أعرب الدكتور علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن أسفه لموقف العالم مما يجري للمسلمين، مشيرا إلى أن المسلم يهان ويقتل ويحرق ولا تهز له المشاعر.
واستشهد بما يحدث في سوريا، ووصفه بـ «الهول العظيم»، لما يصاحبه من التدمير وكثرة الشهداء واللاجئين في سبيل شخص واحد.
كما استشهد بما يحدث في ميانمار، وفي إفريقيا الوسطى، حيث جرى قتل المسلمين وإحراقهم جهارا ونهارا.
ودعا فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في مملكة البحرين لأن نرحم أنفسنا قبل أن نبحث عن رحمة غيرنا، لأن الأعداء لا ترحمنا، ولا بد أن نتحد، ولا بد أن نعلم أن الإسلام ليس مجرد صلاة وصيام، إنما هو منهج حياة يضبط المسلم في كل سكناته وحركاته.
وطالب بأن نعود عودة حقيقية لهذا الدين، وأن نراجع أنفسنا، وردد قول ابن تيمية: إني لا أشك في نصر الله تعالى لكم، ولكني أشك في نصركم لله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ).
الإتقان والرحمة والتقوى
وأضاف: حينما نعرض ما ذكره القرآن الكريم وما ذكره الرسول الكريم الذي كان أشد الأنبياء حرصا على أمته، نقرأ جوامع الكلم نرى ونعرف أين الخلل على مستوى الفرد والجماعة والأمة والدول. وتحدث عما أسماه بـ «الكلمة الجامعة» التي تتضمن خمسة معان أساسية، ذكرها القرآن في أكثر من 50 آية وتشمل الإتقان والرحمة والتقوى وفعل ما هو الأفضل والأحسن، وتشمل فعل الخير حتى مع الحيوانات والجمادات والنباتات.
وتحدث عن الإحسان، مبينا أنه كلمة جامعة لكل الأخلاق بل لكل سنن الخلق، سنن الأنبياء والصالحين، لأن هذه الكلمة من جوامع الكلم في القرآن والكريم والسنة النبوية المشرفة، حيث تشمل خمسة معان أساسية.
مفجر الطاقات
وأوضح أن الإحسان هنا بمعنى الإتقان وبمعنى التخلق بالأخلاق الفاضلة مع النفس والأسرة ومع الجميع، ويأتي بمعنى الرحمة وكذلك بمعنى فعل ما هو الأفضل والأحسن في كل مجالات الحياة، ولكن الرسول شرح هذه الكلمة الجامعة التي تشمل كل هذه المعاني شرحها بمفجر هذه الطاقات، بالطاقة الكامنة التي تزود الإنسان بهذه الأمور، بالشيء الذي لا يمكن أن ينتهي ألا وهو التقوى (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وبين أن العبادة لا تنحصر في الصلاة والصيام فقط، وإنما هي شاملة لكل ما أمر الله تعالى، فالعبادة هو الالتزام بكل ما أمر الله والانتهاء عن كل ما نهى عنه، وهو شامل لكل مجالات الحياة الإنسانية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليم والعمل، والأوامر والنواهي في هذه المجالات أكثر منها في مجالات الصلاة والصيام والحج وما إلى ذلك.
ودعا فضيلته المسلمين إلى الإتيان بأفضل الأعمال فقال: إذا كنت تحس أنك أمام الله أو على أقل تقدير أن الله يراك، فحينها تحاول أن تأتي بأفضل الأعمال، ولذك فسر قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) بأن الوسيلة هي (أفضل الأعمال وأتقى الأعمال التي يدخرها الإنسان لآخرته أو لاستجابة دعوته).
وعلق على واقع المسلمين حاليا فقال: ربما نحن اليوم أحسن عملا من السابق، ولكن هل نحن أحسن عملا في الصناعة؟ أو في الإبداعات أو في تمكيننا في الأرض أو حتى في السياسة أو في الأخلاق، وأشار إلى أن التعبير القرآني عظيم جدا لأنه قال (أَحْسَنُ عَمَلًا) بالنكرة، التي هي تدل على النسبية، لأن أحسن العمل اليوم يختلف عن أحسن العمل غدا، وأحسن العمل غدا يختلف عما بعد غد، وهنا تتطور وتختلف هذه الأحسنية من يوم إلى يوم.
ونصح القره داغي الأمة الإسلامية أن تبدع وتعمل الأحسن في جميع المجالات الحياتية ونحن نرى أن العالم الأوروبي وكذلك في الصين وكوريا الجنوبية واليابان تسير على هذا المنهج أي منهج أحسن السيناريوهات وجيل هؤلاء الدول تسمى بالجيل الرابع، وهو جيل أحسن السيناريوهات أي يأتون بالأحسن في السياسة والأحسن في الصناعة.. حتى عباداتنا مرتبطة بالنتيجة، فصلاتنا تنهي عن الفحشاء والمنكر (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) والصيام رغم أنه عبادة نفسية (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والحج (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ).. إذاً المفرض من المسلم أن يكون دائما متقنا ومبدعا، لأنه له دافعان: دافع المصلحة الدنيوية، ودافع المصلحة الأخروية.
كتابنا وسنة نبينا
وروى الخطيب أنه التقى بمجموعة من المسلمين الجدد، فقالوا الحمد لله الذي أدخلنا في الإسلام قبل أن نرى المسلمين. قلت: لماذا؟ قالوا: نحن في الغرب نحافظ على الطهارة، لأن الطهارة تحافظ على الصحة، وأنتم الطهارة جزء من دينكم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ولما ذهبنا إلى المدينة الفلانية رأينا كذلك وكذا، ثم قالوا: نحن في الغرب نحافظ على مواعيدنا، ولكنكم جعلتم مخالفة الوعد خصلة من خصال النفاق، فأين هذه المعاني من تصرفاتكم فاقرؤوا الآية الكريمة (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) فقلت كلامكم صحيح، وذكرت لهم أن الابتلاءات تأتي بسبب عدم الاعتماد على أمرين الأول: عدم العودة إلى الله عودة حقيقية (لَا يَتُوبُونَ). والأمر الثاني: في عدم الاستفادة من العقول ومن التجارب السابقة (وَلَا يَذْكُرُونَ).
وختم القره داغي كلامه قائلا: نحن لا نستفيد من كتابنا وسنة نبينا ولا نستفيد من العالم. فالعالم كله نحو التقدم ونحو العالم الموحد والإسلام جعل التفرق كفرا، وقد انتشرت الفرقة فينا حتى داخل طائفة واحدة، وداخل البلد الواحد.