البحث

التفاصيل

خفوت صوت الإيمان في عصرنا

الرابط المختصر :

ولا يخفى أن جمرة الإيمان في هذا العصر , قد فقدت كثيرا من توهجها واشتعالها في القلوب , وأن صوت الإيمان قد خفت في حنايا الضمائر , ولم يعد له من السلطان والتأثير ما كان من قبل .

ويرجع ذلك إلى جملة أسباب منها :

غلبة التفكير المادي والحياة المادية على جمهور الناس , في أنحاء العالم , نتيجة لسيطرة الحضارة الغربية . وانتقل ذلك بالعدوى والاختلاط وأجهزة التأثير المختلفة , من الغرب إلى الشرق , ومن غير المسلمين إلى المسلمين . وألهى الناس التكاثر , حتى كادوا ينسون أن بعد الحياة موتاً , وبعد الموت بعثاً , وبعد البعث حساباً , وبعد الحساب ثواباً وعقاباً , وجنة وناراً .

-  يتبع ذلك اهتمام جمهور الناس بالعلوم الوضعية والمادية , وما ينبثق عنها من استخدامات تطبيقية (تكنولوجية) ساعدت الناس على الاستغراق والاستمتاع بالحياة , على حين قل الاهتمام بعلوم الدين , وما تشتمل عليه من (غيبيات) لا يألفها كثيراً العقل المعاصر , حتى إن بعض علماء الدين ودعاته , يحاولون تأويلها بما يرضي نزعته الحسية , أو يهربون من الحديث عنها , حتى إن الذي يتابع الاستماع إلى خطب الجمع في المساجد أو من المذياع , لا يكاد يجد خطبة منها تتحدث عن الموت أو القبر أو البعث والحساب , أو الجنة والنار , كأن هذا من دلائل التخلف والمنافاة للعصرية !

اهتمام الدعاة إلى الإسلام في العقود الأخيرة من سني القرن الرابع عشر , بالتركيز على عرض النظام الإسلامي , وبيان محاسنه , والدعوة إلى تطبيقه , ولم تعط أهمية مماثلة لعرض العقيدة والدعوة إليها , وتعميق أثرها في العقول والقلوب , نظراً لظهور الفكر العلماني الذي يعتبر الدين - كل دين - مجرد صلة خاصة بين المرء وربه , ولا علاقة له بنظام الحياة , فاقتضي الرد عليه التأكيد والتركيز على النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتشريعي في الإسلام , دون أن تأخذ العقيدة حظاً مماثلا من هذا التأكيد . والواجب هو الموازنة بين تعاليم الإسلام كلها , وإن كانت العقيدة - ولا ريب - هي أساس البناء .

إغفال الأجهزة الإعلامية والثقافة والتربوية لهذا الجانب المهم , الذي يمثل غاية حياة الإنسان , وسر وجوده , والذي يجعل لحياته طعماً ومعنى ورسالة , وذلك ثمرة لإغفال أمر الدين كله عقيدة وشريعة , وأخلاقاً وآداباً , ونظام الحياة.

وليت الأمر وقف عند الإغفال والإهمال , بل تجاوزه إلى اللمز والسخرية , بل إلى الطعن والهجوم , أحياناً في صورة سافرة بلا خوف ولا حياء , وأحياناً أخرى - وهي الأكثر والأخطر - في صور مقَنّعة , وبأساليب ملتوية , ووسائل خفية ناعمة مسمومة , تقتل وتدمر , ولكن دون أن يسمع لها أزيز كأزيز الرصاص , أو دوي كدوي الألغام .

تركيز الفلسفات والأنظمة التعليمية والتربوية على الجوانب المادية والتكنولوجية والعلمية في مناهجها وكتبها ومدارسها , والنظرة إلى الدين نظرة إهمال أو عداء , تقليداً للعلمانيين في الغرب , أو الماركسيين في الشرق , فالأولون يسقطونه من الحساب , والآخرون يعادونه سراً وعلانية .

 

فإذا دخل الدين المدرسة أو الصف , لم يدخل دخول صاحب البيت ورب الدار , بل دخل كأنه زائر دخيل , أو ضيف ثقيل .. ساعة في آخر اليوم المدرسي , تُسد بها خانة أو يملأ بها فراغ , حتى تسكت ألسنة المتدينين المتزمتين الْمُتعِبين !

 

ولا عجب , أن أصبح التعلم يشكو الجفاف والجفاء والخواء .. ويحتاج إلى الروح الذي يوقظ القلوب , ويحرك المشاعر , ويرد إلى الجثث الهامدة الحياة ! ورحم الله الفيلسوف والشاعر المسلم محمد إقبال الذي قال عن هذا التعليم (الحديث) كما كان يسمىفي عصره : (إنه لا يعلم العين الدموع , ولا القلب الخشوع).


: الأوسمة



التالي
مؤتمر تفعيل المقاصد في مجال التربية والتعليم
السابق
كتاب : الدعوة الإسلامية في القرن الحالي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع