حب المال والجاه ذئبان ضاريان
أ. د. أحمد الريسوني
روى الأئمة أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان، عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما ذئبان جائعان ـ أو ضاريان ـ أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف.
والناس يعرفون ما يمكن أن يفعله الذئبان الضاريان الجائعان، إذا سلطا على قطيع غنم، من تقتيل وتمزيق وافتراس وإفساد.
فمثل ذلك، بل أشد، يفعله ذئبان من نوع آخر إذا تسلطا وخلي بينهما وبين الإنسان ودينه، إنهما يفترسان الدين ويعيثان فيه فسادا بأكثر وبأسوأ مما يفعله الذئبان الجائعان في غنم لا حارس لها ولا مدافع عنها.
إنهما الحرص على الغنى والمال، والحرص على الشرف والجاه.
فإذا أطلق الإنسان لنفسه العنان في طلب المال والجاه، وتمادى في الحرص عليهما والتعلق بهما، كان ذلك إيذانا بخراب قلبه وفساد دينه. ولو كان من خيرة العلماء العاملين وصفوة الدعاة والمجاهدين، ومن الأتقياء الورعين.
فالدين يعلهم القناعة، وطلب المال يعلمه الشراهة.
والدين يعلمه الحرص على المباحات الطيبات، والحرص على المال يجره إلى الشبهات، ومنها إلى المحرمات.
والدين يريد المال وسيلة لا غاية، وحب المال والتمادي فيه يجعل منه غاية، وقد يصبح معبودا.
والدين يدعو إلى بذل الدنيا في سبيل الدين، والحرص على المال يدعو ويجر إلى بذل الدين لأجل الدنيا.
والدين يدعو إلى الرحمة والإيثار، وحب المال يعلم القسوة والاستئثار.
وكذلك، فالدين يدعو إلى التواضع وخفض الجناح، وحب الجاه يدعو إلى طلب العلو والرفعة.
والدين يعلم الخوف من المناصب والإشفاق منها، وطلب الجاه يعلم السعي إليها والاستمساك بها.
والدين يعلمنا اتهام النفس ومخالفة هواها، وحب الشرف يجر إلى اتهام الغير والرضى عن النفس وركوب هواها.
والدين يعلمنا التعلق بثواب الله وما يجلبه من نعيم مقيم، وحب الجاه يعلم التعلق بثناء الناس وما يجلبه من تعظيم وتقديم.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الحرص على المال والشرف ذئبان مفترسان، أكثر فتكا وأشد خطرا من ذئاب الغنم.