البحث

التفاصيل

كتاب : الدعوة الإسلامية في القرن الحالي فضيلة : الشيخ محمد الغزالي الحلقة [ 15 ] الفصل السادس : أسباب انهيار الحضارة الإسلامية

الرابط المختصر :

( 9 ) الفساد السياسي:

يقول الله عز وجل: ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) لكنه في ميدان الحكم طاحت الأمانات، وقلما عثر لها على أثر.

ولندرس تاريخنا لنأخذ منه العبر.. ما وسد الأمر إلى أهله، وما حاول الذين وسد إليهم الأمر أن يرتفعوا إلى مستواه، ولا قنعوا ماديا وأدبياً بالعيش في نطاقه المحدد..

لقد خولفت خطة السلف في اختيار الأكفاء. فإذا كان أبو بكر بويع لأنه أفضل الناس، وإذا كان عمر اختير لكفاءته وقوته، فإن الجمهرة العظمى من الحكام ولوا مناصب هم دونها بمراحل ، ولما ولوها اتخذوها مصيدة لدنيا عريضة، واستمتاع مطلق. وكانت نتيجة ذلك وبالاً على الدولة وسواد الأمة ومستقبل الرسالة..

وقد بدأ هذا الانحدار رويدا رويدا، ثم شرع على اختلاف الليل والنهار يتكشف حتى سقطت الخلافة أول هذا القرن.

واقترن باختيار الخلفاء على ذلك النحو ما يلي من مخلفات دينية:

أ) - أُهملت الشورى، ولم يعتمد عليها الحاكمون في إحكام الشئون الدينية مع أن الإسلام قرر أن المجتمع يقوم على التناصح ، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون على الخير، ورفض الإعجاب بالرأى، والافتيات على الجماعة.!

وهذه المعاني قد تقع لها صور ساذجة فيما يدور بين الناس من حديث، أو فيما يسعون له من مصالح، لكنها تحتاج إلى مؤسسات جادة ضخمة لضبط شئون المسلمين بين المحيطات العظمى التى تحد عالمهم الكبير.

ب) - العجز الإداري: وهو من وراء الفتوق، والخروج على الدولة فى عهود شتى، ونشوء دويلات كثيرة، بعضها لم يخلص للإسلام ولاؤه، بل بعضها كان حرباً عليه.

ومن الفواجع أن دولة القرامطة فتكت بقوافل الحجيج سنين عددا، وأنها انتزعت الحجر الأسود من مكانه، وعجزت دولة العباسيين عجزا مفضوحاً عن استرداده، فما عاد الحجر إلا بتفاهم بين القرامطة والفاطميين!

وقد فرض النظام اللا مركزي نفسه في وجه رغبة من الخليفة العاجز أن يحكم القارات، دون مواهب وقدرات.

وقد يختفي العجز الإداري حيناً مع وجود حاكم شديد البأس، ثم يبرز الداء ويعاني المسلمون آلامه.

جـ) - فقدان الأجهزة المسئولة عن الدعوة في الداخل والخارج: المسلمون حملة رسالة، ودولتهم تنهض على فكرة معينة، وبديه أن تتكون في مجتمعهم الأداة التي ترقب سير الدعوة في الخارج وتشرف على كيانها في الداخل، وأن يكون هناك رصد يقظ للأرباح والخسائر، والانتصارات والهزائم.

وقد كنت أسأل نفسي أحياناً: هل انعقد مؤتمر للبحث عن سبب سقوط القدس في الحملة الصليبية الأولى؟ هل انعقد مؤتمر للبحث عن سقوط بغداد وأسباب اجتياح التتار للدولة؟ هل انعقد مؤتمر للبحث في أحوال مسلمي الأندلس ، وتعرض دولتهم للانكماش حتى تلاشت؟؟

إن الجفوة الرهيبة بين العلم والحكم كانت من وراء الاضطراب الشديد في العالم الإسلامي، وكانت من وراء الذهول المعيب عن قضاياه الكبرى.

ربما كان هناك اكتراث شعبي ينفخ العلماء أحياناً فيه ليتحول إلى عمل مبرور، وجهاد صالح. لكن الحكام كانوا في واد آخر، ولعلهم آخر من يعلم ويتحرك..!

د) - مع الغفلة السائدة عاشت داخل الكيان الإسلامي فرق دينية أبطنت الخيانة والمروق وظلت تنتظر الفرص المواتية لضرب الإسلام وطعن أمتة في ظهرها.

وقد تحركت هذه الفرق مع الزحف الاستعماري الأخير، وأعانت الغزاة على إدراك لباناتهم من هذا الدين المسترسل السمح..


: الأوسمة



التالي
القرآن في حياة الصحابة
السابق
أ . د. يوسف القرضاوي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع