البحث

التفاصيل

(متى يسقط وجوب استقبال القبلة؟)

(متى يسقط وجوب استقبال القبلة؟)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: التاسعة عشر

 

يسقط وجوب استقبال القبلة في الأحوال الآتية:

  1. إذا عرف القبلة وعجز عن الاتجاه إليها، كراكب الطائرة أو الحافلة (الأتوبيس) ونحوهما، فهذا قبلته حيث اتجهت به ناقلته، وكذلك إذا كان مريضًا مرضًا شديدًا لا يقدر معه على استقبالها، ولم يجد من يوجِّهه إليها، وقال الحنفية: وإن وجد من يوجهه إليها، فإنّ الإنسان لا يكون قادرًا بقدرة غيره.
  2. الخائف من عدوٍّ أو حيوان مفترس على نفسه أو ماله، قبلتُه الجهة التي يأمن بالاتجاه إليها، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239]. قال ابن عمر رضي الله عنه: مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.
  3. المُكْرَه: الذي لا يستطيع دفْعَ مَن أكرهه، فإنَّ قبلته هي الجهة التي أُكره على التوجُّه إليها؛ لأنَّ ذلك هو ما يستطيعه، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم". وقال صلى الله عليه وسلم: "رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

4- في صلاة النافلة في السفر على الدابة: فيجوز للمسافر سفرًا تُقصَر فيه الصلاة أن يتطوع على دابته، حيثما توجَّهت به، يومئ بالركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، وقبلته حيث اتجهت به دابته.

فعن عامر بن ربيعة عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحلته حيث توجَّهت به. وفي رواية: يومئ برأسه، ولم يكن يصنعه في المكتوبة. وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على دابته وهو مقبِل من مكة إلى المدينة، وفيه أنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115].

قال ابن قدامة الحنبلي: «لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل.

قال الترمذي: هذا عند عامة أهل العلم.

وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه جائز لكل من سافر سفرًا يقصر فيه الصلاة أن يتطوع على دابته حيثما توجهت، يومئ بالركوع والسجود، يجعل السجود أخفض من الركوع.

«وأما السفر القصير وهو ما لا يباح فيه القصر، فإنه تباح فيه الصلاة على الراحلة عند إمامنا، والليث، والحسن بن حيِّ، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي.

وقال مالك: لا يباح إلا في سفر طويل؛ لأنه رخصة سفر، فاختص بالطويل كالقصر».

وذهب الظاهرية إلى جواز التطوع إلى غير القبلة في الحضر والسفر، قال ابن حزم: «ويجوز للمرء أن يتطوع مضطجعًا بغير عذر إلى القبلة، وراكبًا حيث توجَّهت به دابته إلى القبلة وغيرها؛ الحضر والسفر سواء في كل ذلك، فعن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة.

وعن جابر أيضًا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة».

وعن إبراهيم النخعي كانوا يصلون في رحالهم ودوابهم حيثما توجهت، وقال ابن حزم: وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين في الحضر والسفر.

قبلة المحبوس:

المحبوس الذي لم يجد من يخبره بالقبلة، ولا يعرفها هو، فقال بعضهم: هو كالمسافر يتحرَّى في محبسه ويصلي، ولا إعادة عليه إذا ظهر أنَّه صلَّى لغير جهة القبلة؛ لأنّه عاجز عن الاستدلال بخبر المخبِر الثقة، وعاجز عن الاستدلال بالمحاريب، فهو كالمسافر.

الصلاة في جوف الكعبة:

ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها ركعتين، فدَّل هذا على جواز النافلة داخل الكعبة، كما حديث ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالًا، فسألته: هل صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، بين العمودين اليمانيين. وفي رواية: أن ذلك كان يوم فتح مكة.

ونص كثير على أنه يستحب دخول الكعبة والصلاة فيها، لمن استطاع، وقد منَّ الله علينا بفضله فصلينا داخل الكعبة عدة مرات والحمد لله.

واختلف العلماءُ في صحة الفريضة داخل الكعبة، فجوزها الشافعي وأبو حنيفة؛ لأنَّه مسجد، ولأنه محل لصلاة النفل، فكان محلًّا للفرض كخارجها. ومنع من ذلك الحنابلة، واستدلوا بقول الله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]. والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها، والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة، بدليل صلاتها قاعدًا، وإلى غير القبلة، في السفر على الراحلة.

وقال الظاهرية وهو المعتمد عند المالكية: إنَّه لا تصح فيها فريضة ولا نافلة.

قال في «المدونة»: «وقال مالك: لا يُصلى في الكعبة، ولا في الحِجْر فريضة ولا ركعتا الطواف الواجبتان، ولا الوتر، ولا ركعتا الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به».

والذي نراه جواز صلاة النافلة في جوف الكعبة لفعله صلى الله عليه وسلم، وأن الأَوْلى ترك صلاة الفريضة فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها نفلًا لا فرضًا، وخروجا من الخلاف.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص 54-5





التالي
"للتعريف بالقضية الفلسطينية".. وفد من علماء الأمة في جولة زيارات وأنشطة بمدينة جناق قلعة التركية
السابق
"لبنانيون يرفضون التطبيع".. إشادة بلاعب تنس لبناني بعد انسحابه من بطولة دولية رفضا لمواجهة إسرائيلي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع