجاح، حيث إن هذه الشركة أنشأت صندوقا وقفيا بمبلغ خمسة آلاف راند (العملة الرائجة في تلك البلاد) والصندوق له وجود قانوني مستقل لا تملكه الشركة ولا المشتركون، وإن المتشركين يتقدمون إليه بالتبرعات. ومن شروط هذا الوقف أنه يعوض أضرار المشتركين حسب لوائحه. وإن الشركة المنشئة للوقئف تأخذ %10 من التبرعات نظير إدارتها للصندوق. وإذا وقع عجز في الصندوق بحيث إن المبالغ الموجودة فيه لم تكف للتعويضات، فإن الشركة تقدم قرضا بلا فائدة إلى الصندوق الذي يسدد القرض بالفائض فى المستقبل.

أما إذا حصل الفائض فإن %10 منه يدفع إلى وجوه البر و %75 يوزع على المشتركين، والباقى يحتفظ به فى الصندوق على كونه احتياطيا له. وإن هناك شركات للتكافل في باكستان في سبيل الإنشاء بصيغة الوقف، وهي الصيغة التي اختارتها الجهات الرسمية المنظمة لشركات التكافل في البلاد.

نلاحظ أن هذه الصيغة لها من المزايا ما ليس في غيرها من الصيغ، لأن في الوقف مجال للواقفين والمتبرعين إليه أن ينتفعوا به إذا توفرت فيهم الشروط –ما عدا شرط التساوي بين ما تبرعوا به وبين ما ينتفعون به-. وهذا هو الفرق بين الهبة والوقف، حيث لا يجوز أن يهب نقدا بشرط أن يعوض نقدا إلا بشرط التساوي والتقابض فى المجلس. أما فى الوقف، فلا يشترط أن يكون انتفاعه بوقفه مساويا لما وقفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – لمزيد من التفصيل يُـنظر: أ.د علي محيى الدين القره داغي، “مفهوم التأمين التعاوني ماهيته وضوابطه ومعوقاته: دراسة فقهية اقتصادية”. (بحث مفصل مقدم إلى مؤتمر “التأمين التعاوني: أبعاده وآفاقه وموقف الشريعة الإسلامية منه”، الجامعة الأردنية،ـ11-12 أفريل 2010).

[2] -يُـنـظر: عالم بن العلاء الحنفي. الفتاوى التاتارخانية. تحقيق وتخريج الشيخ شبير أحمد القاسمي. كتاب الوقف الفصل 21: فى المساجد. (الجامعة القاسمية، الهند. الطبعة الكاملة الأولى: 1431هـ-2010م). ج:5 / ص: 578 و579.





السابق
تأثرا بصوت الأذان.. مسنان سويسريان يعتنقان الإسلام في تركيا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع