البحث

التفاصيل

2)أين تصلي المرأة في المسجد؟ وأين صلت على عهد الرسول (ص)؟ الجزء الأول :

الرابط المختصر :

 

الإشكالية في الواقع

الواقع في بلاد المسلمين في عصرنا أن المساجد التي تسمح للنساء بالصلاة فيها نادراً ما تسمح لصفوف النساء أن تلي صفوف الرجال بشكل تلقائي وفي نفس القاعة كما كان الحال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

وفي بلاد عربية كثيرة تنتشر ظاهرة فصل مساجد الرجال عن مساجد الرجال، خاصة في غير المساجد الجامعة حيث يبعد مسجد الرجال عن مسجد النساء مسافة قصرت أو طالت.

أما في في غالب المساجد في بلاد المسلمين، فهناك قاعات أو غرف صغيرة خاصة بالنساء في الدور الأسفل لساحة الصلاة (البدروم أو الأرضي) أو شرفة عليا مغلقة أو في مبنى صغير ملحق بالمسجد الأصلي، وتنقل لهن الصلاة عن طريق مكبرات الصوت. 

والإشكال هنا في حصر النساء في تلك القاعات هو من عدة نواح: أولها أن قاعات النساء تصمم بحجم أصغر كثيراً من قاعة الصلاة الأصلية وغالباً ما تضيق بالنساء في صلاة الجمعة والمناسبات الأخرى في الوقت الذي قد لا تمتلئ فيه قاعة الرجال أو باحة المسجد عن آخرها، ورغم أن أعداد النساء تفوق أحياناً أعداد الرجال في المناسبات العامة كما هو مشاهد ومعروف خاصة في بلاد الأقليات، وثانياً: هذه القاعات لا تكون على نفس المستوى من ناحية البسُط أو الإضاءة أو أجهزة الصوت وبالتالي فالنساء لا يشعرن بنفس الترحيب أو الاستفادة في المسجد، وثالثاً: مكان الأطفال من كل الأعمار في كثير من تلك المساجد هو فقط مع النساء في نفس تلك القاعات مما يجعل الضجة تغلب عليها، ورابعاً: لا يسمح للنساء بالدخول من مدخل المسجد الرئيس ويخصص لهن مداخل خاصة ضيقة من جانب المبنى أو من الخلف. 

وأخيراً وليس آخراً: هذه الطريقة الشائعة في تصميم المسجد تعطي انطباعاً واضحاً للزوار من غير المسلمين وكذلك للشباب والفتيات من الأجيال الجديدة وكأن الإسلام "يهمش" و"يعزل" المرأة، خاصة إذا لاحظوا ضيق وضجة وعدم جاهزية قاعات النساء، وكأن الإسلام لا يحبذ أن تتواجد المرأة في بيوت العبادة، وكأن الرجال في الإسلام لا يتحملون شيئاً من مسؤولية الأطفال، وكأن الإسلام دين للرجال فقط كما نسمع من كثير من غير المسلمين، إلى آخر تلك الصور السلبية التي ينقلها ذلك التصميم إلى وعي من يشاهده من المسلمين وغير المسلمين.

سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تصميم المسجد

ولكن تصميم المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان أشبه بهذا الشكل التقريبي التالي. وعليه، فالسنة في هذه المسألة التي استمرت طول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجال كانوا يصطفون في صفوف تبدأ من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويملؤون الصف الأول فالذي يليه، ثم تصطف النساء في صفوف تبدأ من مؤخرة المسجد ويملأن الصف الأخير فالذي يليه، وكان الصبيان إذا حضروا الصلاة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يصطفون صفوفاً بين الرجال والنساء. 

وقد أسّس النبي صلى الله عليه وسلم المسجد في شهر ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة (622 م)، وكان طوله وعرضه بمقاييس اليوم 35x30 متراً تقريباً، وسقفه من الجريد بارتفاع 2.5 متراً تقريباً. وكانت الأعمدة من جذوع النخل والجدار من اللبِن، وجعل وسطه رحبة، وفتح ثلاثة أبواب مشتركة للرجال والنساء: باب الرحمة ويُقال له باب عاتكة (في جهة الغرب)، وباب عثمان ويُسمى الآن باب جبريل الذي كان يدخل منه النبي صلى الله عليه وسلم (في جهة الشرق)، وباب في المؤخرة (في جهة الجنوب)، والقبلة يومئذ لبيت المقدس. ثم لما تحوّلت القبلة للكعبة في السنة الثانية للهجرة، سُدّ الباب الجنوبي وفُتح باب في الجهة الشمالية. 

 

ولم يكن بين هاتين المجموعتين من الصفوف حوائط ولا مباني ولا ستائر رغم قدرتهم على وضعها، بل كان آخر صفوف الرجال أمام أول صفوف النساء مباشرة، يدل على ذلك أحاديث كثيرة، كحديث عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبنا، فذكر الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره، فلما ذكر ذلك ضج الناس ضجة، حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر قوله؟ قال: «قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريبا من فتنة الدجال».  

وكحديث فاطمة بنت قيس قالت: نُودِىَ فِى النَّاسِ إِنَّ الصَّلاَةَ جِامِعَةً فَانْطَلَقْتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ النَّاسِ فَكُنْتُ فِى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ مِنَ النِّسَاءِ وَهُوَ يَلِى الْمُؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ فَسَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَقَال: إِن بَنِى عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِىِّ رَكِبُوا فِى الْبَحْرِ ...  

رؤية النساء للإمام والتلقي منه

وكانت النساء يرين الإمام – وهو الرسول صلى الله عليه وسلم- في نفس الساحة وهو يتكلم، مما يساعد – كما هو معروف علمياً - على التلقي والتواصل والتركيز، بل وحفظ بعضهن قرآناً من تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، كأم هشام بنت حارثة بن النعمان التي قالت: ما حفظت (ق) إلا من في (أي فم) رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة.  وعن ابن عباس قال إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ والمرسلات عرفاً، فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة. إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.  

وعن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيها الناس» فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا. 

وعن أبي عثمان، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: «من هذا؟»، قالت: هذا دحية، فلما قام، قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل. 

وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... ثم جئت ودخلت المسجد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، فقمت معه، فأطال القيام، حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم ألتفت إلى المرأة الضعيفة، فأقول هذه أضعف مني، فأقوم، فركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، حتى لو أن رجلاً جاء خيل إليه أنه لم يركع. 

وعليه، فليس هناك داع لعزل النساء بحوائط ولا ستائر ومنعهن من رؤية الإمام، وقد ثبت أن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده كان لها أثر إيجابي على تحصيل المرأة للعلم واستفادتها من حضور المسجد وحرصها عليه. ولعل الخطوط التي تعارف المسلمون على خطها في الأرض تكفي، أو حاجز منخفض على الأرض يكفي لتنظيم مساحات الصلاة حتى لا يحدث تنازع أو تزاحم غير مرغوب.

حديث شر الصفوف ومعناه

وهناك حديث ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها».  وبعض الناس يتخذون هذا الحديث حجة في منع النساء من المساجد أصلاً أو في عزلهن في قاعات النساء المذكورة، وهو عجيب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكنه أن يبني قاعة أخرى خاصة بالنساء أو أن يمنعهن من المسجد أصلاً، وهو ما لم يحدث قطعاً. 

والحديث معناه في تعليم أفضلية الصف الأول للرجال والصف الأخير للنساء ليس إلا، وذلك لاعتبارات وعلل معقولة، أولها أن الصف الأول للرجال والأخير للنساء هو لمن حضر مبكراً إلى الصلاة وهي فضيلة كما هو معروف، وثانيها أن هذين الصفين أقرب لعدم التشاغل ببقية المسجد ومن فيه والخشوع في الصلاة، وثالثها أمر يتعلق بأحاديث أخرى نهى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم النساء عن رفع رؤوسهن قبل الرجال، والذي كانت علته – في ذلك الزمان- هو ستر بعض الرجال في وقت كانت شدة الأحوال للمجتمع المسلم الوليد لا تسمح لكل صحابي أن يمتلك إزاراً طويلاً يستره في سجوده. 

فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى نرفع رؤوسنا"، كراهية أن يرين عورات الرجال لصغر أزرهم وكانوا إذ ذاك يأتزرون هذه النمرة.  

ومثله عن سهل بن سعد قال: كن النساء يؤمرن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة أن لا يرفعن رؤوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من قباحة (وفي رواية: ضيق) الثياب (وفي رواية: فاحفظوا أبصاركن من عورات الرجال).  

ومثله حديث عمرو بن سلمة الذي قال فيه: ... فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا إست قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص.  وهذه علة معقولة توضح مقصد التفريق بين الصفوف وحض النساء على الصف الأخير.

وبالتالي فحكم الصفوف عموماً أنه يستحب الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخرها، وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال بكل حال، وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال. أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة فأفضل صفوف النساء آخرها للحديث المذكور.


: الأوسمة



التالي
المرأة ودورها في ترسيخ القيم 1
السابق
بيان جمعية العلماء في نقاطه الأساسية...

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع