البحث

التفاصيل

الإسلام والوسطية والتكاملية

الرابط المختصر :

الإسلام والوسطية والتكاملية
الميثاق الإسلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

    يؤمن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بمنهج الوسطية الإيجابية التي تقوم على التوازن والاعتدال في النظرة لأمور الدين والدنيا، دون غلوّ ولا تفريط. لا طغيان في الميزان ولا إخسار فيه، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى:  ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان  [الرحمن55/8-9].
    وقد رأينا الإسلام يتسم بالوسطية في كل شيء، ويجعلها من خصائص أمته الأساسية:  وكذلك جعلناكم أمة وسطا... [البقرة 2/143].
1- والوسطية التي نؤمن بها تمثل التوازن الإيجابي في كل المجالات، اعتقادية وعملية، مادية ومعنوية، فردية واجتماعية.
2- فهو يعمل -في حياة الفرد- على الموازنة بين الروح والمادة، بين العقل والقلب، بين الحقوق والواجبات، بين الدنيا والآخرة:  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ... [البقرة2/201]، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا... [القصص28/77].
    ومن ناحية أخرى، يقيم الإسلام الموازين القسط بين الفرد والمجتمع، فلا يُعْطِي الفرد من الحقوق والحريات ما يتضخم بها على حساب مصلحة المجموع كما فعلت الرأسمالية، ولا يعطى المجتمع من الصلاحيات والسلطات، ما يجعله يطغى ويضغط على الفرد، حتى يضمر وينكمش، وتذبل حوافزه ومواهبه كما فعلت الاشتراكية والشيوعية.
    بل يُعْطِي الفرد حقه، والمجتمع حقه، بلا طغيان ولا إخسار، وقد نظّمت ذلك أحكام الشريعة وتوجيهاتها.
    إننا نؤمن بأن الغلو في الدين مهلك للفرد وللجماعة: «إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» ( ). كما أن الانحلال عن عروة الدين وقيمه وعقائده وشرائعه مهلك كذلك.   
    لهذا نتبنى الفكر الوسطي في كل مجال فهو الذي يصلح للأمة، وتصلح به الأمة. 
    فهذا الفكر: وسط بين دعاة المذهبية الضيقة... ودعاة اللا مذهبية المفرطة.
    وسط بين أتباع التصوف وإن انحرف وابتدع.. وأعداء التصوف وإن التزم واتبع. 
    وسط بين المحكمين للعقل وإن خالف النص القاطع... والمغيبين للعقل ولَوْ في فهم النص.
    وسط بين الذين ينكرون الإلهام مطلقا، فلا يعترفون بوجوده ولا بأثره... والذين يبالغون في الاعتداد به، حتى جعلوه مصدراً للأحكام الشرعية.
    وسط بين دعاة التشدد ولو في الفروع والجزئيات.. ودعاة التساهل ولو في الأصول والكليات.
    وسط بين المقدسين للتراث وإن بدا فيه قصور البشر.. والمُلْغِين للتراث وإن تجلّت فيه روائع الهداية.
    وسط بين فلسفة المثاليين الذين لا يكادون يهتمون بالواقع.. وفلسفة الواقعيين الذين لا يؤمنون بالمثل العليا.
    وسط بين دعاة الفلسفة "الليبرالية" التي تُقدّس الفرد وتضخمه على حساب المجتمع.. ودعاة الفلسفة الجماعية "الماركسية" التي تُقدّس المجتمع وتضخمه على حساب الفرد.
    وسط بين دعاة الثبات ولو في الوسائل والآلات.. ودعاة التطور ولو في المبادئ والغايات.
    وسط بين دعاة التجديد والاجتهاد وإن كان في أصول الدين وقطعياته.. ودعاة التقليد وخصوم الاجتهاد، وإن كان في قضايا العصر التي لم تخطر ببال السابقين. 
    وسط بين الذين يُهْمِلُون النصوص الثابتة بدعوى مراعاة مقاصد الشريعة.. والذين يغفلون المقاصد الكلية باسم مراعاة النصوص. 
    وسط بين دعاة الانفتاح على العالم بلا ضوابط.. ودعاة الانغلاق على النفس بلا مبرر.
    وسط بين دعاة الغلو في التكفير حتى كفّروا المسلمين المتدينين.. والمتساهلين فيه ولو مع صرحاء المرتدين، المعادين للدين، العملاء لأعداء المسلمين.  
    وسط بين المبالغين في التحريم، حتى كأنه لا يوجد في الدنيا شيء اسمه حلال! والمبالغين في التحليل، حتى كأنه لا يوجد في الدنيا شيء حرام!
    وسط بين المستغرقين في الماضي الغائبين عن الحاضر والمستقبل، وبين المغفلين لماضيهم، كأنما يريدون حذف (الأمس) من الزمن، والفعل الماضي من اللغة.
2-  هذه الوسطية المتوازنة تتممها تكاملية شاملة. 
    ذلك بأن الإسلام لا يجعل أكبر همه التطبيق الظاهري للجانب القانوني في الشريعة. 
    لكن معركته الأولى، ومهمته الكبرى، السعي الحثيث لإقامة حياة إسلامية حقيقية، لا شكلية.. حياة تعمل على إصلاح ما بأنفس الناس، حتى يصلح الله ما بهم، في ظلها يُبْنَى الإنسان المؤمن، والأسرة المتماسكة، والمجتمع المترابط، والدولة العادلة، التي تتصف بالقوة والأمانة.. حياة إسلامية متكاملة، توجهها عقيدة الإسلام، وتحكمها شريعة الإسلام، وتسودها مفاهيم الإسلام، وتضبطها أخلاق الإسلام، وتجملها آداب الإسلام.
    حياة مجتمع متكافل متماسك، كالبنيان يشد بعضه بعضا، لا يجوع فيه فرد، وجاره إلى جنبه شبعان، يتوافر فيه العلم النافع لكل جاهل، والعمل المناسب لكل عاطل، والأجر العادل لكل عامل، والغذاء الكافي لكل جائع، والعلاج الناجع لكل مريض، والمسكن الصحي لكل مواطن، والكفاية التامة لكل محتاج، والرعاية المادية والاجتماعية لكل عاجز، وبخاصة الأطفال والشيوخ والأرامل والمعُوقون. كما تتوافر في هذه الحياة، القوة على كل صعيد: القوة في الفكر، والقوة في الروح، والقوة في البدن، والقوة في الخُلُق، والقوة في الاقتصاد، والقوة في السلاح والإعداد، بجوار قوة الوحدة، والتماسك، وأساس ذلك كله قوة الإيمان.


: الأوسمة



التالي
مفهوم( الحكم بما أنزل الله ) بين السطحية والحقيقة
السابق
القرآن في حياة الصحابة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع