البحث

التفاصيل

(هل البسملة آية من الفاتحة؟)

(هل البسملة آية من الفاتحة؟)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: الثالثة و العشرون

 

لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ «بسم الله الرحمن الرحيم» لفظ قرآني، فهي بعض آية من سورة النمل، قال تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]. لكن الفقهاء اختلفوا هل هي آية من سورة الفاتحة أم ليست بآية؟ وهل هي آية مستقلة من أول كل سورة إلا سورة التوبة أم لا؟

فذهب الشافعي - في أحد قوليه - وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة، إلى أنها آية في أول سورة الفاتحة خاصة.

واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأتم: الحمد لله، فاقرؤوا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1]. إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إحداها".

وذهب عبد الله بن المبارك والشافعي في قوله الآخر- وهو الأصح عنه - إلى أنها آية من كل سورة.

والحنفية على أنها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور.

ودليلهم قول ابن عباس رضى الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرِف فصلَ السورة، حتى يَنزِل عليه بـ«بسم الله الرحمن الرحيم». وفى رواية: لا يعلم ختْم السورة. وحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت عليَّ آنفًا سورة". فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيِم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها.

وأن الصحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف بخطه في أوائل السور سوى براءة. فلو لم تكن قرآنًا لما أثبتوها بخط المصحف من غير تمييز.

وقالت المالكية: ليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما هي بعض آية من سورة النمل.

وقالوا: لو كانت من القرآن لكفر جاحدها، وقد أجمع العلماء على أنَّه لا يكفر، وإنَّ الذين عدَّوا الآيات أجمعوا على ترك عدِّها آية في غير الفاتحة، واختلفوا في عدِّها في الفاتحة.

وتبع خلافَهم في كون البسملة آية من الفاتحة أو لا خلافٌ آخر، وهو: هل تُقرأ البسملة في افتتاح القراءة أم لا تُقرأ؟

فقال الشافعي: يقرؤها المصلي ولا بد في الجهر جهرًا، وفي السر سرًّا.

واستدل الشافعية بحديث أنس أنَّه سُئِل: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدًّا- وفي رواية: كان يمد صوته مدًّا- ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يمد بـ{بِسْمِ اللَّهِ}، ويمد بـ{الرَّحْمَنِ}، ويمد بـ{الرَّحِيمِ}.

وبما روى ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جهر بـ«ـبسم الله الرحمن الرحيم».

وما روته أم سلمة رضي الله عنها: كان يُقطِّع قراءته آية آية: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:1-5].

وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد: يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرًّا، لحديث أنس: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بـ«ـبسم الله الرحمن الرحيم».

ومنع المالكية قراءة البسملة في الصلاة المكتوبة جهرًّا كانت أو سرًّا، في الفاتحة وفي غيرها من السور، وأجازوا ذلك في النافلة، ودليلهم ما رَوَى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، يقول العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] يقول الله: حمدني عبدي... ". فلم يذكر البسملة.

وبحديث أنس عند الشيخين قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: «بسم الله الرحمن الرحيم». وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.

وقال العلامة الصنعاني: والأقرب أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها تارة جهرًا، وتارة يخفيها.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: وكان يجهر بـ«ـبسم الله الرحمن الرحيم» تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنَّه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس مرات أبدًا حضرًا وسفرًا، ويَخْفى ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة.

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص 62-59





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع