الرابط المختصر :
التربية الجميلة
فضيلة الشيخ محمد الغزالي
: لم يفلح رجال الدين فى تكوين جيل من المؤمنين ذوى العواطف الحارة والمشاعر المشبوبة، التى تتصل بالله عن حب ورغبة وإعجاب، فقد كان جهدهم موجهآ إلى تخويف الناس من مبدع السماء، وإفهامهم أن الوصف الأول الله عز وجل أنه جبار السموات والأرض، مرسل الأقضية القاسية، والأحكام المعنتة، والأحوال التى لا تعرف حكمتها، ولا تفقه علتها.
وتعريف الناس بربهم على هذا النحو لا يكون عقيدة ناجحة، ولا يؤسس أعمالا مثمرة، والأولى أن تربط قلوب الناس بالله عن طريق الحب لذاته. والإعجاب بمجده، والإحساس بصنيعه، والاعتراف بمآثره...
وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم موصول الفؤاد بالله على هذا الأسلوب:
إذا جاءت بواكير المطر فى الشتاء تعرض لها بجسمه وثوبه وهو يقول: "هذا مطر حديث عهد بربه ". وهى كلمة تنضح بما فى قلب صاحبها من شوق لربه وحبيبه.
وإذا طلعت بواكير الفاكهة قبّلها، لأنها قريبة عهد بمن أبرزها، بديعة الألوان والطعوم وسط حمأ مسنون.
وعندما حضرته الوفاة هتف فى استبشار: "إلى الرفيق الأعلى".
وعلى هذا الغرار كان الرسول الكريم يربى أصحابه ويغرس فى قلوبهم بذرة الحب المكين لربهم ولدينه العظيم. فآتى هذا الحب ثماره اليانعة. إقبالا على الخير. وعزوفا عن الشر. وحماية للحق. وصبرا على المكاره. ورغبة فى التضحية. ورصانة عند انهمار النعم فى السراء. وعند إدبارها فى الضراء.
وهذه النتائج كلها لا نصل إليها، ولا إلى بعضها، لو بنينا الإيمان على الخوف المبهم، والرهبة الخفية.
ولا ننكر أن الدين الحنيف يقرن تعاليمه، فى أحيان شتى، بالترهيب وسوق النذر وإيقاد الشرر، لكن هذه الشدة مواضعها المحددة عند تأديب النفس، وكظم الشهوات، ومحاربة الجرائم... وليست الأساس الأول الناجع من طرق التربية الصحيحة.
والقرآن الكريم يتألف النفوس ويطبعها على أن تعرف الله بما يرسل من رحمات ويبث فى الأرض من بركات، ولذلك يطوى ذكر الشرور فلا يصرح بنسبتها إلى الله، على حين يذكر الأفضال جلية النسبة فيقول: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا
فليعرف رجال الدين كيف يحببون الله للناس، فإن طرائقهم الآن تنطوى على تنفير من دينه وإبعاد عنه.
من كتابه #تأملاتفيالدين_والحياة