الرابط المختصر :
أ د ليلى محمد بلخير
غطرسة اللغة والعنف الرمزي
إن التلاعب بالمصطلحات وهو فن التمويه الذكي لتمرير رسائل فكرية، متخذا أشكالا عدة حيث نجد تفريخا كبيرا لمسميات بأسماء في الظاهر هي متفاوتة ولكن المضمون واحد، تأخذ طابعا تدافعياً تراكميا استفزازيا وبعيد عن المعقولية (المساواة، الجندر، الهوية، الاختلاف.... الخ) إذ تسعى الباحثات الأكاديميات في ديار الغرب لتغذية الحركات النسائية بالجانب التصوري والأفكار، وتفريخ المصطلحات باحترافية ليتم تنفيذها وفق خطط وبرامج واستراتيجيات قصيرة أو طويلة المدى، متخذا طابعا عابرا للقارات، وخاصة في تسخير الناشطات المنشغلات أساسا بالأفكار والبرامج المتعلقة بحقوق الإنسان العالمية.
وبما أن اللغة شريان الحياة المعاصرة، فلا يمكن أن نحيا أو نتطور إلا بفهم معانيها وفك شفراتها ، والمشكل أن لكل مصطلح أطرا معرفية ومرجعيات فكرية، ومنبت فلسفي يتحكم في مضمونه ومقصده وآثاره، وهذا تفسير اضطرابنا وشرودنا وعدم قدرتنا على التعاطي مع الجديد المتسارع فيه. إذ أصبحت اللغة تبالغ في اهتمامها بالأشكال التنظيمية الفضفاضة المرنة والمائعة، نستطيع جمعها مرة وتجزئتها مرة أخرى، وإعادة بنائها لاستعمالات كثيرة بقاعدة أو بغير قاعدة، يحكمها اللايقين والفوضى، التعدد والتمدد، البلبلة والسيولة، الضبابية والتناقض، مثال بسيط على ذلك صيغة (الأم العازبة) كيف يجتمع النقيض مع نقيضه في قالب واحد؟ كيف تكون أما وعازبة في الوقت نفسه؟ وعلى أي مرتكز نقف الأمومة أم العزوبة؟ ولو أعملنا النظر فيما جاء في أحد بنود اتفاقية سيداو لمحاولة معالجة وضع الأم العازبة بفرضها على المجتمع المسلم، تنال الأم العازبة "نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة بغض النظر عن حالتها الزوجية.... نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم" المساواة التي تريد اللغة فرضها هي مساواة بعيدة عن المشروعية ، لانتفاء الأصل والأساس الذي تقف عليه هو الزواج الشرعي، لا يمكن أن يتساوى النكاح بالسفاح، وتبرز صيغة ( الحالة الزوجية ) كبنية لغوية غريبة وبعيدة عن ثقافتنا وهويتنا ، وكأنها تريد أن تشير لأنماط وأشكال أخرى للعلاقات بين اثنين لا فرق بين محرم وشرعي، وهذا مثال فقط عن لغة هذا العصر، لغة دفاقة انسيابية ناعمة وشرسة، تمارس غطرسة من نوع آخر، خفية وفتاكة، تبرر ما تطرحه بألوان ونكهات جديدة، وتعيد تعليب منتوجها الهش المتهالك تعليبا فاخرا، تروج له بماركات جديدة وصيغ جذابة للاستهلاك الواسع. تغيير المصطلحات لتغيير الطريقة التي يفكر بها العالم نحو الأسرة، ونحو مبادئ الدين وقيم الحياة ونمط العيش، والدفع بكل قوة لاكتساب المشروعية من منطلقات وهمية باهتة حتى تمارس غطرستها و وحشيتها أكثر على كل من يخالفها أو يفكر في مناقشتها أو يتحرر من سلطتها وللحديث بقية بحول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذا المقال ضمن سلسلة مقالات " القرآن والحياة ".