منذ أيام الدراسة الأولى و المجتهدون يحاولون أن يكون لهم دائما اسم في لائحة الشرف؛ التي تعلن للجميع الأذكى و الأكثر تميزا على المستوى الأكاديمي و غير الأكاديمي، و كانت المعايير واضحة، و المنافسة شريفة إما باجتهاد دراسي أو أخلاقي أو عملي، و تخرجنا في المدرسة و ما خرجت من نفوسنا الرغبة في إدراك الشرف و المعالي و خلود الذكر و العمل بل إن هذه جميعا يعدها علماء النفس من أقوى محفزات العمل و البقاء و استمرارية العطاء.
إلا أنه في عالمنا الذي تنحسر فيه الإنسانية و المنطقية و الأخلاقية لسلطة القوة الباطشة، و رأس المال العميل تنقلب الموازين و اللوائح، و تختلط المفاهيم و التصنيفات، و تلتبس الحقائق و لا يعود التمييز ممكنا!
في الماضي كان الأعداء واضحي العداوة و الاختلاف؛ فكان معظم رواد التحرر في العالم العربي يحجزون لأمريكا و ذيولها في المنطقة دور الشيطان الأكبر و رأس الحية و حتى تحركاتها نحو الحوار و الدعم كان ينظر إليها بعين التشكيك و الحذر!
الآن انقلبت الموازين، و أصبحت العداوة من الداخل بوكالة و مباركة دولية، و أخذ العرب و المسلمون دور الغرب في تصفية كل من يريدون إلباسه ذلك الثوب المرعب المسمى بالإرهاب و هي تهمة كفيلة لنزع الإنسانية و الحقوقية و العصمة عن أي شيء بحيث يصفى كل من تُلصق به دون مساءلة و لا حساب و لا دية!
و ما إصدار لائحة الإرهاب بنسختها العربية الجديدة و التي تحظر منظمات سياسية و إغاثية و فكرية إلا وراثة لدور أمريكا القذر في المنطقة و خلطا للأوراق ببعضها لمزيد من تضليل الشعوب العربية التي تاه بعضها في دوامة المذابح و التشريد و الملاحقة ليوصلوه إلى الترحم على أيام الطغيان الأولى و الاستبداد السابق!
إن هذه اللائحة تحوي منظمات و حركات متطرفة لا يختلف جمهور حركات الإسلام المعتدل، و على رأسهم الإخوان المسلمين، على إدانتها و استعبادها كونها لا تمثل إطلاقا روح و لا تعاليم الإسلام بحال من الأحوال، و لكن دولا عربية بأسلوبها غير العقلاني و عدائها غير المفهوم حاولت أن تضرب العصافير كلها بحجر واحد، فصنفت علماء المسلمين و نشطاء الإغاثة و بعض المؤسسات البحثية ضمنها لمجرد تبني بعض الأعضاء لخط فكري يرى الإسلام نظام حياة قائم على تحرير البشر من كل الآلهة، و سلطة أرباب السلطان، و كل أشكال العبودية!
لا يختلف ما تفعله هذه الدول عما فعلته أسبانيا في محاكم التفتيش يوم كانت تلاحق الناس لتغيير دينهم و فكرهم و حتى أشكالهم و ملابسهم و تنزع حق الحياة ممن أبى!
نعم إنها محاكم تفتيش عربية جديدة، و لقد تندر أحدهم بتصنيفاتها و اتهمها قائلا"أي إنسان يشهد الشهادتين فقط يسمى ’’مسلما‘‘
فإن كان يصلي ويؤدي الفرائض يصبح اسمه ’’متدينا‘‘
فإن كان متدينا ويطالب بتطبيق الشريعة يصبح اسمه ’’إسلاميا‘‘
فإن كان إسلاميا ولديه قميص ولحية يصبح اسمه ’’سلفيا‘‘
فإن كان سلفيا و يكره سيطرة الغرب على الأمة يصبح اسمه ’’سلفيا جهاديا‘‘
فإن كان يجاهد يصبح اسمه ’’إرهابيا‘‘!!
في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم كان من يفعل كل هذا يسمى ’’مسلما‘‘ فقط!"
إن الخطورة في مثل هذه الخطوات هو التعريف الجديد و التلاعب بتقديم الإسلام إذ تظن هذه الدول أنها تتزعم و تتسيد تمثيل الإسلام بشكل حصري، و أن المسلم الجيد هو الذي يدعو للسلطان، و يأكل، و يشرب، و يتكاثر، و ينام؛ أما فرائض الإسلام فتلك حاجة شخصية بين العبد و ربه، و حتى هذه قد لا تنجو من المحاسبة؛ فالحريص مثلا على صلاة الفجر في المسجد يوضع تحت المراقبة مخافة أن يكون له ميول فكرية أو أن توسوس له نفسه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كما تدعوه إلى ذلك الصلاة!
إذا كان يحاربون الشيخ المعمم و الأستاذ الجامعي و الكاتب و الباحث و الناشط في حقوق الإنسان الذين يتخذون من الفكرة و الحجة و القلم و الورقة و الدراسة و المشروع وسيلة لإنقاذ الناس؛ فهم عن جهالة أو قصد يدفعون بالشباب للتطرف، و يغلقون الباب في وجه الحوار و الحكمة و الحسنى، بل و يتآمرون على قبلة المسلمين الأولى و أهلها الصامدين و قضيتهم المركزية في فلسطين!
يبدو أن الدافع وراء هذه الخطوة هو الدراسة الخطيرة التي نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى في ٢٣-١٠-٢٠١٤ و التي أظهرت أن ٥٢٪ من السعوديين و ٥٣٪ من الكويتين و ٤٤٪ من الإماراتيين يؤيدون حماس و الإخوان المسلمين لذا أرادت هذه الدول أن تأخذ الأمر بيدها و تقطع أدنى تعاطف أو تأييد لحركات الإسلام السياسي المعتدل و الوسطي و حركات المقاومة في فلسطين و تجرم كل من يدعمهما فكرا أو عملا!!
و بالرغم من هذه اللائحة المضللة فإن وجود بعض المنظمات و الحركات السياسية و الفكرية و الإغاثية عليها شهادة شرف و مصداقية و اصطفاف في خندق الشعوب و حقوقهم، و هي من باب: و إذا أتتك مذمتي من مستبد فهي الشهادة لي بأنني حر، فيا علماءنا و يا سياسينا و يا نشطاءنا أنتم على لائحة الشرف عندنا؛ فما زال بعض العقلاء حول العالم يستطيعون تمييز الغث من السمين، و الإرهابي من الإنساني، و طالب الحرية من الطاغية.
إن على المسلمين و الشعوب أن يتحسسوا الأرض من تحتهم؛ فلم تعد البراءة و الحيادية تكفي لأن الحرب على الإسلام أصبحت معلنة يقودها أبناء جلدتنا، إنه زمن تحديد الأفكار و المواقف!
لقد علمنا التاريخ أن الذين يصطف دهاقنة المال و السلطان لحربهم هم أصحاب الحق و الشرف و النصر؛ عندما يدور التاريخ دورته و هو دائما يدور، فتلك هي سنة الله لو كانوا يعلمون!