البحث

التفاصيل

كتاب : الدعوة الإسلامية في القرن الحالي

الرابط المختصر :

: الشيخ محمد الغزالي

الحلقة [ 4 ] الفصل الثالث : الدعوة فى ظل الدولة الأموية

هناك رأي بأن الأمويين ليسوا نماذج مبرأة، ولا معجبة، للرسالة الإسلامية ، حاشا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، الذي لقب بالخليفة الخامس، كأنه بقية الراشدين...

ونحن نرى أن هذا القول صحيح من جانب واحد، هو المتصل بأشخاص الحاكمين، فقد كانوا أقل تقى ومعرفة وتبتلاً إلى الله، من الخلفاء الأربعة الكبار.

أما غاية الحكم، ونشاطه، وشعاره، فلا خلاف بين الدولتين، إذ أن القادة الجدد مضوا بالإسلام في طريقه، ما رفعوا إلا رايته، ولا ارتضوا إلا كتابه..

وقد قاتلوا في الميادين نفسها التي قاتلت فيها الخلافة السابقة، وعمل معهم جند كثيف من أهل التجرد والإخلاص الذين يبتغون الآخرة، ولا تهمهم مناصبهم في الدنيا..

وفي ظل الأمويين أخذت الأجهزة الدوارة في الكيان الإسلامي تعمل عملها في تنشئة أجيال مسلمة لحما ودما، وهو عمل لا ينكره إلا قاصر، فإن سقوط الروم والفرس أعقبه وجود كتل من الشباب والأولاد والأحفاد، تلقفهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالتعليم المنظم والتهذيب الذكي.

فلم تمض خمسون سنة على اندياح موجة الفتح حتى كانت المدن والقرى مليئة بالمساجد والمدارس، وحتى كانت شعائر الإسلام بارزة، وتقاليده موطده، وأحكامه مطبقة، في الشام والعراق ومصر واليمن وأقطار أخرى كثيرة.

بل إن غير العرب سبق العرب أنفسهم فى هذه الميادين فأصبح أئمة الأمصار ورواد الفقه واللغة والحديث من الموالى.. وذلك نجاح للدعوة الإسلامية جدير بالتنويه، فإن وصول أبناء المستعمرات المحررة إلى هذه المكانة الأدبية العالية شيء مثير حقاً.

أو ليس غريبأ أن يدخل العربى المسلم إلى أحد المساجد فإذا الذي يؤمه واحد من هؤلاء؟ وإذا الذي يفسر له القرآن، أو يضبط له قواعد العربية، أو يروى له عيون الأدب واحد من هؤلاء؟.. ذلك وبنو أمية لا يملكون إلا التسليم بالأمر الواقع ..!!

وكما نجحت الدعوة الإسلامية في إقامة كيان ديني ذابت فيه الفوارق بين الأجناس، فإن الجهاد الحربي مضى على نهجه الأول فاستأنف المسلمون القتال ضد الروم، وتابعوا مسيرتهم في الشمال الإفريقي ـ بعد تحرير وادي النيل ـ حتى بلغوا شواطئ الأطلسي..

ثم استداروا إلى الجزر التي تنتشر في البحر الأبيض وأخذوا يحررونها واحدة بعد الأخرى. وكان لهم أمل في إسقاط عاصمة الروم نفسها، فحاصروا القسطنطينية ردحا من الزمن ولكنها استعصت عليهم، فما دخلها المسلمون إلا بعد ذلك بستة قرون تقريبا، لم تخمد خلالها نار الحرب بين التوحيد والتثليث.

إلا أن المسلمين الأيقاظ استغلوا الأحوال السائدة في أسبانيا والفرقة الاجتماعية التي قسمت أهلها فدخلوا الأندلس، وضموه إلى أرض الإسلام، ذلك في الغرب.

أما فى الشرق فإن المسلمين ولوا وجوههم شطر الصين والهند، ووقفوا على حدود عوالم يموج بعضها في بعض، ويظلها ليل دامس من الخرافات والترهات، وعبادة الحيوان والجماد.

وكان المسلمون قادرين أن يبلغوا شواطئ المحيط الهادى شرقا، وبحر المانش والبلطيق غربا، ولكن الجهاز الحاكم في دمشق كان دون المستوى المرموق، فلم يحسن الإفادة من العبقريات التي تمهدت له، بل شل همتها وأبطل حركتها، حتى قال القاسم بن محمد الذي كان يريد فتح شرق آسيا كله 

أضاعوني وأى فتى أضاعوا .. ليوم كريهة وسداد ثغر!!!

* * *

• الدعوة وأحوال الدولة الداخلية:

قلنا: إن أشخاص الحاكمين الأمويين دون مستوى دولة الخلافة الراشدة وقد كانت لذلك آثار يمكن تسجيلها في الملاحظات الآتية:

( 1 ) رفض الاعتراف بهذا النظام حزبان كبيران . أولهما: الشيعة الذين يعتقدون أن الخلافة حق طبيعي مقرر لعلى وأولاده، وأن من عداهم مغتصب، ليس له حق الطاعة، والثاني: الخوارج الذين يتعقدون أن الخلافة حق لكل مسلم كفء مهما كان جنسه، إذا اختير لها وقام بعبئها..

وقد عانت الدولة من الحزبين كليهما، لكن الجمهرة الكبيرة من المسلمين رضيت بالأمر الواقع ورأت أن تواصل خدمة الإسلام، في ظل النظام الأموي وإن كان في النفس منه شيء…!!

( 2 ) وضعت على الحريات العامة قيود لم تعرف على عهد الخلافة الراشد . لقد استكثر رجل أن يقول مسلم لأمير المؤمنين عمر: اتق الله.. ولكن أمير المؤمنين رده : دعه يقلها، لا خير فيكم إن لم تقولوها. ولا خير فينا إن لم نسمعها..!

أما عبد الملك بن مروان فقال: من قال لي: اتق الله. ضربت عنقه.. والمرء يعجب لأحوال الناس، ولعل عبد الملك كان يعرف أن من يقولها له، مراء يبتغي الفتنة، وتقليب الأمور، وأن الخلفاء الراشدين الثلاثة قتلوا في أشباه هذه الفتن..

ونحن لا نعتذر لجبار من الخلق مهما يكن شأنه، ويسوءنا: أن نقول: إن لوناً من الجبروت الذي يرفضه الإسلام قارن الحكم الأموي وسود صحيفته. ومكن نفراً من المستبدين أن يزحموا السجون، وأن يبطلوا أخلاق الصراحة والشجاعة عند الكثيرين، وكان ذلك من أسباب ضياع الدولة في النهاية.

( 3 ) بدأ التقعر في فهم العقيدة يظهر، ويضطرب بأصحابه ذات اليمين وذات الشمال، فهناك مرجئة يرون العمل كمالا في الإيمان، وهناك معتزلة يرون العاصي فاسقا لا هو مؤمن ولا هو كافر. وهناك خوارج يرون العصيان كفراً.

كما ثارت خلافات سمجة في قضايا دينية أخرى، نمتها مجالس الجدل التي قلما يطلب فيها الحق بهدوء وتقوى، وإنما تخدم بها الأهواء والأحزاب.

ولم يكن رجال الدولة على مستوى البت في هذه القضايا فتركوها ترسو على أي جنب ‍!

( 4 ) لكن رجال الفقه والحديث والقرآن والأدب واللغة، ووراءهم سواد الأمة الأعظم، اشتغلوا بخدمة الإسلام في ميادينه الصريحة النافعة. وكان جهدهم يشبه نشاط عدة وزارات في عصرنا الحالي فمشت قافلة الإسلام بقوة، وانسدت ثغرات كثيرة.

وبدأت العلوم الإسلامية تنفتح وتعمق مجراها، وظهر أعلام كبار في كل فن، وازدانت حواضر الإسلام بنهضات فكرية واجتماعية هى أثر مدارسة الإسلام والاستظلال برايته.

( 5 ) كان التعريب ظاهرة سياسية للخلافة الأموية، اللغة العربية هى اللغة الرسمية في القارتين الكبيرتين حيث انتشر الدين، وهذا تصرف لا شائبة فيه، بل لا بد من استدامته إحياءً وابقاءً للغة القرآن الكريم.

والحكام في هذه الأقطار الفيحاء عرب أقحاح، وهذا ما نتريث في الحكم عليه، فإن هناك أعاجم أسلموا وتعربوا وكان من الخير دعم الحكم بهم أو التقرب إلى أجناسهم بهم. وقد كان ذلك من أسباب ضيق الفرس ـ مثلا ـ وانحرافهم عن الدولة، وكان إلى جانب مظالم وانحرافات أخرى دافعا قويا إلى التماس المخرج في استخلاف الرضا من آل البيت النبوى ـ كما يقول الشيعة ـ فهو أفضل من حكام البيت الأموي.

واندلعت الثورة، وجاء حكم جديد فاجأ المؤيدين والمعارضين جميعا، فقد كان الخليفة الجديد من بني العباس، لا من بني علي، وهكذا قامت الدولة العباسية، فلننظر إلى أحوال الدعوة في ظلها...


: الأوسمة



التالي
خفوت صوت الإيمان في عصرنا
السابق
الإسلام هو دين الله الواحد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع