البحث

التفاصيل

الفلبين: بانجسامورو.. المأزق وسيناريوهات فى تطبيق الإتفاق (محمد الحاذق بن محمود)

الرابط المختصر :

لا تزال النشوة وهستيريا الفرح تعم المنطقة إزاء عقد مراسم التوقيع التاريخي للإتفاق الإطاري بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية (الجبهة الإسلاميه) فى 15 من أكتوبر 2012 تهدف إلى حل سياسي للصراع الدائر بمنداناو منذ العقود من زاوية، وإقامة الكيان السياسي الجديد يسمى "بانجسامورو" بعد 16 سنة من عملية السلام والتى لقيت من خلالها صدمات فى الشارع السياسي والحروب العسكرية أودت إلى مصرع المئات وتشريد الملايين فضلا عن الخسائر البشرية والمدية منذ عقود.

 

هذا المشهد السياسي يكشف مدى توق شعب مورو وأهالى منداناو عموما وطول انتظارهم إلى حل سياسي يحقن الدماء ويعيد بناء المجتمع من جديد يسوده الإستقرار والأمان وبغض النظر عن الإنتماء العرقية والديانة.

 

إنتصار الـ "بانجسامورو" يستحق هذه التهانى والدعم من المجتمع الدولى. لقد استعاد شعب مورو هويته وكرامته، لكن هذه مجرد بداية مرحلة جديدة من الكفاح! ولا تزال النضال المشروع مستمرا.

 

قد تكون هذه المفاوضات من أطول المفاوضات حول السلام فى العالم. وأن مراسم التوقيع فى القصر الرئاسي "مالاكانيانج" إنما هى نقطة التحول إلى مرحلة أصعب بكثير، يعنى أن نهاية الطريق للمافوضات التى تحدق أمام الطرفين مليئة بالصخور الثقيلة أو "الشياطين" كما يقال، إما أن ينجح الطرفان أو يخضعان لوساوس وهمزات الشياطين فتكون مصيرها إلى حال لا يُحمد عقباه وإلى جهنم وبئس المصير. إن نجاح المفاوضات يتوقف فى تطبيق بنود الإتفاق الإطاري وإقامة هذا الكيان السياسي الجديد الذى يحل محل الحكم الذاتي لمسلمي منداناو التى وصفتها الحكومة بـ "التجربة الفاشلة"، بالإضافة إلى عدة المدن المجاورة.

 

هذا الإتفاق الإطاري يتضمن كل المكونات الأساسية فى إنشاء هذا الكيان إلا أن هناك "مرفقات" فى تفاصيل لأربعة قضايا لا تزال محل نقاش حول تقاسم السلطة والموارد والسلطة الإنتقالية والتطبيع. كما ينص الإتفاق على أن الطرفين ملزمان فى تسوية هذه التفاصيل وتوقيع الإتفاق الشامل قبل نهاية عام 2012.

 

المأزق التقنى

 

فى الجولة الأخيرة للمفاوضات بين الطرفين فى 12-14 من ديسمبر قد رفعت الجلسة بدون إصدار البيان المشترك ودون تحديد الموعد القادم للمحادثات. وقعت المفاوضات فى المأزق التقنى. السبب كما أشارت إليه المصادر الأخبارية أن الطرف الحكومي يطالب بأمرين. أولا، تعديل نص الإتفاق فيما يتعلق بالبند الخامس من الفقرة الرابعة، وهو أن المجلس الإنتقالي يتكون من 15 من أبناء شعب مورو.. والحكومة ترشح سبعة وللجبهة ثمانية بما فيهم رئيس المجلس، فتريد الحكومة أن تكون الرئاسة مفتوحة على أي من هؤلاء. ثانيا، أن الحكومة تسعى إلى موافقة بين الإتفاق النهائي سنة 1996 التى وقعتها مع جبهة تحرير مورو الوطنية (الجبهة الوطنية) من ناحية، وبين الإتفاق الإطاري بينها وبين الجبهة الإسلامية من ناحية أخرى.

 

فشل الطرفان إلى تسوية المرفقات للإتفاق ولم يوقعا الإتفاق الشامل فى آخر 2012 ودخلت المفاوضات إلى طريق مسدود.

 

إن الفكرة التى طرحتها الحكومة حول تعديل الإتفاق يبلور أمرا يهدد مسيرة عملية السلام. لا ضمان فيها لتطبيق كل بنود الإتفاق، وبالتالى، فإن شعب مورو هى الذى عانى عن هذه المظالم بكل أنواعها ولن يسمح لأي طرف إختطاف ثمار هذا الإنتصار السياسي.

 

كان موقف الجبهة الإسلامية فى علاقتها مع الحكومة (غير- متكافيء) هو استكشاف النظام العملي الجديد الفعال لمعالجة الإختلال الهيكلى من الناحية السياسية والإقتصادية. ومن حق الجبهة الإسلامية رئاسة الفترة الإنتقالية حيث أنها تتمتع بالثقة والشرعية من قبل شعب مورو دون غيرها وأن الكثير من قادة شعب مورو قد رأيناهم وجربناهم طوال السنين المديد، وللأسف الشديد، خيبوا آمالنا ولا تزال الشعب مورو على هذا الوضع البائس تعيش بالكفاف بين عشية وضحاها.

 

مباردة "الموافقة" بين الإتفاقيتين وتطبيقهما معا فى آن واحد ستؤدى إلى الإضطراب حيث أن الفرق بينهما كبير من حيث المضمون والشكل، وبالتالى، فإن الحكومة تصر على أنها قد طبقت الفقرة الثانية من الإتفاق النهائي بينها والجبهة الوطنية والمتعلق بالإقتصاد، وهى الفقرة التى لم تطبق بعد – كاملا – فى نظر الجبهة الوطنية.

 

إن الخلل فى النظام الإقتصادى فى المنطقة ظل كما هو بعد الإتفاق النهائي سنة 1996 بل وازداد الطين بله حيث انتشرت البطالة فى المنطقة ومعظم الشعب يعيش تحت خط الفقر حتى فى الوقت الراهن. والحكم الذاتى لمسلمي منداناو قد أنشأت منذ 22 سنة وهى عبارة عن "البوفيه المفتوحة" – كما يقال – يأكل منه السادة والأغنياء دون القطيع الضال كما يصفون البسطاء.

 

سيناريوهات الإتفاق الإطاري

 

فى 17 من الشهر الجارى قدم الرئيس الفلبينى قرارا تنفيذيا إلى مجلس الشعب لكتابة مادة جديدة فى الدستور يُبنى فيها القانون الأساسي لباجنسامورو. وريثما يصدر هذا القرار فإن الطرفان يكونان المجلس الإنتقالى وسوف يبدأ فى أداء مهمته فى يناير 2013. ثم بعد يومين أصدر مجلس الشعب والشيوخ بيانا عن دعمهما فى القرار التنفيذى.

 

هذه إشارة إيجابية على أنه رغم هذا المأزق التقنى فإن عجلة عملية السلام ستمضى قدما. وقد أقرا الطرفين على أنه رغم عدم إكتمال المرفقات للإتفاق فإن المجلس الإنتقالى لا بد أن يبدأ فى أداء مهمته فى الخطوات الأولوية.

 

إذا أنجز المجلس الإنتقالى عن صياغة مشروع مسودة القانون الأساسي لبانجسامورو فى غضون شهر يوليو ويتم تقديمه إلى مجلس الشعب فإنه يعرض للإستفتاء فى سبتمبر ثم يتحول المجلس الإنتقالي إلى السلطة الإنتقالية، وريثما تم تشكيل السلطة الإنتقالية فى أكتوبر فإن الحكم الذاتى لمسلمي منداناو يُلغى ويسقط شرعيته تلقائيا.

 

تمتد شرعية السلطة الإنتقالية إلى ما بين الفترتين أكتوبر 2013 حتى نصف سنة من 2016 (آخر ولاية رئيس أكينو فى المرة الأولى من رئاسته) وهى المؤسسة المسؤولة عن تطبيق كل بنود الإتفاق وإشراف المشاريع التنموية والإقتصادية. وفى مايو 2016 (بشكل تقييمي) يتم إجراء أول إنتخابات برلمانية حرة لبانجسامورو، وبعدها يتم نقل وتسليم السلطة فى يونيو 2016 إلى حكومة بانجسامورو ثم يتم تحويل مقاتلي الجبهة الإسلامية إلى عناصر الشرطة، وفى حالة تنفيذ كل ما جاء فى الإتفاق فإن الطرفين يصدران وثيقة الخروج وحل لجنة المفاوضين.

 

وفى هذا الصدد، فالجبهة الإسلامية قد تسعى إلى تكوين حزب سياسي وخوض معركة سياسية مع قوى الأحزاب الفاعلة فى المنطقة.

 

مسألة الأسلحة والترتيبات الأمنية من القضايا التى تثير جدلا بل وتخوفا لدى البعض، وهذا أمر طبيعى، لكن أما هؤلاء الذين يخوّفون الشعب بالأمور قد أعماهم ومنعهم خوفهم فى التصدى لتحديات العصر ومعطيات الواقع (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) ولا يريدون المضي قدما نحو النهضة. وفى حالة حدوث أي خروقات فإن الجبهة الإسلامية وشعب مورو هى صاحب القرار الأخير وهو الذى يقرر مصيره.

 

شعب مورو اليوم بحاجة ماسة إلى الدعم السياسي والإقتصادى والتعليمى من المجتمع الدولي، وعلى العالم الإسلامى والمنظمات الإسلامية الدولية – تحديدا – أن يكونوا أولى من غيرهم فى مد يد العون. إن الخبرات السياسية والإقتصادية وكيفية بناء المؤسسات الحكومية وإدارتها، فضلا عن مشاريع التنموية البشرية والإدارية، والمشاريع الإستثمارية، هى أولى الأولويات فى هذه الفترة. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


: الأوسمة



التالي
في تشييع عام مضى (نزيه أحمد خالد)
السابق
رسالة إلى أهلنا في الانبار والموصل وسامراء وغيرها (محمد البرزنجي)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع