الرابط المختصر :
الميراث، ونصيب الإناث
بقلم الدكتور الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك
إن الاحكام المواريث مكانة بارزة في الشريعة الاسلامية لارتباط هذه الاحكام بحقوق أفراد الاسرة والاقارب
في الامور المالية بعد وفاة احدهم. ويكون نصيب الوارث من مورثه من اسباب التملك المشروع فيقول الله عز وجل “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر، نصيبا مفروضا”. سورة النساء”الاية ٧”. وتمثل احكام المواريث نظاما دقيقا، مع التنويه الى ان ديننا الاسلامي العظيم قد انفرد عن سائر الديانات السماوية والانظمة الوضعية، سابقا ولاحقا، باحكام المواريث، لذا يعد نظام المواريث في الاسلام نظاما فريدا من نوعه، وكذلك فان علم المواريث هو العلم الوحيد في الشريعة الاسلامية الذي تولى القرآن الكريم شرحه وتفصيله، في حين ان الاحكام الشرعية الاخرى قد وردت في القرآن الكريم بشكل مجمل وعام وجاءت السنة النبوية المطهرة بالشرح والتفصيل لها. هل التوريث اجباري ام اختياري ان التوريث في الاسلام يعد اجباريا وليس اختياريا، وعليه فلا يملك المورث قبل وفاته ان يحرم او يمنع احدا من المستحقين، سواء كان الوارث ذكرا او انثى، في الوقت نفسه فان الوارث يملك نصيبه من الميراث جبرا من غير اختيار منه ولا استشارة له، لان قرار التوريث هو من رب العالمين، ثم بعد ان يمتلك الوارث نصيبه من التركة فله الحق ان يتصرف بنصيبه تصرف المالك في المجالات المشروعة من بيع او اجارة او اعارة او رهن او هبة او غير ذلك. صلاحية المورث بعد وفاته لقد اعطى ديننا الاسلامي العظيم للشخص الحرية في ان يتصرف في ثلث ماله بعد وفاته وذلك من خلال “الوصية الشرعية” فلا يجوز للشخص ان يوصي باكثر من ثلث ممتلكاته لقول رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه بشأن الوصية “.. الثلث، والثلث كثير او كبير” من حديث نبوي شريف مطول اخرجه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ومن البدهي ان يحق للشخص ان يوصي باقل من الثلث، ولكن لا يجوز ان يتجاوز الثلث، ومن المعلوم ان الوصية تكتسب في حياة الشخص،
اما تنفيذها فانه يكون بعد وفاته. مع التأكيد على انه لا تجوز الوصية لوارث، وهذا هو الاصل للحديث النبوي الشريف “.. فلا وصية لوارث الا ان يشاء الورثة” من حديث نبوي شريف مطول اخرجه احمد وابن ماجة والترمذي عن الصحابي الجليل ابي امامة الباهلي رضي الله عنه. اما اذا وافق سائر الورثة باختيارهم على ذلك فان الوصية تنفذ للوارث، هذا وان اقرار الورثة للوصية يعد تبرعا منهم، ولا تجوز الوصية في امر محرم او الى جهة محرمة، فالوصية ينبغي ان تكون في مجال العبادة والبر والخير والاحسان والطاعة. توزيع الاموال في حياة الشخص ان توزيع الرجل لامواله وممتلكاته بين اولاده في حياته لا يتعلق بالميراث، لان الميراث لا يكون ميراثا، الا بعد وفاة المورث. هذا وقد اجازت الشريعة الاسلامية للاب ان يوزع ممتلكاته في حياته شريطة ان يحقق العدل بين اولاده جميعهم ذكورا واناثا، فقد ثبت ان الرسول صلى الله عليه وسلم، قال للصحابي بشير الانصاري )والد النعمان بن بشير( رضي الله عنهما اراد الاب ان يهب ابنه النعمان اعطية دون سائر ابنائه قال من حديث مطول “.. فاتقوا الله، واعدلوا بين اولادكم” متفق عليه، عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما، فهذا الحديث النبوي الشريف يأمر باقامة العدل بين الاولاد في الهبة، والسؤال: هل يكون نصيب البنت في هذه الحالة مساويا لنصيب الابن؟ والجواب: بالرغم من ان الاب له حق التصرف من ماله في حياته كيفما شاء، الا انه ملتزم بالنص القرآني على اعتبار ان امواله ستؤول لورثته. فالعدل ان يعطى الاب للذكر مثل حظ الانثيين، وهي قسمة المواريث، وفي ذلك حسم لاي خلاف في المستقبل قد ينشب بين الاخوة والاخوات. ويحرم شرعا على الاب ان يقسم امواله وممتلكاته في حياته على الابناء فقط وان يحرم البنات. هذا وقد اجاز عدد من العلماء للاب ان يمنح في حياته لاحد اولاده من ماله اكثر مما هو مخصص لسائر الاولاد، وذلك اذا وجد الاب سببا وجيها وتبريرا معقولا: مثل ان يكون احد الاولاد عاجزا عن الكسب او مريضا مقعدا او صاحب عاهة مستديمة، او ان يكون احد الابناء قد بذل جهدا مميزا في تنمية اموال والده فلا بد من انصافه وبيان حقه في حياة ابيه، وشريطة ان يكون تصرف الاب نابعا من الحرص والمحبة لجميع الاولاد من الذكور والاناث، اي ان الاعطية لاحدهم زيادة عن الاخر لا تكون نتيجة محاباة او تحيز، ومرد هذا الامر بين الانسان وربه، ورسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم يقول
“انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرىء ما نوى” متفق عليه عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف اخر “استفت قلبك: البر ما اطمأنت اليه النفس، واطمأن اليه القلب. والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وان افتاك الناس وافتوك” رواه احمد والدارمي عن الصحابي الجليل رابعة بن معبد رضي الله عنه. اما بعد وفاة الاب فان كل واحد من الذكور والاناث يرث حسب الفريضة الشرعية. حرمان البنت من الميراث هناك بعض الاباء يستغلون جواز توزيع ممتلكاتهم في حياتهم فيعطون الابناء الذكور فقط متجاهلين حقوق البنات، بحجة ان البنت تتزوج من عائلة اخرى فيخشون ان تنتقل التركة الى غيرهم!! وهذا الحرمان للاناث غير جائز شرعا وهو اجحاف بحق البنت وهو اكل لاموال الناس بالباطل، سواء كان توزيع الممتلكات والاموال في حياة الاب او بعد وفاته وسواء كانت البنت متزوجة او غير متزوجة، والله سبحانه وتعالى يقول “ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل” سورة البقرة الاية ١٨٨ . ويقول عز وجل في آية اخرى “يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل” سورة النساء الاية ٢٩ . والسؤال : ماذا يستفيد الاب حين يقدم على هذه الخطوة في حرمان البنات سواء في حياته او بعد مماته؟! والجواب: انه يقحم نفسه في النار دون ان يستفيد شيئا، ولا معين ولا شفيع له في الحياة الاخرة يوم يفر المرء من اخيه، وامه وابيه، وصاحبته وبنيه..” سورة عبس الايات ١- ٣ . كما ان الابناء يكسبون اثما كبيرا اذا وافقوا والدهم على الباطل واكلوا حق اخواتهم. فالاثم لا يلحق الاب فحسب بل يشمل الابناء الذكور ايضا، واذا اراد الابناء ان يصححوا الوضع الشاذ وان يرجعوا الى الحق فيتوجب عليهم تحكيم القرآن الكريم والالتزام بالنصوص الشرعية التي توضح الاسهم والانصبة واعطاء اخوانهم حقوقهم. حينئذ يكون الابناء بريئين امام الله العلي القدير، وهم في نفس الوقت ينقذون اباهم من عذاب القبر ومن عذاب جهنم، ونقول لاعداء الاسلام وللعلمانيين واللادينيين: ان ما يقوم به بعض المسلمين من حرمان للبنات هو غير جائز شرعا ولا يمثلون الاسلام، ومن الظلم ان يحاول هؤلاء الاعداء، الصاق تصرفات المسلمين الشاذة بالاسلام، فالاسلام بريء منهم والاسلام اسمى من ان يوضع في قفص الاتهام. الحكمة الربانية بان نصيب الذكر ضعف نصيب الانثى يقول الله سبحانه وتعالى “يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين” سورة النساء الاية ١٠، ويقول في السورة نفسها “وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين” الاية ١٧٥ . وتتعلق هاتان الايتان الكريمتان بتوزيع تركة المتوفى بين الاخوة والاخوات فقط. ولا علاقة لهاتين الايتين بالمستحقين الاخرين في الميراث من الذكور والاناث. وكما هو معلوم ان اصحاب الفرائض في الميراث هم اثنا عشر صنفا: اربعة من الذكور فقط وهم )الزوج، الاب، الجد، الاخ لام( وثمانية اصناف من الاناث وهن )الزوجة، الام، الجدة، البنت، بنت الابن، الاخت الشقيقة، الاخت لاب، الاخت لام( فالمحصلة النهائية ان مجموع انصبة الاناث في غالب الاحيان يفوق مجموع انصبة الذكور، لان عدد المستحقين من الاناث هو ضعف عدد المستحقين من الذكور. فلا مجال للادعاء المزعوم بان الشريعة الاسلامية تحابي الذكور وتظلم الاناث. اما الحكمة من اعطاء الاخ ضعف نصيب الاخت لان الاخ عليه التزامات مالية اكثر من التزامات اخته، فعلى سبيل المثال يطلب من الاخ نفقات الزواجوالانفاق على الاولاد وعلى جميع اخواته اذا كن غير متزوجات. اما الاخت فلا يطلب منها اي التزام من هذه الالتزامات. وان مشاركتها في النفقات يكون ذلك رغبة منها، اي يكون من قبيل التبرع والهبة وليس من قبل الالتزام. وعلى ضوء ذلك فان اخذ الاخ ضعف نصيب اخته في الميراث لا يسد التزاماته المتعددة المطلوبة منه في غالب الاحيان، ثم ان اخذ الاخ ضعف ميراث اخته لا يعني الافضلية ولا يقصد التمييز بينهما لا من قريب ولا من بعيد. فالموظف المتزوج على سبيل المثال يأخذ راتبا اعلى من الموظف غير المتزوج، وان الموظف الذي له اولاد يأخذ اكثر من الموظف الذي ليس له اولاد. فلا يعني هذا الا بسبب الالتزامات وليس الافضلية بين الموظفين، وكذا الامر بالنسبة للاخ حين يأخذ ضعف نصيب اخته في الميراث، فالموضوع ليس موضوع الافضلية، وانما هو من منطلق الالتزامات المالية التي تقع على كاهل الاخ دون اخته، مع التأكيد على ان كلا من الذكر والانثى متساويان امام الشرع وانهما متكافئان في الانسانية “ولقد كرمنا بني ادم” سورة الاسراء الاية ٧٠ . اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.